غدا.. انطلاق الأسبوع التدريبي ال34 للتنمية المحلية بسقارة    «جيه بي مورجان» يتوقع زيادة 16.2 مليار دولار في احتياطيات مصر الأجنبية    تداول 13 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و842 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    التموين: 75% من المخابز السياحية والأفرنجية في المنيا خفضت أسعارها    الخارجية الروسية: الناتو يشن حربا ضدنا من خلال دعم أوكرانيا بالسلاح والتمويل والمعلومات    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    رفع درجة الطوارئ بالأقصر بمناسبة احتفالات عيد القيامة وشم النسيم    نغمات الربيع وألوان الفرح: استعدادات مبهجة وتهاني مميّزة لاحتفال شم النسيم 2024    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    شم النسيم، طريقة عمل بطارخ الرنجة المتبلة    التنمية المحلية: دعم فني وتدريبي لقيادات المحليات على تنفيذ قانون التصالح في البناء    فيتش تتوقع تراجع إيرادات السياحة 6% وقناة السويس 19% ب2024.. ما السبب؟    «مياه القناة»: زيادة الضخ من المحطات في أوقات الذروة خلال الصيف    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    التنمية المحلية: تسريع العمل وتذليل المعوقات لتنفيذ مشروعات حياة كريمة بأسوان    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    توفيق عكاشة: شهادة الدكتوراه الخاصة بي ليست مزورة وهذه أسباب فصلي من مجلس النواب    حسين هريدي: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    السيسي يعزي في وفاة نجل البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    تقود إلى صراع محتمل.. الخارجية الروسية تهاجم تدريبات الناتو "المدافع الصامد"    روسيا تسقط مسيرتين أوكرانيتين في بيلجورود    200 جنيه.. تعليق ساخر من سيد عبد الحفيظ على ركلة جزاء للزمالك    تشكيل النصر المتوقع أمام الوحدة.. رونالدو يقود الهجوم    كرة السلة، أوجستي بوش يفاجئ الأهلي بطلب الرحيل    خبير تربوي: التعليم التكنولوجي نقلة متميزة وأصبحت مطلب مجتمعي    "ولاد العم وقعوا في بعض".. 4 مصابين في معركة بالسلاح بسوهاج    «جمجمة مُهشمة وحقيبة مليئة بالدماء».. أسرة طفل المنوفية تروي تفاصيل دهسه أسفل سيارة الحضانة (صور وفيديو)    «جنايات المنيا» تنظر 32 قضية مخدرات وحيازة سلاح    إيقاف حركة القطارات بين محطتى الحمام والعُميد بخط القباري مرسى مطروح مؤقتا    متحدث التعليم يكشف تفاصيل عدم فصل التيار الكهربائي عن جميع المدارس خلال فترة الامتحانات    3 أحكام مهمة للمحكمة الدستورية العليا اليوم .. شاهد التفاصيل    الخميس.. انطلاق أول رحلة لحجاج بنجلاديش إلى السعودية    محافظ الوادي الجديد يقدم التهنئة للأقباط بكنيسة السيدة العذراء بالخارجة    محافظ الإسماعيلية خلال زيارته للكنائس مهنئًا بعيد القيامة: المصريون نسيج واحد    حسام صالح وأحمد الطاهري يشيعان جثمان الإذاعي أحمد أبو السعود    المتحف المصري يعرض نموذجا لعمال يقومون بإعداد الطعام في مصر القديمة    دعاء يحفظك من الحسد.. ردده باستمرار واحرص عليه بين الأذان والإقامة    الباقيات الصالحات مغفرة للذنوب تبقى بعد موتك وتنير قبرك    شم النسيم.. رفع درجة الاستعداد بمنشآت التأمين الصحي الشامل    مستشار الرئيس للصحة: مصر في الطريق للقضاء على مسببات الإصابة بسرطان الكبد    القافلة الطبية المجانية لمدة يومين بمركز طامية في الفيوم    إحالة 37 من المتغيبين بمستشفيات الرمد والحميات في المنوفية للتحقيق    رئيس هيئة الدواء: دعم صناعة الدواء في أفريقيا لتصل إلى المقاييس العالمية    وزير الرياضة يُشيد بنتائج اتحاد الهجن بكأس العرب    ضياء السيد: أزمة محمد صلاح وحسام حسن ستنتهي.. وأؤيد استمراره مع ليفربول (خاص)    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    موسم عمرو وردة.. 5 أندية.. 5 دول.. 21 مباراة.. 5 أهداف    ما حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم؟ «الإفتاء» تُجيب    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    إيرادات فيلم السرب على مدار 3 أيام عرض بالسينما 6 ملايين جنيه ( صور)    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    رئيس مكافحة المنشطات يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد عقوبة تونس    محمود بسيوني حكما لمباراة الأهلي والجونة في الدوري    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة
عتمة المدينة

المدينة طقوسٌ من العمل والفوضي والتجارة، ومسرح للغني والفقير، حيث تلفها خبايا من الفرح والحزن، وتغسلُ شوارعها نهاراتٌ من الضجر والكآبة، وتغمرُها بعضُ النسماتِ الرطبةِ المنعشة، التي تهب بين الفينة والأخري. سماؤها أغلب الأحيان تغلفها حيرة صيف بدوي، وبعض غيومٍ بيضاءٍ تاهت في زواياها، وانعقدت الزُرقةُ لوناس صار للفقراء سوطاس يلسعهم في حر الشمس اللاهب، وذاتَ يومٍ خريفي عابس، صار الغيمُ الأسودُ يزحف نحو أطراف السماء رويداس رويداس وبدأ يقضمُ زرقتها بهدوءٍ وصمت، والناسُ لا يبالونَ سوي بنهارات متعبةٍ، يتراكضون إلي مصالحهم، متناسين حتي قلوبهم التي أنهكها الكرة والأنانيةُ، والغيمُ الأسودُ يشتد سواداس ويغلقُ كلَّ المنافذِ الزرقاء من جهة الغرب، ثم تبدأ العتمة بالسقوطِ علي نهار المدينة ببطء ظاهر، البعض رفع رأسه إلي السماء ولم يلاحظ أن السماءَ غاضبةٌ منه، بل اعتبرَ أن الأمرَ مجردُ عاصفةٍ هوجاءٍ تمر، والبعضُ الأخرُ لم ينظر أبداس سوي إلي طريقه الذي يسيرُ عليه وهمُه الوحيدُ هو الوصولُ إلي راحته اليومية، المنغلقةِ إدماناس يومياس لرغبته في الاسترخاء المنزلي، عندما يعلو فوق سريرٍ من الخيبة، أو بعضِ الفرح لينام قيلولتهاليومية.
تزدادُ العتمةُ في وضح النهار، بعد أن يغطي الغيمُ الأسودُ الكثيف، أغلبَ المساحاتِ الفارغة من جهة الشمال، ويبدأ الناس برفع رؤوسهم المنهكة أفكاراس والبعضُ الأخر يؤشر إلي العتمة الغريبة، التي امتصت لونَ السماء، والي الغيم الأسود الكثيف الذي صار يغطي كل مصادر الضوء، وراح بعضٌ آخرٌ من الناس يظهرُ تأففه من ازدياد الظلامِ الحانق في وضح النهار.
ماذا حصل؟ .. ماذا يحصل؟.. هذه هي الأسئلةُ التي شرع أغلبُ الناسِ يتداولونها، عند الظهيرةِ تماماس صارت العتمةُ تلفُ المدينةَ كلها، واضطر المسئولون إلي إضاءة الإنارة في الشوارع، وأضاء أصحابُ المحلات التجارية أيضاس محلاتهم، وانتشرَ الخبرُ عبرَ وسائل الإعلام، وراح المعلقون والمحللون والخبراءُ بالمناخ والاقتصاد والسياسة، يناقشونَ هذه الظاهرة الغريبة، ويضعون تصوراتهم وحلولهم، فالبعضُ أرجعها لتغيرات مناخيةٍ نتيجة التلوث، والبعضُ الأخرُ ارجعَ السبب إلي مؤامرة دولية كبري، وآخرون اعتبروها لعنة حلت نتيجةَ فسادِ البشر، حتي أنَّ أحدهم أرجعَ الأمر إلي هجوم لمخلوقاتٍ فضائية، أما بعضُ رجالِ الدين فأرجعوها إلي عقوبة من الله نتيجةَ ازديادِ الكفر. وهكذا ازدادت التحليلات والأحاديثُ المختلفة في كل بيت، استمرَ الوضعُ علي هذه الحال عدة أيامٍ، فلم يستطع المزارعونَ الاهتمامَ بمحاصيلهم، ولا العمالُ القيامَ بأعمالهم، فتوقف الكثيرُ من الأعمال، وضربَ الحزنُ موعداس في أغلب البيوت.
راحَ العقلاءُ يفكرون بطريقة للخروج من هذه المصيبةِ الكبري التي حلت بالبلد، ويتساءلون ما هذا الأمر؟.. ولماذا حصل ذلك؟.. وكيف السبيلُ للخروج من هذا المأزق؟.. فيجتمع بعض منهم مع ممثلٍ عن الحكومة لإيجادِ وسيلة معينةٍ للخروج من الأزمة، وبعدَ نقاشٍ طويلٍ غير ذي فائدة، يقترح أحدُ العقلاءِ أن يذهبوا إلي حكيمٍ يسكنُ في أحد الجبال، لأن لديه علما كبيرا، ويمكن له حلُّ اللغزِ، يرفضُ البعضُ ويوافق آخرون وممثلُ الحكومة يرفض بحجة أن ذلك تدجيلٌ ومنافٍ للعلم، ولكن بالنتيجة، ونتيجة ضغطِ الشارع الملح لإيجاد مخرجٍ، يتوافقُ الجميعُ علي هذا الحل، ويذهب وفدٌ من العقلاء مع ممثل الحكومةِ إلي مكان تواجدِ الحكيم.
يسكن الحكيم في قمة جبلٍ عالٍ، داخلَ غابةٍ صغيرة، يطفو بأفكاره وهدوئه فوقَ صفاء الطبيعةِ، وخذلانِ البشرِ، وبعيداس عن متاهات ونفاياتِ المدينة، فهو زاهدٌ بالحياة الباذخةِ، ولا يحبُ الترفَ الدنيويَ كما في المدينة، يتفاجأ الوفدُ بنحالةِ جسم الحكيم، وسعة فهمه ومعرفته وحكمته، ويقول له أحد أعضاء الوفد:
-أيها الحكيمُ المبجلُ، عرفنا حكمتكَ ومعرفتك، ونحنُ نطلب المساعدةَ في المصيبةِ التي حلت بنا، فالمدينةُ كلها عزقت في العتمةِ منذ عدة أيام، والغيمُ الأسود يسكنُ في سمائنا، ويرفضُ أن يغادرنا فما العمل؟؟..
يصمتُ الحكيمُ برهةٌ دونَ أن ينظرَ إليهم، ويردُ بكل ثقةٍ وحكمةٍ:
-الحبُ..!!
-ماذا تقول أيها الشيخُ الجليلُ؟ يسألُ الجميعُ، ويتابعُ أحدهم: ماذا تقصد شيخنا؟
-أنتم تكرهون بعضكم بعضاس وسوف تبقي العتمةُ فوقَ المدينة، إلي أن يحلُ الحبُ في قلوبِ الناس، وينبذواَ الكره!!..
-كيف ذلك أيها الحكيم؟.. وكيف نزرعُ الحبَ في قلوب الناس؟
- يجب أن يفهم الناسُ أن الشرَ في قلوبهم، هو الوحشُ الذي سيدمرُ مدينتهم، وعليهمبالحبِ.. وهنا يترك الحكيمُ غرفة الاجتماعِ إلي صومعته المعتادة.
يغادرُ أعضاءُ الوفدِ راجعاس إلي المدينة المنكوبة، مندهشين، وحائرين، ويتساءلونَ كيفَ سينفذون وصيةَ الحكيمِ،
نعم الناسَ هنا يتقاتلونَ علي طريقة تقسيمِ مياهِ النهرِ لسقاية محاصيلهم، ولكن في ظل العتمةِ الشديدةِ، فلن تنبتَ المحاصيلُ، ولن يكون هناك حاجةٌ للسقاية. وكان الناس جشعين جداس لأنهم كانوا يبيعونَ بأسعارٍ تعادلُ أضعافَ السعرِ الحقيقي، وأصبحوا الآنَ لا يبيعون شيئاس وكان اللصوصُ يسرقون المنازلَ عندما كانَ يغادرُها أصحابها، فأصبحوا الآن بلا عملٍ لأن الناس ما عادوا يبرحون منازلهم، خوفاس من العتمةِ الشديدة، والرشوة تعشعش بين جدران المؤسساتِ كضبع ينقضُّ علي فريسته.
عقد العقلاءُ سلسلةَ اجتماعاتٍ لاتخاذِ طريقةٍ مناسبةٍ لنشرِ الحبِ بين الناس، وطرح أحدهُم اقتراحاس أن يقدم كل شخص علي مسامحةِ نفسه أولاس ثم يقومُ بزيارة جاره ويسامحه ويقبل رأسه عربونَ محبةٍ، ثم ينتقلُ إلي الجارِ الآخر، وهكذا حتي يسامحُ كل الذين اختلفَ معهم ويعلنُ حبه لهم، لم يقتنع الناسُ في البداية، بهذا الحل، ولكن لم يكن أمامهم من مخرج آخر مناسبٍ لهذه المصيبة، فاقتنعوا بأن المحاولة ضروريةٌ، وفعلاس بدأ الناس تنفيذ المطلوبِ.. وبعد عدة أيامٍ صارت الغيوم الداكنةُ تنقشع رويداس رويداس وبانت زرقةُ الحبِ لأول مرةٍ، بعد عتمة قاسيةٍ ضربت النفوس قبل الحجر.. وبدأ عصرُ الحبِ أخيراس.. وأصبحتِ السماء تضحكُ بزرقتها البهية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.