كم مشكلة تواجه توزيع الكتاب المصري في الدول العربية؟ الإجابة علي هذا السؤال صعبة، خاصة إذا كنا نوجه السؤال لشاحني وموزعي هذا الكتاب. العملية التي نقصدها تتم بعيداً عن الناشرين، هي متصلة بهم لكنهم لا يمارسونها. الناشر يعقد صفقة بيع مع مكتبة عربية، أو يشارك في معرض من معارض الكتاب المختلفة، هنا تنتهي إجراءات الناشر، ليمر الكتاب برحلة صعبة.. بطلها الشاحن وحده. الرقابة تظهر كأولي عقبات هذه الرحلة، الرقابة التي علي الكتاب المصري اجتيازها، من خلال شركة الشحن، هي موافقة الأزهر. مشكلة الحصول علي موافقة الأزهر كما يوضح أحد أصحاب شركات الشحن- رفض ذكر اسمه- أن الأزهر ليست له قائمة محددة بالكتب الممنوعة. بمعني أن الأزهر لا يصرح بالمنع.. هكذا تتم العملية بشكل غامض "إذا تأجلت شحنة أو منعت نخمن أن بها كتاباً ممنوعاً، ومن خلال تكرار العملية نستنتج الكتب المرفوض شحنها". كيف نعرف الكتب الممنوعة؟ سؤال يشغل جميع العاملين بشحن الكتاب المصري، لأن الأزهر لا يقدم تقريراً، أو قائمة بالعناوين الممنوعة. كما أن طريقة الفحص نفسها لا تكشف جوانب العملية، بل تزيدها غموضاً، "نرسل لهم عنوان الكتاب واسم مؤلفه (دون ذكر دار النشر) ومن المفترض أن هذه الكتب معروفة لهم، أو هم يعرفون أن هذا الكاتب مثير للجدل، وحسب قراءتهم للعنوان يبتون في أمر الكتاب". مشكلة الرقابة هذه لا تمثل بالنسبة للشاحن إلا أمرين الغموض والمفاجآت الخاصة بإضافة كاتب أو كتاب آخرين للقائمة الافتراضية للكتب الممنوعة، كما تمثل بالنسبة له- أي الشاحن- خطوة لتأجيل الشحن ليومين. التعسف يطول جميع خطوات شحن الكتاب، ومنها قرار وزارة المالية أن يكون الشحن بالميناء الأخير، مما يتطلب سفر الشاحن بالكتب إلي السويس أو الإسكندرية لشحنها من هناك ، بدلا من القيام بذلك في موانئ القاهرة البرية. إجراء المنفذ الأخير يطيل عملية الشحن نفسها، والتي لن تنتهي في القاهرة أو بمدينة العبور أو السادس من أكتوبر(وجميعها كانت نقاط شحن حتي وقت قريب)، بل تتطلب شحن الكتاب داخل مصر، ثم شحنه مرة أخري إلي خارجها. في حالة الشحن الجوي هناك مشكلة أخري وهي "تفضيل الخضراوات علي الكتاب"، حيث تتعامل شركات الطيران مع الكتاب باعتباره سلعة غير قابلة للتلف، بينما الخضراوات سلعة قابلة للتلف، لهذا كلما كانت هناك مشكلة في زيادة وزن المشحونات يتم انصاف الخضراوات علي حساب الكتاب، رغم أنه يعتبر سلعة قابلة للتلف، لأن هناك موعدا لوصوله، في حالة المعارض العربية مثلاً، لهذا يأمل الشاحنون في معاملة الكتاب معاملة السلعة القابلة للتلف! أما بالنسبة للمدة المتفق عليها بين الشركات لشحن الكتاب جواً فهي أقل من أسبوع قبل موعد المعرض، وفي الغالب لا تأخذ الكثير من الوقت إلا إذا كانت هناك شحنات سريعة التلف تنافس الكتاب! المشكلة الأساسية في شحن الكتاب العربي بوجه عام، والمصري بوجه خاص، هي قانون الشحن البحري، والذي لا يعتبر الشحنة قد تأخرت إلا بعد مرور ستة أشهر علي موعد التسليم! لهذا إذا تعرضت السفينة المشحون عليها الكتاب لأي مشكلة ملاحية فإن الكتب قد تتأخر ستة أشهر علي موعد المعرض، دون أن يعتبر ذلك خرقاً للاتفاق أو إخلالاً بالعقد، مثلما حدث مع معرض الجزائر العام قبل الماضي، حيث رست حاوية الكتب في فرنسا، بسبب عاصفة ما، مما أجل حضور الكتاب المصري والعربي حتي نهاية المعرض! لكن المدة المتعارف عليها في حالة الشحن البحري- إذا لم تحدث عواصف أو نوات بحرية أو زوابع - هي شحن الكتاب قبل شهرين من موعد المعرض! يمكن لشركة الشحن أن تتحكم في موعد وصول الكتاب في حالة الشحن البري.. إذا أرسل الشاحن طلبية الكتب قبل شهر ستصل في موعدها، إلا إذا كنا نتكلم عن مرور الشحنة بالسعودية، فإن لذلك شأنا آخر، قد يؤدي إلي منع وصول الكتاب المصري إلي جميع دول الخليج.. الفحص الفني للكتاب بالسعودية لا يشمل الكتب المستوردة للممكلة فقط، بل جميع الكتب المشحونة براً فوق أراضيها. "إذا شحنت شحنة كتب براً إلي الشارقة أو دبي لابد من فحصها داخل المملكة"! يقول صاحب شركة، وعن الحلول الممكنة يسردها كالآتي:" أن يكون هناك مكتب تابع للأزهر في كل منفذ شحن لتسهيل عملية الحصول علي الموافقة، وأن يعلن الأزهر قائمة الكتب الممنوعة، أن تعامل شركات الطيران الكتاب معاملة السلعة سريعة التلف، وأخيراً أن تسمح وزارة المالية بشحن الكتاب من القاهرة، وليس المنفذ الأخير". هذا في حالة شحن الكتاب المصري للدول العربية، أما في حالة شحن الكتب العربية إلي مصر فيضاف إلي عمليات الشحن جهة رقابية أخري، وهي الرقابة علي المطبوعات، التابعة لوزارة الإعلام، التي تقوم بفحص جميع الكتب الواردة إلي مصر..
من جانبه يقدم خالد عباس، المترجم وصاحب وكالة "سفنكس" للنشر والتوزيع بعداً آخر للصورة. فحينما سألته، هل يقوم بتوزيع الكتاب المصري في الدول العربية؟ أجاب بإبهام "يكفينا السوق المصري!" إذ يري عباس أن عدد منافذ التوزيع في مصر ضخم، لهذا سنجد أن الكتاب العربي أوفر حظاً بالنسبة للتوزيع في مصر مقارنة بجميع الدول العربية، لكن المشكلة تكمن في عملية ما بعد توزيع الكتاب، وهو ما يوضحه صاحب وكالة "سفنكس" بأن المشكلة ترجع إلي عدم فهم الناشرين العرب لطبيعة سوق الكتاب المصري.. علي سبيل المثال الناشر العربي يعتبر أن الكتب بضاعة واجبة السداد، في حين أن سوق الكتاب المصري يعتمد بنسبة 99٪ منه علي البيع بطريقة الآجل، أو الأمانات، بمعني أن المكتبة لا تسدد إلا بعد بيع الكتاب، إلا في حالة 1٪ (وتمثلها سلسلة مكتبات ديوان). كما أن الأمانات تأتي للموزع علي هيئة دفعات! تظهر أولي المشكلات في وجود رقابة علي الكتب الواردة لمصر، "المشكلة ليست في وجود رقابة علي الكتاب، لكنها تكمن في غياب الشفافية.. من الممكن أن تفاجأ بأن الكتاب الذي وزعته العام الماضي صار ممنوعاً، والسبب في ذلك غياب القانون الذي يوضح دور الرقابة علي المطبوعات، وكذلك في عدم وجود قائمة بالكتب أيضاً"! أما ثاني المشكلات فهي ارتفاع سعر الكتاب العربي، وهو ما يدعو عباس للمطالبة بأن يكون هناك سعراً مصرياً للكتاب. مشكلة أخري تواجه توزيع "سفنكس" للكتاب العربي، ترجع لعدم فهم طبيعة عمل الوكالة، والتي تنال نسبة من سعر بيع الكتاب. "الناشر يحدد نسبة مكسب للموزع تبدأ من 25٪، ولا تتجاوز 35٪ وهذا يشمل الخصم الذي يناله الموزع علي سعر الكتاب، لكن هناك جهات توزيع مثل المولات والمحلات التجارية التي تحسب نسبة مكسبها بال 25٪ كاملة، مع تغافل نسبة وكالة التوزيع" يحدد عباس نسبة مكسبه من عملية التوزيع ب12٪ فقط، تشمل شحن الكتاب داخل مصر وتغليفه بطبقة من البلاستيك. لهذا حينما تتعامل الوكالة مع الناشر العربي فإن العملية لا تكون صفقة، بل يسبقها قيام عباس بإعطائه "كورس" في التوزيع قبل أن يعقدا الصفقة. اللافت أن عباس حينما يواجه ناشراً عربياً مصمماً علي الحصول علي المبلغ"كاش"، ويحاول أن يشرح له طبيعة عمل السوق المصري، يطلب الناشر أن يحصل علي كتب مصرية مقابل شحنة أو طلبية التوزيع "هكذا نعود إلي الجاهلية حيث كان البيع عن طريق المقايضة"!! مشكلة جديدة طرأت في العالم العربي بسبب كثرة المعارض، " تحولت إلي مخازن متنقلة للكتاب العربي.. الناشر لم يعد يحتاج للتوزيع لأنه يشحن الكراتين من معرض عربي إلي آخر" لهذا صارت العملية أقرب لصفقات بأروقة المعارض دون الحاجة للتوزيع بالشكل الذي تسعي وكالة التوزيع لإرسائه. حينما سألت خالد عباس عن الحلول المقترحة لمشكلة توزيع الكتاب العربي في مصر، وكذلك توزيع الكتاب المصري في الخارج، حدد نقطتين فقط أولهما أن يكون هناك تنسيق بين دور النشر واتحاد الناشرين العرب من ناحية وبين المكتبات ووكالات التوزيع للعمل فيما بينها.."ليكون هذا التنسيق علي هيئة ورش عمل وتعاون يجمع موزعي الكتب بداية من المكتبات الكبيرة مروراً بالمكتبات الصغيرة حتي فروشات الرصيف"، أما النقطة الأخيرة فهي أن تقوم الدول العربية، ممثلة في وزارات الثقافة بدعم إنشاء منافذ للتوزيع، وذلك بمنح قروض لمنافذ توزيع الكتاب.