استهلالا لهذا العام احتضن «مركز سعد زغلول الثقافي» بيت الأمة معرض الفنان التشكيلي أحمد ناجي.. بإحدي قاعاته التي امتلأت جدرانها بإبداعات تصل الي الأثني عشر لوحة فنية تعبيرية رائعة ليستمر المعرض حتي العاشر من يناير الجاري.. التشكيلي أحمد ناجي، من متحدي الإعاقة البصرية يستخدم يديه وأصابعه بدلا من الفرشاه المتعارف عليها، استطاع بمهارة اقتحام مجالاً كان حكراً علي المبصرين ليبهر متابعيه ومشاهدي أعماله الفنية، ويشهد النقاد والمتخصصين باهتمامه بالتفاصيل وحيوية وحراك خطوطه. أحمد ناجي ينتمي للمدرسة التعبيرية التي تتميز بأسلوب فطري وتستهدف في المقام الأول التعبير عن المشاعر والعواطف والحالات الذهنية التي تثيرها الأشياء في نفسه وتمثل الطبيعة ومحاكاتها.. ولعل من أشهر رواد المدرسة التعبيرية هو الفنان الشهير «فان جوخ». يستخدم ناجي اللون الأسود مع إضافة اللون الأحمر في بعض اللوحات مع استخدام خلفية ورق «الكانسن» المحبب الابيض، محاولاً استحضار خياله ومحاكاة بعض الأجسام عن طريق حاسة اللمس، ثم تجسيدها من خلال الرسم بالأصابع ويتضح هذا في بعضا من لوحاته التي جسد فيها الأهرامات، والبيت، والأزهار.. يقول الفنان أحمد ناجي انه لم يكن يعلم انه يمتلك تلك الموهبة ولم يخطر في ذهنه انه يوما ما سيكون فناناً تشكيلياً ، بالرغم من انه وهو طفل صغير كان يسعد باللهو بالالوان والورق، حتي تقدم لصالون سعد زغلول بأعمال نحتية للفنان طارق مأمون صاحب فكرة صالون سعد زغلول لاكتشاف الموهبين من ذوي الاحتياجات الخاصة، فاذا به ينصحني بأن أترك النحت وأتجه للفن التشكيلي، وبالفعل نظم لي ورشة عمل للتدريب علي كيفية ترجمة مشاعري علي الورق باستعمال ألوان زيتية علي ورق سميك حتي أشعر بملمس الألوان علي الورق، وأكملت معي الفنانة رشا سليمان مديرة مركز براح عن طريق برنامج وضعته لي خصيصا للتحكم في يدي علي الورق واستخدام ما لدي من مخزون مع محاكاة الأشياء ومحاولة تجسيدها علي الورق باستخدام الجزء الملموس مع مزجه بالخيال .. أحمد ناجي من مواليد عام 1983 حاصل علي ليسانس آداب قسم تاريخ في جامعة عين شمس عام 2005 ، يعمل مرشد وعي أثري بالمتحف المصري.. شارك في العديد من المعارض الفنية بمصر وأرمنيا ، ونال جائزة صالون بيت الأمة لاكتشاف مواهب ذوي الاحتياجات الخاصة عام 2009، وحصل علي درع الهيئة العامة لقصور الثقافة لمؤتمر التمكين الثقافي لذوي الإحتياجات الخاصة عام 2010، ونال جائزة صالون المركز الثاني عام 2011. وأشاد الفنان التشكيلي د.محمد عبلة بتجربة الفنان أحمد ناجي ووصفها بأنها تحمل مقدرة والهام خاص جداً.. جداً.. وتمني أن يري ناجي وهو يرسم، لانه تعامل مع الكثير من المكفوفين ولم يجد أحد منهم يحمل موهبة بمقدار موهبة ناجي، كما أبدي سعادته بلوحاته المعبرة بالرغم من أن الفنان لا يري سوي الظل والنور أي انه يري «كونتراست»، وبالرغم من هذا أعماله تحمل الكثير من الاحاسيس، لانها contrastsÅ قائمة علي مشاعره بشكل قوي، كما قال أن الجميل في هذا الفنان انه ليس لديه مقارنات كثيرة، فهو يطلق العنان لمشاعره بدون ذاكرة بصرية، لذلك فهو يضيف للوحاته احساس عال مع اهتمامه بالتفاصيل والواضح في اعماله مدي استطاعته علي عمل كنترول مناسب، وينصح عبله الفنان بالاستمرار لانه حالة فريدة نفخر بها... كما أكد الفنان محمد عبلة علي ضرورة الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وضرورة أن يكون لدينا فريق يعلم ويدرب تلك الفئة الخاصة، وإرسال فنانين في بعثات للخارج لدراسة كيفية التعامل مع المكفوفين في مهارات الرسم والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة من الموهوبين. كما شبه الفنان طارق مأمون مدير عام المتاحف القومية الفنان ناجي بالرسام الأمريكي أحد رواد الحركة التعبيرية «جاكسون بولوك» Jackson pollock في جمال الصدفة والذي كان يعتمد علي اللاوعي والتصوير والخيال، وقال مأمون صحيح ان مركز سعد زغلول احتضن أحمد ناجي معنويا واحتضن موهبته، لكن كان الدور الأكبر كان علي أحمد ناجي ذاته، وأشاد بتفانيه وطموحه وانه يملك من التعايش السلمي وعشقه للمغامرة وحبه للفن والابداع ما يجعله واحد من النابغين في مجاله في المستقبل، فهو يلامس الورق والالوان بيده فاليد البشرية لها امكانيات متعددة فهذه هي ادوات أحمد ناجي التي يمتلكها، واعتبر مأمون الفنان حالة استثنائية.. لانه يستطيع أن يحدث نوعاً من الحراك والانفعال والعاطفة عن طريق يده والنبش بالأظافر علي الورق.. وتقول ايمان نبيل القائم بادارة مركز زغلول: إن لوحات ناجي قائمة علي انفعالاته واحساسه بالأشياء التي تحيط به ليعبر عنها بالرسم بالأصابع، فجميع لوحاته عبارة عن تعبير انفعالي دائما، عندما ننظر لأعماله نري حالة من الانفعالات التي تعبر عن إحساسه فهو يرسم احساسه بالشئ وليس الشئ ذاته.. أي بمعني أوضح هو يرسم علاقته بالأشياء .. أحمد فنان بالفطرة لم يدرس الفن الأكاديمي لأنه لا يوجد في مصر عموماً دراسة للفن التشكيلي للمكفوفين، لعدم وجود إدراك تام بالكتلة أو بالبعد الثالث للعمل، لذلك نري ان الكثيرين منهم يتجهون لفن النحت معتمدين علي حاسة اللمس.. ومن هنا اعتبرنا تجربة أحمد تجربة فريدة في العمل لأنه يحاول محاكاة الأشياء عن طريق لمسها ثم يجسدها عن طريق الرسم، مع انه يجتهد دائما في تطوير موهبته .. أما الفنانة رشا سليمان مدير مؤسسة براح للتذوق الفني وهي صاحبة فضل في اثقال موهبة ناجي، فتقول: انها أعدت لأحمد دورة تدريبية لتنظيم حركة يده علي الورق وربطت هذا بالموسيقي التي أثرت بالطبع في الفنان ليستطيع ان يعبر وينفعل.. كما ركزنا في البرنامج علي الحواس لمساعدته علي التعبير بشكل أكثر تفصيلا حتي يستطيع التعبير أكثر عن مشاعره، فهو يري نسبة بسيطة جداً من الضوء لأن كل لون له نسبة من الضوء فهو يستطيع ان يميز بين الابيض والأسود فقط وبالرغم من هذا استطاع اضافة اللون الاحمر للوحات، ويعوض ناجي هذا عن طريق أصابعه وعمل «تونالتي» وانحناءات مختلفة وخطوط مختلفة، علي ورق الكانسن الخشن الملمس ليعكس انفعالاته ويعبر عن شخصيته. واخيرا وليس آخراً لا يوجد مستحيل طالما وجدت الإرادة القوية.. فمصر لديها الكثير من الرواد في جميع المناحي، ولدينا من متحدي الإعاقة ما يثبتون يوما بعد يوم انهم يملكون من المهارات والموهبة التي تستحق إلقاء الضوء عليها واهتمام المجتمع بها..