صبحى فحماوى تقدير وفيٌّ تقيمه مكتبة الإسكندرية، للراحل أحمد حميدة، في ذكري وفاته 17- يناير 2012- وذلك بتنظيم مسابقة تحت اسم (مسابقة أحمد حميدة للقصة القصيرة جداً) ذلك الروائي القاص المبدع، الذي لم يأخذ حقه خلال حياته بالقراءة والدراسة، والذي أستطيع أن أطلق عليه اسم "شهيد الكُتّاب المصريين"، إذ إنه أصيب بالتهاب العصب السابع بينما هو يزأر بحنجرته، ويهتف وسط جموع المتظاهرين سلمياً، بسقوط نظام الحكم الذي أفسد البلاد، وأذلّ العباد، وأعاد مصر قروناً إلي الوراء.. نعم، مرِض أحمد حميدة بحب الوطن، فتوفي قبل أن يكمل مشواره المميز بأنه يكتب بالقلم العريض، لدرجة أنه يحرث الورق بقلمه، وأسلوبه صريح وكاشف للعيوب والفضائح، لدرجة أنه تفوّق علي "محمد شكري"، صاحب رواية (الخبز الحافي)! ومثالاً علي كتاباته المدهشة، نورد موجزاً لروايته (متاهة الغربان) تحت ما يسمي "جمالية القبح"، المفعمة بالبلاغة اللغوية، والمجازات، والبناء الدرامي المتدافع، الذي يقطع الأنفاس، حيث الخواجة زيكو وهو يهودي مصري، صاحب محل غسيل وكي في "حي محرم بك" في الإسكندرية، يستعد هو وعائلته للرحيل إلي فلسطين عام 1952 ، ويعمل لديه كل من الأسطيجبر تعاونه زوجته الجميلة الشقراء نهلة، واللذان يشتركان في السكن مع سعدون الأسمر وزوجته حسنات في غرفتين بشقة صغيرة. بينما يزور الخواجة زيكو شقة نهلة، وينام في غرفة نومها حوالي ساعة، وذلك كل صباح أحد، حيث يذهب زوجها جبر في الوقت نفسه لزيارة أمه. تنهش التساؤلات الحارّة رأس جارتها حسنات، وكما يقول حميدة: "والشك كلب مسعور أجرب ينبح في قلبها، ويلعق الدماغ، فيدفعها للتلصص علي ما يجري داخل غرفة نهلة المغلقة، فتشاهد خروج الخواجة زيكو من الغرفة بشكله النتن، بينما يكون شعر نهلة منكوشاً، وملابسها الخفيفة مجعلكة! تدخل حسنات الغرفة بكلب قلبها النابح، لعلها تعثر علي لباس منسي، أو تشم رائحة نجسة!" هذا الديوث جبر "المتكيء علي تعبه" هو الذي يرسل الأسطي خميس بالملابس إلي بيت جبر لتغسلها زوجته الصبية الشقراء الجميلة نهلة بيديها الرقيقتين، بينما يطول غياب الشاب خميس داخل غرفة نوم نهلة المغلقة، ويخرج بعد ساعات وهو يمشط شعره، وينظم ملابسه، ويمسح شواربه. ونهلة هذه ابنة خادمة ولدت وتربت في قصر معتوق باشا، تَوسَّط الخواجة زيكو للأسطيجبر، فزَوَّجه إياها..وبقيت تعمل لدي الباشا، وترفه عنه حين يحتدم صراعه مع زوجته الهانم بألفاظ غاية في البذاءة..وبعد طول مداعبة تخرج من غرفة نومه وقد نسي الباشا كل آلامه النفسية التي سببتها له الهانم، التي تحتقره وتكره رائحته، وتفضل الخدم عليه في تلك الأمور! (متاهة الغربان) رواية تشدك وتلتقط أنفاسك من الصفحة الأولي، فلا تسمح لك بالإفلات منها وحتي الجلدة الأخيرة! وهي تقع في 143 صفحة من القطع المتوسط، وصادرة عن دار التلاقي للكتاب في القاهرة2009 . تدهشك في هذه الرواية شخصية هذا الديوث جبر، الذي بعد خروج الخواجة زيكو من غرفة نوم زوجته نهلة، يدخل وهو يُحضر الفول ويتفنّن في مزج التتبيلة معه، وعند أول لقمة تقترب من فمه المنفرج علي وسعه، يسأل زوجته: "هل جاء زيكو؟ تعالي كلي! الفلافل ساخنة..جاء؟ طيب تعالي..الفول يهوس! هل نام؟" كان يلوك طعامه بلذة، وهو يسألها: "قمتِ معه بالواجب؟ نومه عندنا يعتبر نزهة، نعمة! الفول قرب ينتهي!" وأما تصويره للطبقة الأرستقراطية وبالذات أجنبية الأصول، فإليك بعض الشتائم التي يتبادلها الزوجان في قصر معتوق باشا الفخم في محرم بك متزامنة مع أصوات تكسير، إذ تصرخ الهانم قائلة :( نسيت أصلَك يا بعوضة يا ابن العبيد المماليك؟) فيرد عليها معتوق باشا قائلاً:( طبعاً جدِّك المأسوف علي عمره الوسخ كان أشرف.. يا نعل الجزمة..!) وأحمد حميدة روائي عتيد، له إحدي عشرة مجموعة قصصية صدرت عن اتحاد كتاب مصر، وهيئة الكتاب، ومكتبة الأسرة، ومديرية ثقافة الإسكندرية، والمجلس الأعلي للثقافة، وله خمس روايات هي (الغجر) الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، (حراس الليل) ،(أشلاء بؤرة العشاق) ورواية (سوق الرجال). روائي عربي من الأردن.