إن الوعي السياسي لدي الشعب المصري قديم قدم الحضارة المصرية القديمة وليس أدل علي ذلك من قصة ذلك القروي الفصيح خوان انب الذي اعتدي عليه وأخذ منه حماره الذي كان محملا بخيرات الله احد موظفي رنسي بن ميرو حاجب الملك فلم يخضع ولم يتوقف عن الشكوي الا بعد أن أخذ حقه برعاية الملك نفسه ، لقد كان الإنسان المصري منذ ذلك الزمن البعيد هو من علم العالم المدنية والتحضر وأنهما لايكونان الا من خلال العدالة والنظام ( الماعت ). واني لأعجب ممن لايزالون يتصورون انهم اوصياء علي هذا الشعب العظيم !! واني لأعجب كذلك ممن يندهشون من الاقبال المنقطع النظير من الشعب خاصة عامته علي صناديق الاقتراع للإدلاء بالرأي في الدستور الجديد، وكثيرا ما أقول بحق ان الشعب المصري أكثر وعيا من نخبته ؛ ففي الوقت الذي تنشغل فيه النخبة بالحديث في الفضائيات واللهاث وراء المناصب نجد الإنسان العادي منشغلا بالعمل وانتاج الخيرات، وفي الوقت الذي يتصور النخبة أن الشعب غائب عن الوعي يثبت لهم الشعب أنه أكثر يقظة منهم ومستعد ببذل الجهد والتضحية من أجل الوطن !! إن الشعب المصري اذا خدعته النخب والأحزاب مرة فهم لن يخدعونه مرة ثانية لأن هذا الشعب بأنه لايلدغ مؤمن من جحر مرتين !! وليس أدل علي من تلك الصورة الموحية التي نشرتها جريدة الوطن في اليوم التالي للاستفتاء لمواطنة مصرية تحمل الرشوة التي أعطوها اياها من الأرز والزيت والسكر ومع ذلك قالت :لا للدستور!! إن علي النخبة والمتاجرين بالدين أن يفهموا أن الشعب المصري أكثر وعيا مما يتصورونوهو يعي مصلحته ومصلحة الوطن وأنه لو ترك ليعبر عن رأيه بحرية وبدون المحاولات المستميتة للتأثير عليه سواء بالرشاوي الانتخابية التي تلعب علي وتر فقر الناس وحاجتهم لضرورات الحياة أو باستغلال عاطفتهم الدينية لقدم لنا الدرس تلو الدرس عن أنه الشعب العظيم القادر علي ابهار العالم وابهار نخبته المثقفة التي تتلون وفق الظروف وتغير من جلدها وآرائها كلما تغيرت موازين القوي !! إننا مقبلون علي كارثة ان لم يراع الجميع المصلحة العليا للبلاد ويتوقفون عن الصراعات التي ستغرق معها سفينة الوطن ككل !! إن الشعب المصري يسعي لبناء دولة مدنية حديثة تحقق له الاستقرار والتقدم وعلي هذه الأحزاب المتصارعة أن تقدم برامج حقيقية للإصلاح وتحقيق الرخاء والرفاه لهذا الشعب الصابر الذي يستحق من نخبته كل التقدير والاحترام ومن قادته العمل بجد واخلاص لينعم الجميع بالعدالة وبالمستقبل المشرق ان شاء الله رغم دعاة الظلام والتخلف ورغم أنف الفاسدين والظالمين فلقد عرف الشعب طريقه وأدرك بحق أنه مصدر السلطات في بلده ولن تعود العجلة أبدا إلي الوراء ..