فجر.. غبار أسود يتصاعد أمامك وينتشر في محيط رؤيتك، تقاوم رائحة التراب النتن، تنفذ إلي طريقك غير عابئ بالأشباح المتراصة علي امتداد بصرك، تقرأ سورة »يس«، تدخل من باب مسجدك العتيق، تخلع نعليك، تمر بقدمك اليمني، تشعر بسخونة في جانبك الأيسر، تصلي. ينتابك وهن مباغت وألم في نفس الجانب، تتحسسه بأناملك. بلل دافئ لزج، يتغلغل بين أصابعك، ترفعها إلي عينيك. دمك القاني، يرسم خريطة وطنك المسلوب، ويتدفق كالنهر البكر يملأ سجاجيد المسجد، ويصعد إلي جدرانه.... وجع.. شباك في المدي.. وشمس، شحيحة الألق... ثرثرات الزوجة.. شجار الأولاد... مذياع، لا يكف عن الأخبار القديمة ... تطل عليك - في التلفاز - رؤوس أطفال شائهة.. أذرع مبتورة تحت البيوت الخربة؛ في هجمة بربرية.. تتابع مشاهد المجزرة... تبحث عن قلب، لكنك لا تجد سوي بقايا هياكل بشرية هشة؛ تبتلعها أرضك! قلب.. تخايلك بقعة ضوء - مضببة - تسبح أمام عينيك... تنهش قدميك، رمضاء بحر الرمال.. الأسلاك الشائكة، تحوط بك.. تحاول أن تنفذ.. تتمدد الأسلاك إلي الأفق.. تحجزك عن العبور إلي بيتك!! تمد يدك، تقطع أصابعك.. تمد رأسك، تجز رقبتك... ينبجس دمك.. يسري من تحت الأسلاك الشائكة... يرسم قلبًا! أسلاك شائكة تقف في برج المراقبة، ترقب الحدود الدولية، تتأهب لمنع من يحاول أن يمر، نافذًا إلي بيته وأشجار الزيتون التي غرسها أجداده وأجدادك.. أتغدر بك رصاصة طائشة كي تهدأ روحك المعذبة... اصطلاء.. تشعر بالرمضاء في قلبك، كلما رأيت مشهد جنازة زياد الطفل الفلسطيني بفيلم " السفارة في العمارة ".. رغم مشاهدته أكثر من مرة، تنتفخ أوداجك، وتتذكر سناء محيدلي، وفاء الأدريسي اللتين استشهدتا عشقا لثري الوطن..