في روايتي (قصة عشق كنعانية) التي كتبتها يوم كان النظام السابق يبني سوراً فولاذياً علي حدود سيناء لشنق غزة، بقيت متأكداً من استراتيجية الصف العربي الواحد، خاصة بين مصر وغزةفلسطين، فصوّرتُ حياة الكنعانيين في فلسطين قبل أربعة آلاف سنة، إذ قلت ما يلي: "كانت قافلة جِمال مصرية نائخة في ساحة مدينة غزة، عند بئر الهيكل الكنعاني، والحمالون ينزلون حمولتها من القمح، وينقلونها إلي مخازن الهيكل، بينما يقف الملك الغزِّي عال علي رأس المستقبلين للشحنة، التي أهداها الفرعون إلي شعب غزة، بعدما سمع أن أهله في فلسطين يتضورون جوعاً، بينما الموسم غلال في بلاده. وعند بئر الهيكل، تجد راعياً غزِّياً يدلي بدلوه، فينتشل الماء، ثم يدلقه في الران الحجري الطويل، بينما عدد من الجِمال يصطف لشرب الماء.. »الملك عال ذو الستين عاماً يقف ضخماً عمليقاً يلقي خطاباً يشكر فيه فرعون مصر علي كرمه الأخوي، ويتمني أن يُكلّل بعل بالنصر علي موت، ليغِلَّ الموسم لاحقاً، فترُدُّ غزة لمصر قوافل خير مماثلة.« وفي مكان كنعاني آخر علي شاطيء جبيل - قرب بيروت اللبنانية اليوم- تجد في رواية (قصة عشق كنعانية) الصادرة عن دار الفارابي اللبنانية-2009- لقاء أخوياً بين المصريين وإخوانهم الكنعانيين في عرس جميل بمنطقة الكرمل الفلسطيني، حيث يقول الكنعاني نبيل لتاجر مصري: »ما رأيك أن تشتري السفن التي يطلبها الفرعون من مصنع شوح العظيم في جبيل. إنها أعظم سفن في الدنيا كلها، مصنوعة من خشب الأرز المتين، تشبه أطواد الجبال في ثباتها.« فيسند المصري الأسمر رأسه ذا الشعر المجعد بيده ويقول بهدوء: »نحن نشتري أخشاب مصر من أرز جبيل، ولتعزيز هذه التجارة، لا بد من زيارة نرافق فيها صاحب أعمال الفرعون إلي مصنع شوح في جبيل« فيقول الشوحي بكل هدوء ومحبة: »نحن نرحب بكم، وهناك ستسعدون بمشاهدة العجب العجاب«. هذا عن التعاون المصري الفلسطيني الكنعاني قبل أربعة آلاف عام، فما بالك به اليوم فيما بعد ثورة 25 يناير المظفرة، إذ يصل رئيس الوزراء المصري إلي غزة لتلفح وجهَهُ نيران العدو الإسرائيلي الذي يقصفها بمختلف وسائل القتل الغربية الحاقدة المتطورة، والتي تقابلها صواريخ غزية من الصفيح المحلي الصنع، في معظمه، فتسقط في قلب تل أبيب، التي تستقبل لأول مرة في تاريخها القصير صواريخ المقاومة الفلسطينية، وقد كانت هي المدينةالمحتلة الأسلم، والأكثر أماناً، بالنسبة للمحتلين.. يأتي القنديل فيضيء ليل غزة المعتم، فيقبِّلُ جبين جثة طفل فلسطيني رضيع، وهي ما تزال ساخنة، تنزف دماً من جميع بقاياها..يأتي قنديل فيقول إن العرب والمسلمين متضامنون كالجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو، تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.. كيف لا نشعر أننا جسد واحد، وقد كانت أعصابنا وقلوبنا متحفزة مشدودة تدعو لمصر الثورة أن تنتصر وتحقق أهدافها، وها هي تسير علي الطريق لتصحيح المسارات كلها، وتعيد إلي مصر ألقها الذي تستحق، ودورها الوطني في توازن اقتصادي يحفظ لشعب مصر كرامتها ورغيف خبزها، ويعيد النهوض بحضارتها الزراعية والصناعية والتجارية، ويرسخ لمصر دورها الإقليمي كقلب للوطن العربي، وقائدة له، وليست تابعة كما كانت تنتظر المساعدات، كباقي الدول العربية المهزومة بقادتها الذين أفقروها ونهبوا ثرواتها الطائلة.. إن مصر اليوم، ولو أنها تزال مجروحة بالذي مضي، وعصب اقتصادها الواعد يزال يتشافي، تقوم بدعمها لأشقائها العرب، ونخص منهم بالذكر شعب فلسطين، وبالتحديد أهل غزة، لتُشعر شعبها العظيم المناضل، وعلي نقيض بعض الحكام العرب، الذين استكانوا للاحتلال، واعترفوا به، وتعاونوا معه، ولا نقول أكثر من ذلك.. وهم يوقنون أن البديل للوطن العربي الواحد بقيادة مصر، هو الشرق الأوسط الكبير بقيادة إسرائيل، لتشعرهم بأن مصر قد عادت لدورها لتكون »أم الدنيا« وأن هرم مصر، هو ملتقي العرب والمسلمين. روائي من الأردن.