هذه رسالة للرئيس محمد مرسي، أعترف لك أنني لأول مرة أخاطب رئيس الدولة، أخاطبك لا لكي أسدي لك نصحا، أو لأكشف لك عن قناعتي الشخصية في أدائك، ولا لكي أقول لك إن أعلانك الدستوري، هو والعدم سواء (بلغة القانون)، ولا أيضا- لأناشدك بإعادة النظر في هذا الإعلان. لكني أوجه لك هذه الرسالة، لكي تقرأ بعناية تليق بجلال العلماء- لأنني أظن أنك بالفعل واحد من العلماء في تخصصك- خطاب استقالة الشاعر الكبير فاروق جويدة، الذي أرسله إلي رئيس الجمعية التأسيسية للدستور معلنا استقالته من عضويتها. ماورد في خطاب فاروق جويدة يتعدي كونه رسالة يسرد فيها أسباب الاستقالة ومبرراتها، إلي أن تكون بمثابة تشريح لما وصل إليه حال الوطن، ما كتبه هو تحليل عميق من شاعر يمتلك رهافة الحس، ومن كاتب يعلي دائما مصلحة الوطن، كان معارضا بحق في العقود الماضية، كتب مئات المقالات ضد الظلم والقهر والتعدي علي المال العام، كتب في وقت صمت فيه آخرون، واليوم عندما يكتب جويدة.. لابد أن نتوقف جميعا أمام »رسالة الاستقالة«، لأنها تدين الجميع.. لابد أن نحلل رسالته القوية في مضمونها ومعناها.. المحذرة مما نشهده من انقسامات " تهدد مستقبل الوطن، وليس إعداد الدستور فقط". سيدي الرئيس: جميعا نشعر الآن بخطر علي وطننا.. فهل نستمع إلي كلمات جويدة، ونحاول أن نتمعنها، ما رأيك عندما يقول: »إننا لم نكن علي مستوي دماء الشهداء التي حررت إرادة هذا الشعب، وإن الشباب كانوا أكثر حكمة وتعقلا من آباء أشعلوا الفتن وقامروا بمصير الوطن، من أجل أهداف شخصية واهية وحسابات خاطئة« وما رأيك في قوله- أيضا- »إن وصاية الفكر هي أسوأ أنواع الاستبداد، واستخدام الدين في السياسة خطيئة كبري تدفع الشعوب ثمنها استقرارا وأمنا ورخاء، كان من الواضح أن هذا الانقسام فد فتح أبوابا لصراعات لا أعتقد أننا الآن قادرون علي إخمادها أمام رغبات محمومة من جميع أطراف اللعبة السياسية لاحتكار الحقيقة«. ما توصل إليه الشاعر الكبير، هو لب المأساة التي تشهدها مصر الآن، فأطراف اللعبة السياسية، يشعر كل طرف منهم، بامتلاك الحقيقة، لكن يضاف لذلك أن الرئيس- بقراراته الأخيرة- أصبح يمتلك هو ومستشاروه الحقيقة والمستقبل والقرارات التي تحصن وجهة نظرهم ، وأي صوت آخر يذهب أدراج الرياح. فاروق جويدة، لأنه صادق ومحلل بارع، يحمل أيضا- الجميع المسئولية، عندما يقول: »لم تستطع النخبة المصرية أن تمسك بهذه اللحظة التاريخية، وانقسمت علي نفسها، وبدأت تصفي بعضها بعضا، حيث لا هدف ولا وفاق« بالفعل لقد أنقسمت مصر، وربما لأول مرة في تاريخها- بشكل علني استقطابي- إلي معسكرين، معسكر التيار الديني، ومعسكر التيار المدني، وكلا المعسكرين لا يتواني أن ينعت الآخر بكل النعات السيئة.. مما أدي إلي اشتعال الوطن، وخيانة شعارات الثورة، وسط هذا الانقسام يتضح جليا دور الرئيس، الذي هو فصل بين فئات المجتمع، وقراراته لا تتجه لفئة بعينها، ويجب أن تكون مدروسة بعناية، لأن كل ذلك يؤدي إلي مزيد من الانقسامات مما يهدد استقرار الوطن، الذي أقسم الرئيس يمينه الدستوري علي المحافظة عليه. مرة أخري أتمني أن تقرأ ونقرأ جميعا نص استقالة فاروق جويدة من التأسيسية.