رئيس هيئة الاستثمار يلتقي وفد بورنا الكندية لإنشاء مصنع لتقنيات ومنتجات فصل الغاز الطبيعي والتقاط الكربون    المتحدث باسم مجلس الوزراء يوضح ما أثير بشأن "شهادة الحلال"    غداً .. الأهلي يستقبل سفيرة أمريكا بالقاهرة لبحث ترتيبات مونديال الأندية    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    فرنسا تستغيث .. السوشيال وراء أعمال الشغب وتدمير الأقتصاد    جريمة غامضة بالرصاص أمام كمبوند في أكتوبر.. والضحية مجهولة الهوية    بدء الجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة قوانين الانتخابات البرلمانية    جامعة أسيوط تستعد للموسم الصيفي بأنشطة رياضية متنوعة بالقرية الأولمبية (صور)    خلال زيارته لسوهاج.. وزير الصناعة يفتتح عددا من المشروعات ضمن برنامج تنمية الصعيد    تراجع سعر الفائدة 1% على حسابات المعاشات والمرتبات والجاري ببنك مصر    بدء تسليم قطع أراضي "بيت الوطن" بالتجمع السادس بالقاهرة الجديدة    الاحتلال يضغط على الفلسطينيين.. مخططات التهجير ضمن "عربات جدعون" تتصاعد    استشهاد 19 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة    رئيس البرلمان العربي يهنئ قادة دول التعاون الخليجي بذكرى تأسيسه    وزير الخارجية يتوجه لمدريد للمشاركة فى اجتماع وزارى بشأن القضية الفلسطينية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    ماليزيا تدعو رابطة آسيان لتعزيز التكامل في مواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية    مبعوث ترامب: الحكومة السورية توافق على التعاون لكشف مصير المفقودين الأمريكيين    بدء الجلسة العامة للنواب لمناقشة تعديل قانون المجلس وتقسيم الدوائر    موعد مباراة برشلونة وبلباو في ختام الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    قرار من الرمادي بعد فوزه الأول مع الزمالك على بتروجيت في الدوري    شوبير: من حق بيراميدز اللجوء للمحكمة الرياضية لتعليق إعلان بطل الدوري    قبل التفاوض على التجديد .. عبد الله السعيد يطلب مستحقاته المتأخرة من الزمالك    كاف يكشف عن التصميم الجديد لكأس الكونفدرالية    ضبط 190 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم.. صور    غدا .. ذروة الموجة الحارة وتحذير عاجل بسبب حالة الطقس    رسالة عاجلة من مدرسة الشيخ زايد بالجيزة بعد نشوب حريق بها أثناء امتحانات نهاية العام    مصرع ربة منزل في سوهاج بعد تناولها صبغة شعر بالخطأ    ضبط 11 قضية مواد مخدرة وتنفيذ 818 حكما قضائيا متنوعا    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    إحالة سيدة وعشيقها وسائق توك توك إلى المفتى لقتلهم زوج الأولى بالمنوفية    افتتاح مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية بمكتبة مصر الجديدة غدا    إيرادات السبت.. "المشروع x" الأول و"نجوم الساحل" في المركز الثالث    ساهم فى إعادة «روزاليوسف» إلى بريقها الذهبى فى التسعينيات وداعًا التهامى مانح الفرص.. داعم الكفاءات الشابة    «يوم بحس فيه أني محظوظة».. رسالة وفاء عامر لجمهورها بعيد ميلادها    الكشف عن مبنى أثري نادر من القرن السادس الميلادي وجداريات قبطية فريدة بأسيوط    ميلاد هلال ذو الحجة وهذا موعد وقفة عرفات 2025 الثلاثاء المقبل    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى الرمد – صور    عرض حالات طبية معقدة في مؤتمر المشيمة الملتصقة بجامعة أسيوط (صور)    وزير الصحة يبحث مسارات التعليم التخصصي والدراسات العليا للأطباء    مصر تستعرض نظامها الصحي الجديد في مؤتمر صيني ضمن "الحزام والطريق"    في يومها الرابع.. مدير «تعليم مطروح»: انتظام امتحانات نهاية العام لصفوف النقل والأسئلة واضحة    "أُحد".. الجبل الذي أحبه النبي الكريم في المدينة المنورة    مدبولي: مصر لها تاريخ طويل من الشراكات المثمرة مع أمريكا    محافظ أسيوط: طرح لحوم طازجة ومجمدة بأسعار مخفضة استعدادًا لعيد الأضحى المبارك    اليوم.. نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 25-5-2025 في محافظة قنا    التشكيل المتوقع لمباراة مانشستر سيتي وفولهام والقنوات الناقلة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 25 مايو    ما هو ثواب ذبح الأضحية والطريقة المثلى لتوزيعها.. دار الإفتاء توضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. مرتضى منصور يعلن توليه قضية الطفل أدهم.. عمرو أديب يستعرض مكالمة مزعجة على الهواء    نائب إندونيسي يشيد بالتقدم الروسي في محطات الطاقة النووية وتقنيات الطاقة المتجددة    قانون العمل الجديد من أجل الاستدامة| مؤتمر عمالي يرسم ملامح المستقبل بمصر.. اليوم    إلغوا مكالمات التسويق العقاري.. عمرو أديب لمسؤولي تنظيم الاتصالات:«انتو مش علشان تخدوا قرشين تنكدوا علينا» (فيديو)    هل يجوز شراء الأضحية بالتقسيط.. دار الإفتاء توضح    استقرار مادي وفرص للسفر.. حظ برج القوس اليوم 25 مايو    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الاغتيالات الفكرية ( 1)
كل محاولات قمع الحريات والإبداع ماشلة!
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 12 - 2012

إن الفترة الواقعة ما بين مولد ببيركليزا حاكم أثينا ، وموت بأرسطوا الفيلسوف اليوناني ، وأستاذ الاسكندر الأكبر، هي أهم فترة في تاريخ العالم ازذهرت فيها الفنون والثقافة ، المسرح، الشعر، الفكر، الفلسفة، الرقص، الموسيق»، المعمار والنحت وغيرها من فنون أخري .
حين تزدهر الفنون
وقد كان هذا نتيجة طبيعية للانتصارات التي حققتها أثينا علي الفرس، ونتيجة لسن القوانين التي شَرَّعّهّا بسولونا لتصبح دولة القانون، ولظهور حاكم قوي ديمقراطي مثل بيركليز في القرن الخامس قبل الميلاد، وقد كان هذا الحاكم القوي موسيقياً وفيلسوفاً، مفكراً وأديباً، ومثلما قال ( وول ديورانت ):
بكان أكمل إنسان أنجبته بلاد اليونان جميعاً«
وقد حوَّل بيركليز بيته إلي صالون ثقافي، كانت تديرة زوجته بأسبازي« وكان سقراط وإنكساجوراس ويوربيدز من رواد هذا الصالون .
وآخر حكم بيركليز، وبمقتضي الديمقراطية التي أرسي دعائمها في حكمة ، حوكمت زجته بمقتضاها ، وكان هو من دافع عنها في المحكمة .
حين تندحر الفنون وتظلم الدنيا
إن ازدهار الفنون في عصر الديمقراطية الأثينية، قابله اندحار للفنون في روما المسيحية، بعد أن اعتنقت روما الديانة المسيحية في منتصف القرن الثالث ميلادي، وعلي الفور ظهرت دعاوي المتشددين دينياً، وقد حرَّموا الفنون وكان هذا سبباً رئيسياً لدخول أوربا إلي العصور الوسطي، أو ما يسمي بعصور الظلمة لمدة تقرب من ثمانية قرون من الزمان .
ورغم أن هذه الفنون والإبداعات المختلفة كانت قد خرجت من قلب الديانة القديمة وكانت نتيجة لها، إلا أن التشدد الديني بعد اعتناق روما المسيحية، هو الذي قاد أوروبا إلي هذه العصور المظلمة.
سماحة الدين وازدهار الفنون
ورغم أنها نتيجة لهذا التشدد الديني، إلا أن السماحة الدينية هي التي أعادت هذه الفنون من قلب الأديرة والكنائس فيما بعد في القرن العاشر ميلادي .
وهذا يعني أن سماحة الدين والروح السليمة للأديان تؤدي إلي ازدهار الفنون وانتشارها، وتؤدي إلي سعادة الانسانية باحتفالها وإحتفائها بهذه الفنون، كما حدث في أتينا القرن الخامس قبل الميلاد، وكما حدث في روما بعد ذلك، وكما حدث في نهاية العصور الوسطي حين خرجت الفنون ثانية من قلب الأديرة، ومن قلب الكنائس ذاتها، وفي الوقت نفسه تسبب التشدد والهوس به في قتل روح الفنون، وقتل السعادة الانسانية وبهجتها، والدخول إلي النفق المظلم ، كما حدث في العصور الوسطي بسبب تشدد رجال الكنيسة..
طرد الشعراء
كان أفلاطون هو أول من دعي إلي فرض الرقابة علي الشعر ونفي الشعراء من جمهوريته، وفي العصور الوسطي كان القديس أوغسطين هو من قاد دعاوي فرض الرقابة والقضاء علي المهرطيقين بالعنف .
نهضة الكنيسة المضادة :-
في بداية عصر النهضة ، طرحت الكنيسة تساؤلاً، إن كان يمكن السماح بنشر الأدب الوثني من عدمة في فلورنسا، واكن الأمر قد وصل ب بجيرولا موسافوناا وأتباعه بإحراق الكتب ، وفي فبراير عام 1497 قام أتباعة بحرق مؤلفات بوكاتشيو وبترارك وكتب السحر والفروسية وغيرها من الكتب التي لم ترض عنها الكنيسة.
وعلي النقيض ذهب بعض رجال الدين مثل القديس اليوناني بباسيل العظيما (في القرن الرابع) إلي أن الآدب الوثني يحض علي الفضيلة، وكان بكولوكيو سياليوتانيا (في ق 14) يدافع عن الكتابات الوثنية لأنها كتابات تحض علي الفضيلة وتدفع بالرزيلة.. ويتفق معه بسيلفبوس بيكولوميتيا بباتستاجوارينو«.
( في ق 15) ، ورواد عصر النهضة الذين دعوا إلي دراسة الآداء بالكلاسيكية، ورفضوا مبدأ تدخل الكنيسة فيما هو صالح وما هو طالح من وجهة نظرها.
وعلي أثر ظهور المطبعة حذر بابا روما الدول الأوربية من سوء استخدامها للمطبعة، وقد أرسل البابا بسكتوس الرابعا خطاباً إلي رؤساء جامعة كولومبيا يعطيهم الحق في توجيه اللوم الكنسي ضد طابعي الكتب الخاطئة ومشتريها وقرائها .
وقد منع فرانسيسكو سفورزا بفي عام 1523 تشريعاً يحظر تداول الكتب البروتستانية«.
وكانت الكنيسة تشن هجوماً مضاداً سمي ب (عصر النهضة) علي ما يسمي ب (عصر نهضة) أو (رواد عصر النهضة) حتي احتدام الصراع بين الدولة والكنيسة، وأخذ دور البابا في الضعف ، وقد أنتهي الخطر الكنسي في كثير من بلدان إيطاليا في القرن السادس عشر، واستطاعت إيطاليا بذلك أن تدخل عصر التنوير بعد أن قامت الدولة بتحجيم دور محاكم التفتيش والفكر الكنسي حتي رادت الطريق إلي عصر النهضة ونري في كل ذلك، أن المتشددين من رجال الفكر الديني يقودون المجتمع إلي عصره المظلم، كما حدث في العصور الوسطي، والمستنيرون منهم يقودون العصر إلي التنوير، وهي المعادلة التي ظلت تحكم التاريخ عبر تطوره.
القرآن والمسرح
وفي الواقع لا توجد آية صريحة في القرآن تحرم المسرح مثلاَ، ولم يتناول الدين سوي تحريم عبادة الأوثان، كما لم تتطرق الأحاديث النبوية إلي تحريم تصوير الأنبياء والصحابة، وكلها إجتهادات فقهية
دعاوي الشيعة للتظاهرات الدرامية :
ورغم دعاوي تحريم هؤلاء الفقهاء للفن والمسرح ، إلا أننا نجد أن دعاوي تصوير مقتل الحسين (480م) في التعازي الشيعية، بداية القرن السابع ميلادية بسبب تأنيب الضمير، هي أحد الأسباب الأساسية في ظهور المسرح لدي العرب مبكراً، أو بشكل محدد في ظهور المظاهر الدرامية التي هي جوهر المسرح، وأحد أسباب ظهوره، وذلك من قلب الدين الإسلامي. وهذا يعني أن الفنون تخرج من قلب الديانات، وتنضج علي يديها، كما حدث علي مر التاريخ ، كما أن التشدد الديني هو من يقف حجر عثرة في تطور الفنون الإبداعية التي تمثل في النهاية تعبيراً حقيقياً عن جوهر الانسانية، وهي الفنون والإبداعات التي ينصرها ويناصرها سماحة الأديان بعيداً عن هذا التشدد الذي لا يقبله الدين نفسه بسماحته العظيمة.
مارتن لوتر
وهذا ما جعل مارتن لوتر في العصور الوسطي وتباشير عصر النهضة بألمانيا يهاجم رجال الكنيسة الذين يفرضون سطوتهم علي البشر ويبيعون صكوك الغفران، ويمارسون كل ما لا علاقة له بالدين السليم، وكان هذا عام 1517 ودعا إلي أن تكون العلاقة مباشرة بين الإنسان والله دون أي وسيط ومن هنا بدأ انفصال الدولة المدنية عن الدينية، وحدثت معركة استمرت ثلاثين عاماً تقريباً بعد دعواه بمائة عام تقريباً ( 1618 ذ 1648) ذ بين الاتجاه الكاثوليكي المعارض لأفكار لوتر، وبين الاتجاه البردتستانتي الذي نتج عن أفكارة التحررية.
إن التاريخ يؤكد في حركتة وعبر مساره الطويل، أن كل محاولات قمع الحريات والإبداع في كل مناحي الحياة، هي محالات فاشلة .
الهجوم علي الابداع
لقد أحرقت أعمال الفيلسوف العربي بن رشد ، وحرق هتلر أعمال المبدعين الألمان في ميدان عام ببرلين سنة 1933، وأقام السيناتور الأمريكي مكارثي محاكم تفتيش لفناني هوليود نهاية الاربعينيات من القرن الماضي، وفي القرن التاسع عشر أحرق المتشددون مسرح أحمد أبي خليل القباني، وقد طاردوه حتي خرج من البلاد مهاجراً إلي مصر، وفي مصر حارب رجال الدين المتزمتون، إنشاء معهد لفن التمثيل العربي عام 1930 ، فاغلقوه بعد تسعة أشهر، وهو المعهد الذي ناضل زكي طليمات لإعادة إفتتاحه بعد أربعة عشر عاماً، وكان هو النواة الحقيقية لمنارة الفنون في مصر والعالم العربي حين أفتتح ثروت عطاشة في عهد عبد الناصر أكاديمية الفنون عام 1959 .
إعادة الأحياء
ورغم هذه الهجمات والمصادرات والحرائق التي أقامها البعض عبر التاريخ، فإن التاريخ رفض ويرفض دوماً الإنصياع إلي جنون المصادرات، وهو نفسة ما حدث في فيلم 451 فهرنهايت، فقد مُنعت الثقافة والإبداع والفنون، وأحرقت الكتب، فحفظ الناس الكتب، وارتبطت أسماؤهم بأسماء الكتب، وقد أعيدت الثقافة مرة ثانية.
والفيلم بهذا يلخص حركة التاريخ فقد أعيدت إحياء كتابات المبدعين الألمان بعد هتلر، وانتزع فنانو أمريكا ومبدعوها حريتهم بعد محاكمات مكارثي، كما أضاء أحمد أبي خليل القباني بفنه المسارح في مصر والعالم العربي، بعد حرق مسرحة وطرده من دمشق، وأعيد أفتتاح معهد التمثيل في مصر بعد غلقة، وقد أصبح نواة لأكاديمية فنون جامعة شاملة تنير الحركة الفنية في عالمنا المعاصر، فالتاريخ يؤكد أن الثقافة والإبداع وحرية الفكر لا يمكن قتلهم في وجدان الشعب المصري الذي كان أول إنسان في التاريخ يمارس الفنون في أوقاته العادية، وظل يمارسها حتي تحول الإبداع إلي أساسيات جينات المصريين، ولا يقدر أو يستطيع أحد، أيَّا كان أن يقتل هذه الجينات في الشعب المصري، إلا بتدميره عن آخره وهو العبث الذي لا يمكن تحقيقه علي أرض الواقع أو حتي في خيال المرضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.