عرفته وأنا ما زلت صبيا في خمسينات القرن الماضي وقبل أن ألقاه بعقود عندما بدأت أكتشف رسومه علي أغلفة روز اليوسف.. وعلق في ذهني كواحد من رسامي الكاريكاتبر الكبار... وعندما دخلت مرحلة الشباب وبدأت أرتاد متحف الفن الحديث وقعت علي لوحة له من مجموعة »أولاد الحارة» لأجدني أمام فنان مصري من الطراز الأول.. وانضم اسم بهجوري إلي قائمة الفنانين المصريين الذين أتابع أعمالهم بشغف. يرسم البهجوري الحياة كما يراها بوعيه الداخلي ويعيش حياته لكي يرسمها.. وهو في كلتا الحالتين يراها ويحسها بعيون وقلب طفل يريد أن يكتشف أي شيء وكل شيء... حياته رحلة غنية شائقة وحافلة قضاها منذ صدر شبابه بطولها وعرضها يري ويعي ويجرب ويرسم... مغتربا عن وطنه أحيانا ولكنه مرتبط به دائما.. يعيش داخل وجدانه بأرضه وناسه. تجري يده وهو يعمل في خفة وسلاسة منطلقة من كل قيد .. يختزن المشهد في ذاكرته ثم يطرحه علي سطح اللوحة في تركيبات وتكوينات متفردة تتراوح بين التلخيص والاختزال الشديدين بخطوط قوية صريحة يملك زمامها كفنان كاريكاتير من الطراز الأول.. وبين تكوينات بنائية معمارية متعددة الطبقات يظهر لنا فيها وجهه الآخر كمصور من زمرة المصورين الكبار الذين جادت بهم المحروسة. عالم بهجوري واسع وعريض تتعدد موضوعاته من مشاهد الحياة اليومية إلي شخصيات تماست معه سواء للحظات خاطفة أو لعقود طويلة...أطفال يلعبون الكرة في ساحة شعبية ..سمكرية السيارات..بائعي الفول.. فتاة تنظر من نافذة منزل عتيق.. ويتألق في تصوير الحارة المصرية بأشخاصها وحيواناتها.. وكثيرا ما تجرفه الفنتازيا فيصور فتاة بعين واحدة أو موناليزة دافنشي بوجهين وثلاث عيون.. أو حصان رقعة الشطرنج وقد تحول إلي حصان طائر يذكرنا بحكايات ألف ليلة..وفي لوحاته يخلط الجد بالسخرية ثم ينتقل بسلاسة إلي الحسية والشبق عندما يصور نساءه العاريات.. ولا يستحي من رسم عاشقين منغمسين في أكثر الأوقات حميمية. عانق بهجوري الفن العالمي في متاحف أوروبا وتواصل مع من عشقهم في مجموعة أطلق عليها »رسم علي رسم» والتي صورها عن أعمال لفنانين عالميين وأعاد صياغتها بأسلوبه ورؤيته ..رسم الموناليزا مرات وحجرة فان جوخ وعباد شمسه ..ونساء جوجان.. ورسم رمبراندت ثم صور نفسه علي هيئته.. أما بيكاسو بطله الأثير فرسمه كثيرا وكأنه يحاوره ويستدعي أيامه في باريس. عندما تعرف جورج البهجوري عن قرب فلا تملك إلا أن تحبه وتأنس لصحبته.. بضحكته الصافية وبساطته الطفولية.. وهندامه الكرنفالي البوهيمي.. بتعليقاته اللاذعة..ورؤيته الثاقبة .. وشطحاته.. وعفويته ..وتكتشف فيه ذلك المزيج العبقري المتفرد الذي يضرب في عمق هذه الأرض ويحمل في ثناياه عراقة وحضارة آلاف السنين .