لايملك المرء منا إلا أن يشعر بالحسد تجاه مدير الحماية الاجتماعية بالبنك الدولي مايكل روثكوسكي علي إحساسه براحة البال نحو تحسن أحوال الفقراء في مصر. ونجده دون أي شعور بوخز الضمير يعلن توقعه بأن يصل معدل الفقر إلي 15% وذلك أثناء زيارته الأخيرة لمصر. في نفس الوقت الذي تؤكد فيه مصادر قريبة من فريق إعداد تقرير الدخل والإنفاق الذي يصدره جهاز الإحصاء أن معدل الفقر وصل إلي مايزيد قليلا علي 30% وذلك اعتمادا علي الظروف المعيشية للأسر المصرية قبل عامين من الآن. وكان أولي بالسيد المسئول بالبنك أن يراجع بعض الأمور قبل أن تبدو عليه علامات الرضا. فهل يبقي باله مرتاحا عندما تظل برامج الحماية الاجتماعية، معتمدة في معايير قبول سعداء الحظ من المعدمين للحصول علي الدعم النقدي، علي الأرقام الرسمية للأسر التي تقع تحت خط الفقر المعلنة في 2015. وخط الفقر هذا هو الخط الفاصل بين من هم فقراء بالفعل، وبين من هم قريبين من الفقر،أي فوق الخط بخطوات قليلة ترشحهم للوقوع من الحافة للحاق بالفقراء بفعل أي رفع للأسعار. لأن هذا الخط كان عند 482 جنيها في عام 2015 وهو آخر رقم أعلنه جهاز الإحصاء. أي أن الفرد الذي يقل دخله عن 482 جنيها في 2015 يعد فقيرا. وبالتالي الأسرة التي يقل دخلها عن 2410 جنيها في الشهر تعد أسرة فقيرة. هذه الأرقام التي كانت مؤشرا علي الفقر قبل 4 سنوات لم تعد ذات دلالة بعد أن تلقت تلك الأسر ضربات متتالية بدءا من تحرير سعر الجنيه في عام 2016 وفقدانه أكثر من نصف قيمته، وكذلك القفزات في نسب التضخم السنوية التي وصلت في يوليو 2017 إلي 34.2%، وهو ما قلب حياة هؤلاء البشر رأسا علي عقب خلال عامين. وبالتالي كان أولي بالمسئول الدولي أن يدفع المسئولين دفعا للإعلان عن نتائج بحث الدخل والإنفاق المختفي في أدراج جهاز الإحصاء دون سبب معلن. اللهم إلا محاولة إخفاء الأرقام الصادمة المتعلقة بالفقر. وإذا كانت التسريبات تشير إلي أن خط الفقر الجديد سيكون بين 700 إلي 800 جنيه للفرد شهريا، أي أن الأسرة التي يصل دخلها إلي مابين 3500 إلي 4000 جنيه اصبحت الآن أسرة فقيرة، فانه يصبح من المحتم استحقاق هذه الأسر للحماية الاجتماعية. وهذا ما كان يجب أن يلتفت إليه السيد مسئول البنك الذي بدا راضيا بأن يحرم الملايين من أصحاب الحق من الدعم لأن أحدا لايريد أن يري كيف تبدلت أحوال الفقراء. فما كان حقا في 2015 لم يعد عدلا في 2019. وأكبر مثال علي ذلك برنامج تكافل وكرامة الذي لم يخرج الأسر من دائرة الفقر اللعينة، ولكنه حافظ فقط علي بقائهم عند نفس النقطة داخل ذات الدائرة.