»إذا كان الإنجليز يتمسكون بوجودهم في مصر بحجة حماية الأقباط، فليمت الأقباط ويحيا المسلمون أحرارا ولو احتاج الاستقلال إلي مليون قبطي فلا بأس من التضحية» كلمات للقمص سرجيوس من خطبته علي منبر مسجد أحمد بن طولون خلال ثورة 1919.. لطالما كانت الوحدة الوطنية ليست مجرد شعارات تلهب الحماس والانتماء في القلوب بل هي واقع وروح طيبة في مجتمعنا فدائماً ما يثبت المصريون أنهم نسيج واحد يزداد تماسكًا أمام كل معتد علي مر العصور.. وفي كل عام تحديدًا في شهر رمضان الكريم يحتفل الأقباط مع المسلمين، يساهمون في تعليق الزينة والفوانيس في الشوارع بل يقيمون موائد الرحمن ويوزعون المصاحف وكذلك توزيع التمر ووجبات الإفطار علي المارة في الشارع وقت أذان المغرب لتضرب أروع الأمثال في الوحدة والتكاتف بين أشقاء الدم والوطن، »الأخبار» ترصد قصص تماسك النسيج الوطني في السطور التالية. يقف عم صبحي وسط جيرانه وأصدقائه لمساعدتهم في تجهيز وجبات الإفطار لمائدة الرحمن، داخل شارع صغير في منطقة ميت عقبة بمحافظة الجيزة.. كونه مسيحيا لم يمنعه من تقديم الخير وإفطار الصائمين من إخوته المسلمين، فمع اقتراب أذان المغرب يعمل الجميع كخلية نحل من أجل إعداد الوجبات وتجهيز المائدة التي صُبغت بروح الوحدة الوطنية..»الأخبار» التقت عم صبحي وصديقه المسلم أشرف إبراهيم وبعض القائمين علي المائدة، لنرصد حالة المحبة والأخوة التي تسود المكان.. يقول عم صبحي إن الدين محبة وجميع المصريين أخوة في الدم والوطن، ودائما ما تسود بيننا الرحمة فلا فرق بين مسلم ومسيحي فالجميع أبناء آدم وحواء، ويربطنا في مصر حب الوطن، كما أن أعمال الخير والإنسانية لا ترتبط بالدين. ويضيف أنه يحب دائماً مشاركة إخوته المسلمين أجواء السعادة والفرح في شهر رمضان الكريم، كما أنه يحرص دائما عل تناول الحلوي الخاصة بهذا الشهر مثل الكنافة، كما انه يحرص أحيانا علي تناول الإفطار علي المائدة رفقة أصدقائه وجيرانه.. ويختتم حديثه بابتسامه قائلاً :أبونا إبراهيم اتجوز ستنا سارة وستنا هاجر.. إحنا أبناء ستنا سارة وأنتم أبناء ستنا هاجر، علشان كدة كلنا واحد وأخوات. يلتقط طرف الحديث أشرف إبراهيم أحد مؤسسي المائدة، فيؤكد أنها بدأت منذ حوالي 21 عاماً، وفي البداية كان القائمون علي المائدة يؤجرون مكان لإعداد الوجبات بسعر مرتفع، حتي جاء عم صبحي وعرض عليهم مكان مجاني خاص به ليتم استعماله كمطبخ لإعداد الوجبات بالإضافة إلي المساعدة في أي تجهيزات أخري للمائدة. ويتابع عم أشرف بأن الجميع يريد فعل الخير بغض النظر عن الدين، فالمصريين منذ قديم الأزل تجمعهم الروح الطيبة والأعمال الإنسانية بعيداً عن اختلاف الأديان، ومائدة الرحمن تجسد هذه الروح.. ويردف قائلاً إن المائدة توفر يومياً حوالي 650 وجبة، نصفهم يتم توزيعهم في السرادق، والباقي توزيعات خارجية لمن لا يرغب في الجلوس بالمائدة، فهناك من يفضل أخذ الطعام والإفطار بمنازلهم. ويشير يسري الغرباوي، أحد القائمين علي المائدة، إلي أن الغرض من هذا العمل هو إرساء مبادئ الدين سواء الإسلامي أو المسيحي، فالأديان تدعو إلي الرحمة والتسامح والمحبة بين الجميع والتكافل الاجتماعي، ويتابع بأن قبل بدء شهر رمضان يتم التعاقد مع شركة توريدات غذائية لإمدادهم بالمواد مثل الأرز وغيرها من المكونات، كما يتم اختيار أجود أنواع المواد مهما كان سعرها حتي مع موجة ارتفاع الأسعار فدائما ما يتم الاعتماد علي افخر الأنواع لاعداد الوجبات للمائدة. ويضيف الغرباوي، أنه يتم الاعتماد علي مجموعة من الطباخين المتخصصين، مع وجود أمين مخزن يخرج طلبات »الشيفات» يومياً، ويتم الانتهاء من تجهيز الطعام في الخامسة والنصف مساءً.. كما تتميز المائدة بأنها توفر يومياً صنف حلويات بالإضافة إلي السلطات المختلفة والتنوع المستمر في أنواع الطعام، كما يتم توفير »علبة فول» للسحورتوزع مع وجبة الإفطار.