الفكرة جاءته منذ 13 سنة.. وتكلفة اليوم الواحد تتخطى 10 آلاف جنيه (لجأوا للدين وظنوا.. أن الوفاق محال..فإذا الهلال صليب.. وإذا الصليب هلال).. هكذا عبر سيد درويش من عشرات السنوات في إشعاره عن نسيج الوحدة الوطنية الذي يغزل من عشق المصريين لأرضهم الخصبة بالمحبة بين المسلم والمسيحي.. وهي الخامة الفريدة من نوعها التي تفردت بها مصر دون غيرها. ونحن نعيش روحانيات شهر الخير والبركات، رسم إخواننا الأقباط أجمل ملامح لتابلوه الوطنية لمشاركة المسلمين فرحتهم بشهر رمضان، والتبرك بإفطار الصائمين. فبعدما تسابقت الكنائس والكاتدارائيات لتهنئة الأزهر الشريف والمسلمين علي حلول رمضان تسابق الأخوة المسيحيين بكل المحافظات لمشاركة إخوانهم المسلمين بفرحة رمضان فمنهم من علق الزينة علي أبواب العقارات، وآخرون وضعوا فوانيس أمام منازلهم لاقتسام فرحتهم وغيرها من المظاهر التي تعبر عن معدن أصيل لشعب واحد لا يمكن أن تكسره مؤامرات الخائنين. ومن ضمن التجارب الفريدة التي تميزت بها مصرنا هو ما قام به جوهر من الإخوة المسيحيين من سكان المعادي الجديدة حيث عكف علي إقامة مائدة رحمن لإفطار الصائمين سنوياً منذ 13عاماً علي نفقتة الخاصة حبا وتقديراً لأهل الحي الراقي والصائمين من الفقراء والمتعففيين. وتكثر موائد الرحمن في مدن وقرى وشوارع مصر إلا أن مائدة شارع النصر بالمعادي لها مذاق خاص لأنها بنكهة الحب والوحدة الوطنية والتحدي الواضح للدعوات المغرضة الساعية لتمزيق وحدتنا”. منذ 13 عاماً وبدأ عم جوهر «موظف كبير بالقطاع الخاص» بعمل مائدة الرحمن لإفطار ما يزيد عن (250 ) شخص من الصائمين الذين يتجمعون من المعادي والمناطق والأحياء المجاورة لها بشكل يومي على مدار أيام شهر رمضان. قبيل آذان المغرب يتوافد الرجال والنساء وحتى الأطفال لمائدة جوهر لتناول وجبة الإفطار الفاخرة التي يتم تقديمها لهم، والمكونة من (فراخ وأرز وخضار وسلطة وعيش ومعلبات من العصير المغلفة)..حيث تعد هي الوجبة الأكبر التي يتم تقديمها للصائمين مقارنة بكل موائد الرحمن الأخرى مما جعل الإقبال عليها يزداد عاما بعد عام. وقال جوهر إن الفكرة جاءت قبل ثلاثة عشر عاماً عندما أراد إخراج زكاة ماله بطريقة مثالية تعبر عن الروح الوطنية التي يعيشها شعب مصر فلم يجد أفضل من إطعام الصائمين لما فيه من الأجر والثواب الكبير، وشرع في تنظيم المائدة بمساعدة كلاً من (دوكالي) الأب الروحي له وشقيقيه رمزي وجهاد منذ عام (2006 )وحتى الآن. ويقف جوهر يومياً بملامح تكسوها الرضا و نظرة تملؤها الفرحة لكونه سبباً في اطعام صائم،حيث يشارك أبنائه في تجهيز المائدة والعمل على خدمة الصائمين منذ مجيئهم وحتى مغادرتهم مرتديا زيه المتواضع البسيط حتى لا يستشعر الناس حرجاً بوجود فوارق بينهم. والمح جوهر أن المائدة لم تتوقف سوى في عام واحد وهو أثناء ثورة يناير 2011 خوفاً من وقوع منازعات طائفية قائلاً “قررت الغائها ودا كان أصعب قرار له لأنه ينتظر هذا الشهر الكريم لعمل مائدته ليرى البسمة والفرحة على الوجوه”، مؤكداً أن هذه المائدة لن تتوقف إلا مع قيام الساعة فقد أصبحت شيئاً مقدساً بالنسبة لنا، وسيوصي بها أولاده من بعده ليقيموا هذه العادة الطيبة التي تطهر أموالهم وتقربهم من أشقائهم في الوطن. وأضاف، أنه يقدم يومياً ما بين 250 إلى 280 وجبة بين وجبات كبيرة للأشخاص الكبار الصائمين،ووجبات أخرى صغيرة للأطفال المرافقين لهم وكشف قائلاً أنه ومنذ اليوم الأول لعمل المائدة بدأ الناس يتوافدون عليها منهم أسر كاملة مكونة من الأب والأم والأبناء ولذا تم تقسيم المائدة إلى أقسام منها قسم خاص للأسر حتى لا يكون هناك حرجاً للسيدات عندما تجلسن مع الرجال الغرباء على نفس المنضدة. وأوضح أنه لا يوجه دعوة إلى أحد بعينه بل يترك الأمر لجميع الناس حتى لا يتحول الأمر إلى عزومة ويضيع أجره وثوابه ولذا فكل الموجودين لا يعرفهم وربما لم يقابلهم من قبل، وهناك من يأتي للمائدة بشكل يومي لأنها الأفضل بين مثيلاتها ولفت جوهر منوها يتولى أشخاصاً مسلمين ومسيحيين حركة تنظيم المائدة وتقديم الوجبات والعصائر وكذلك تنظيف المائدة بعد إفطار الصائمين وغسيل الأواني ليكون جاهزا لاستقبال ضيوف المائدة في اليوم التالي ومنهم من يأخذ أجراً رمزياً ومنهم من يرفض هذا حتى يأخد ثوابه بوقوفه وخدمة ضيوف المائدة. لافتاً إلى أن تكلفة اليوم الواحد تتخطى 10 آلاف جنيه ومع هذا ماله يزداد أضعافاً مضاعفة قائلا”ما نقص مال عبد من صدقة” وتطرق جورجيوس جوهر ابن منظم المائدة إلى أهم المواقف التي يراها من الضيوف والمتمثلة في إحضار بعضهم أكياس بلاستيكية لجمع ما تبقى من الأكل لأبنائها الذين يخجلون من الذهاب إلى الموائد أو بناتهم الكبار من السن أو هناك من تكون حالته المادية بسيطة فيدخر باقى وجبته للسحور مضيفا أن هناك سيدات تحصل على بواقي الأكل لطيورها. ومن جانبه قال عرفة مدبولي أحد سكان حي البساتين إنه يأتي إلى المائدة منذ عامها الأول لأنه لا يلاحظ أي تكلف فيها ولا فرق فكل الناس تعيش جو من الفرحة وسط خدمة مقدمة لهم بقلوب راضية.