رمضان الفضيل شهر مغفرة وثواب وأجر جزيل عند الله، ويكثف المسلمون فيه الطاعات ويتقرب العبد من خالقه، ويتسابق فيه الجميع على فعل الخير بكل أشكاله. ومن أبرز مظاهر التكافل الاجتماعي التي يشهدها هذا الشهر العظيم «موائد الرحمن» التي تصور عناية الأغنياء بالفقراء والغير قادرين. «ومائدة الرحمن» إفطار جماعية مجانية متواجد تقريبًا في جميع شوارع مصر وميادينها، وتقام عادة داخل المساجد، أو بجوار الفنادق والعقارات، أو في مناطق فضاء واسعة. ويقيمها كل من الأزهر ورجال الإعمال والفنانين والسياسيين والمواطنين، فمن خلالها تقدم أطباق إفطار تتنوع ما بين مائدة وأخرى بحسب الأحياء التي تقام فيها والأشخاص الذين ينفقون عليها، لكن في مجملها تقدم وجبة إفطار شهية وكافية لروادها من الفقراء والمحتاجين وعابري السبيل. تحرص الكنائس المصرية الثلاث "الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية"، على إقامة موائد إفطار خلال شهر رمضان، كل عام تحت أسم "إفطار الوحدة الوطنية"، إلا أن الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية، قررت عدم إقامة تلك الموائد وتوجيه الأموال إلى الفقراء، مع ترك الحرية لكنائس لمن يشاء أقامة تلك الموائد. أجواء مبهجة شاركت شبكة الإعلام العربية "محيط" المواطنين في أحد الموائد الرمضانية المقامة في أحد الأحياء الشعبية بمدينة القاهرة، لتتعرف من خلال القائمين عليها عن كيفية إعدادها وشعورهم عند تحضير وتقديم الطعام للصائمين. وسط مشاركة من الجميع الصغير قبل الكبير، بدأ القائمون على المائدة بالتحضير لإفطار الصائمين في أحد أيام شهر رمضان المبارك، لينتظر الجميع أذان المغرب. «يا بخت من فطّر صائم».. كلمات بدأ بها حسان محمود أحد القائمين على "مائدة إفطار" حديثه ل"محيط"، بالقول: "أعتدت إقامة المائدة الرمضانية كل عام، فرمضان شهر الكرم والتودد والتعاون بين المسلمين، والموائد الرمضانية باب من أبواب الخير، حيث يوجه معظم الناس المال إلى إطعام الفقراء والتسابق في عمل الخير سواء موائد الرحمن أو الشنط الرمضانية". وأشار محمود إلى أنهم يقدمون أصنافا متنوعة من الطعام في كل وجبة مثل اللحوم والدواجن والخضراوات والأرز، بكميات تكفي احتياج الصائم، بالإضافة إلى المشروبات الرمضانية من"بلح، تمر، قمر الدين، عرقسوس"، كما أن جميع القائمين على هذه المائدة يبذلون قصارى جهدهم لإرضاء الصائم ولخدمة الفقراء الذين يأتون إلى المائدة لتناول الإفطار. المنافسة على فعل الخيرات وفي نفس السياق قال محمد زكى بدار أمين الدعوة بوزارة الأوقاف ل"محيط"، إن شهر رمضان يعظم فيه فعل البر والخير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم" فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسَكُمْ خَيْرًا، فَإِنَّ الشَّقِيَّ كُلَّ الشَّقِيِّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ"، وفي فضائل رمضان ينادي المنادِ "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، فهو شهر المنافسة في فعل الخيرات" فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا". ونوه إلى أنه ينبغي أن تقام تلك الموائد بطريقة شرعية يكرم فيها الإنسان، وتكون مشتملة علي ما يطعمه الإنسان لنفسه عملاً بقوله تعالى " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"، وأن تكون بعيدة عن الرياء وحب الظهور والنفاق والمفاخرة. ويعود تاريخ مائدة رمضان في مصر إلى الأمير أحمد بن طولون مؤسّس الدولة الطولونية، فهو أوّل من أقام مائدة الرّحمن في السنة الرابعة من ولايته، حيث جمع التجار والأعيان على مائدة حافلة في أول يوم من شهر رمضان وخطب فيهم: "إني جامعكم حول تلك الأسمطة لأعلمكم طريق البر بالناس". وهناك من يقول، إن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي كان أوّل من وضع تقاليد المائدة في عهد الدولة الفاطمية، وأوّل من أقام مائدة في شهر رمضان، يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، حيث كان يخرج من قصره 1100 قدر من جميع ألوان الطعام؛ لتوزّع على الفقراء. وفي العصر الحديث منذ عام 1967 تولّى بنك "ناصر الاجتماعي" الإشراف على موائد الرّحمن من أموال الزكاة، وكانت أشهر مائدة يقيمها تلك التي تقام بجوار الجامع الأزهر و التي يفطر عليها 4 آلاف صائم.