»القاعدة الموثوق فيها والمعمول بها في العالم كله، هي أن العمل هو الوسيلة المؤكدة للنجاح والتقدم، والانتقال بالأفراد والدول من الفقر والتخلف إلي الغني والقوة والتطور والحداثة». رغم احترامي الكامل للأمثال الشعبية المتوارثة عبر الأجيال، خاصة تلك التي تحمل في طياتها حكمة بينة أو عظة واضحة،..، الا أنني اعتقد بأن هناك بعض الأمثال تحتاج إلي إعادة نظر، لما تحمله في معناها ودلالاتها من إيحاءات غير إيجابية، قد تولد لدي البعض فهما خاطئاً أو دعوة مبطنة للتواكل، بدلاً من الدفع الجاد للعمل والكد والسعي لتحقيق المراد. من هنا فإني من الرافضين للقبول أو التسليم بصحة المثل القائل »قيراط حظ.. ولا فدان شطارة»، وأري أنه من الامثال الشعبية التي يجب التعامل معها بكثير من الحذر، نظراً لما يحمله في طياته من طاقة سلبية قد تضرأكثر مما تنفع. وفي يقيني أنه إذا كان جائزاً في بعض الأحيان، أن تلعب الصدفة أو يلعب الحظ دوراً لافتاً ومؤثراً في حياة بعض الأفراد،..، فإن ذلك يبقي دائماً حدثاً مفرداً في ذاته، مقصوراً علي حدود الشخص الذي يصيبه الحظ، غير قابل للتعميم علي المجموع، بل يظل ينظر إليه علي أنه الاستثناء الذي لا يخل بالقاعدة، ولا يستقيم أن يتحول إلي أساس ثابت ومعمول به في حياة الأفراد والمجتمعات،..، وأن القاعدة الثابتة هي أن النجاح للأفراد وفي عالم الدول والشعوب أيضاً، لا مكان فيه للصدفة، أو الحظ، وأن وسيلته الوحيدة وطريقه المؤكد هو العمل والعرق والكفاح. القاعدة المؤكدة وفي هذا السياق يجب أن ندرك ما يدركه العالم كله، بأن القاعدة المعمول بها والموثوق فيها من جميع العقلاء في هذا العالم، والمعمول بها من جموع البشر علي مر التاريخ، هي أن العمل هو الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتحقيق أي طموح علي المستوي الشخصي أو العام،..، وهو الاداة المتاحة أمام الجميع للانتقال بالأفراد والمجتمعات والدول، من دائرة التخلف أو الفقر الي دوائر النمو ثم التطور والحداثة. ولذلك فإن العمل الجاد والمكثف هو قاعدة الانطلاق المعمول بها في كل الدنيا، ولدي كل الدول والشعوب التي تريد الانتقال من واقعها السيء إلي واقع أفضل محلياً أو أقليمياً أو دولياً،..، وهو الوسيلة المتعارف عليها والموثوق بها للتطوير والتحديث، واللحاق بركب الدول والمجتمعات المتقدمة. تلك حقائق ثابتة في يقين العالم أجمع،..، وآن الأوان أن تترسخ في وجداننا نحن، إذا ما أردنا الارتقاء بوطننا ودولتنا، وتغيير واقعنا، والخروج من عنق الزجاجة الذي نحن فيه، والانتقال من دائرة الدول النامية إلي دائرة الدول الأكثر نمواً، ثم الي مصاف الدول المتقدمة. قيمة العمل وإذا ما أردنا دليلاً حياً علي ذلك، فعلينا أن ننظر بالتدقيق الواجب الي مجموعة الدول الصاعدة، والآخذة في النمو بسرعة في الآونة الأخيرة، والتي حققت معدلات نمو مرتفعة ومستمرة، طوال العشر والعشرين عاماً الماضية بصورة متراكمة، مما أهلها للانتقال بالفعل من مصاف الدول النامية، الي الدول ذات الاقتصادات الناهضة، ثم اصبحت مؤهلة بالفعل للانضمام الي الدول المتقدمة، ذات الثقل والوزن الاقتصادي. وإذا ما دققنا فيما حدث في تلك الدول سواء في الصين أو الهند أو اليابان أو كوريا أو غيرها وغيرها،..، لوجدنا أن السر وراء هذه الطفرة الكبيرة، وذلك التطور الإيجابي الملموس والواضح، يكمن في الإيمان الشديد بقيمة العمل والانطلاق بقوة علي طريق الاصلاح الاقتصادي، واعطاء دفعة قوية لجميع المجالات الانتاجية والخدمية، وفتح الباب واسعاً امام أكبر قدر من الاستثمارات المحلية والعالمية، والسعي بكل جدية لنقل التكنولوجيا المتقدمة في جميع المجالات الصناعية والزراعية والتجارية،..، واطلاق مبدأ المنافسة تحقيقاً لجودة المنتج طبقاً لأحسن المواصفات وأقل الاسعار. ولوجدنا أن وراء هذا كله، بل من قبله، يقف العمل الجاد والمنظم والكفء كوسيلة وحيدة لتحقيق الطموحات علي مستوي الفرد والمجموع،..، ولوجدنا أن ما حقق هذه الطفرة الواضحة في هذه الدول وتلك الشعوب، هو إعلاء قيمة العمل واعتباره فريضة مقدسة، لدي كل مواطن وكل فرد هناك، بحيث أصبح السعي للإجادة والاتقان واكتساب المهارة والخبرة والكفاءة، في العمل والانتاج، من الاسس والقواعد الرئيسية لاحترام الفرد وتقديره باعتبار أن تلك قيمة بالغة الأهمية وبالغة الدلالة. طريق النجاح وفي هذا الاطار تجد أن ما يجب ان نعرفه، وما يجب أن يكون واضحاً في أذهاننا بل وراسخاً في قلوبنا، أنه لا توجد دولة في العالم أو مجتمع من المجتمعات من بين الدول المتقدمة والمجتمعات المتطورة، أو الدول الناهضة والبازغة والآخذة في التطور والتقدم، الا وكان العمل الجاد والمكثف هو الطريق والوسيلة لهذا التقدم وذلك التطور. ويتواكب مع ذلك، ويسير معه في ذات الوقت في كل تلك الدول، إيمان راسخ لدي جميع الأفراد وكل المواطنين بأن الانسان هو صانع مستقبله، وأنه المسئول عما يمكن ان يحققه من نجاح في حياته، وأن طريقه للنجاح واضح ومعلوم، وهو السعي الجاد للتأهل واكتساب المهارة والكفاءة في العمل الذي اختاره، وبذل أقصي الجهد للتفوق والجودة والابتكار فيه. ومن هنا فإن ثقافة النجاح أو الرغبة في النجاح هي من الأعمدة الرئيسية، التي يقوم عليها البناء الاجتماعي والاقتصادي في تلك الدول وعند تلك الشعوب،..، بحيث نجد أن كل شاب وكل صبي وكل مواطن من ابناء هذه الدول وتلك الشعوب يحلم بالنجاح، ويسعي لتحقيق هذا الحلم وتحويله إلي واقع، ويبحث جاهداً عن الطريق المؤدي لذلك، ويسير فيه بكل قوة، ويعمل من أجله بكل الجدية والامل والاصرار، وهو واثق أنه يستطيع ان يصل إلي ما يريده، وأن يحقق ما يسعي اليه، كما أن غيره يستطيع بالتأكيد تحقيق نجاحه الخاص إذا ما سار علي نفس الطريق. رمضان.. يا ناس! ونحن الآن في بدايات شهر رمضان الكريم، وما زلنا نستشرف ومضاته النورانية ونفحاته الروحية، آملين ان يوفقنا الله لمرضاته وشكر عطائه والتقرب اليه ما أمكننا إلي ذلك سبيلاً،.، أجدني مضطراً ومدفوعاً الي البوح بما في النفس من ألم الاحساس بالمشاركة ولو بالصمت في ارتكاب نوع من الخطأ، وأرجو ألا يكون واصلاً أو مقتربا من الخطيئة ولو من بعيد،..، وهو ذلك السكوت عن الخلط السييء الذي وقعنا فيه جميعاً للأسف، بين روحانيات الشهر الفضيل، والاغراق في الإسراف السفهي في الطعام والشراب،..، ليس هذا فقط، بل يضاف إليه أيضاً ما يزيد من الألم للاحساس بالمشاركة أيضاً، في خطأ الصمت علي ذلك الربط الظالم والمتعسف الذي نقوم به دائماً، بين ليالي شهر الصوم المباركة، التي يجب أن نضيئها بوهج المعرفة ونحييها بنور التفكر والتعبد، وبين ما نمارسه من الغرق الارادي في دوامات التسلية والسهر،..، أو الاستسلام الطوعي لموجات المسلسلات الدرامية علي القنوات الفضائية. أخطاء شائعة وفي اطار البوح المشروع والشفافية الواجبة، أريد أن أشير الي ذلك الخطأ الذي وقعنا فيه جميعاً، بعضنا بالممارسة والعمل وبعضنا الآخر بالصمت والسكوت، عندما ربطنا بين شهر الصوم والعبادة والتقرب الي الله عز وجل، طلبا لراحة النفس وهدوء القلب وصفاء الروح،..، وبين تلك الممارسات البعيدة كل البعد عن روح وفلسفة الشهر الكريم وأهدافه السامية. وفداحة هذا الخطأ الذي شاع واستشري بيننا جميعاً طوال السنوات الماضية، ودون استثناء ودون تفرقة بين عموم القوم وخاصتهم، وعلي اختلاف اطيافهم الثقافية والفكرية، وتفاوت مستوياتهم المادية والاجتماعية، يكمن في كونه تحول في نظرنا جميعاً للأسف، من السلوك الخاطيء والفعل المذموم، ليصبح عادة مقبولة وسلوكاً مرغوباً. وفداحة هذا الخطأ الذي شاع واستشري بيننا جميعاً للأسف، انه تطور إلي ماهو أكثر فداحة من ذلك وأسوأ بكثير، بحيث أصبح عرفا وسلوكاً ومنهجاً مجتمعياً معمولاً به من الجميع دونما نقاش ودونما مراجعة أو نقض وإذا بنا والقادرون منا بالذات في سباق محموم نحو الاسراف السفهي في الطعام والشراب في شهر رمضان، بالاضافة الي التنافس علي الاستغراق التام في البحث عن وسائل للسهر والتسلية ، وإضاعة الوقت فيما لا يفيد ولا ينفع،..، وكأن رمضان الكريم أصبح شهراً للأكل والتخمة ، والتكاسل والسهر وقلة العمل، بدلاً من أن يكون شهراً للتراحم والتكافل، وفرصة ربانية لنشر المحبة والمودة بين البشر، وزيادة الترابط والمودة والتلاحم بين فئات المجتمع. تعديل السلوك وأملي بعد هذا البوح المقصود، أن نتفق جميعاً، علي أن الوقت قد حان الآن للشروع بكل الجدية وكل الاصرار، في التخلص من ذلك الخلط المعيب، والتطهر من ذلك الخطأ الفادح، وأن نعود بالشهر الكريم الي طبيعته السمحة ومقاصده السامية. ولعلي لا أتطلع الي المستحيل أو الصعب، إذا ما قلت اننا يمكن بالفعل ان نشرع في تعديل السلوكيات والانماط الاستهلاكية التي اعتدنا عليها في رمضان رغم خطئها، وأن نبدأ بالفعل في وضع نهاية لحالة الخلط السييء بين الشهر الفضيل، والنهم في الطعام والشراب، وحالة الصرع التي تنتاب الكثيرين منا، إن لم يكن أغلبنا وتدفعنا دفعاً بارادتنا أو رغماً عنا، للبذخ المكروه في شراء المواد الغذائية والاسراف المفرط في ذلك، وهو ما اصبح عادة ذميمة لدي البعض منا والقادرين بالذات، بل وأيضاً غير القادرين إذا وجدوا الي ذلك سبيلاً. واحسب ان الحالة العامة للغلاء التي نواجهها الآن، تحتم علينا وتدفعنا الي البدء من الان في الترشيد، والتخلي» عن هذه السلوكيات المذمومة وذلك الخلط السييء.