• الخطأ الفادح الذي وقعنا فيه بإرادتنا للأسف.. هو الربط بين شهر الصوم والعبادة وبعض الممارسات البعيدة عن روح وفلسفة الشهر الكريم. • الآن وقد أوشك الشهر الكريم علي الانقضاء بعد أن تسارعت أيامه المباركة في تحركها المتواصل والمتزايد لمغادرتنا وكأنها قد اشتاقت للرحيل عنا بالرغم من أننا لم نكد نسعد بحلها معنا وبقائها المؤقت بيننا،...، الآن وقد انتبهنا إلي أن ما بقي لنا من الصحبة مع النسمات العطرة لشهر الصوم الكريم، يقل كثيرا عما انقضي وفات من أيامه ولياليه، دون أن نرتوي بعد بما هفت اليه نفوسنا من الفضائل التي يحملها في اعطافه، وبكل ما يحتشد داخله ويزخر به من روحانيات تسمو بالنفس، وتدفعنا برفق ومودة وطيب خاطر للسير في طريق الخير والصلاح، تقربا من الله عز وجل وسعيا لمرضاته، أملا ان نحظي بالقبول في ظل رحمته غير المحدودة التي وسعت كل شيء، وطمعا في غفرانه الذي لايحده حد ولايصده صد ولا يمنعه مانع، ولايقدر عليه سوي المانح الخالق المهيمن العزيز الجبار الغفور الرحيم رب العرش العظيم. الآن وقد تسربت من أيدينا جل أيام وليالي الشهر الكريم، ولم يتبق لنا منها سوي الثلث فقط لاغير،..، فإن ذلك لايترك لنا غير المصارحة مع النفس ومعكم سبيلا للتعبير عما أري أن الإلمام به أصبح واجبا لايصح اغفاله، وأن التنبه له أصبح ضرورة لايستقيم تجاهلها أو غض الطرف عنها، في ظل القدر الكبير من التطورات والمتغيرات التي طرأت علي حياتنا في الأونة الأخيرة والتي ازدادت وتصاعدت وتراكمت خلال السنوات الماضية حتي وصلت إلي ما أصبحت عليه الآن،..، لذا فإنه لامحيص عن المكاشفة الكاملة. الخلط السيئ وفي هذا الاطار، وإذا ما أردنا رصدا أمينا للواقع في مجريات حياتنا طوال شهر رمضان، فيجب أن نلفت الانتباه إلي ذلك الخلط السيئ الذي وقعنا فيه طوال السنوات الماضية وحتي اليوم للأسف، بين روحانيات الشهر الفضيل وبين أنه شهر للاسراف في الطعام والشراب،..، كما يستلفت الانتباه بشدة ايضا ذلك الربط الظالم والمتعسف الذي نقوم به دائما بين ليالي رمضان المباركة، التي يجب أن نضيئها بوهج المعرفة ونحييها بنور العبادة والتفكر، وبين ما نمارسه من الغرق الإرادي في دوامة التسلية والسهر »والفرفشة»، وايضا الاستسلام الطوعي لموجات الدراما المنتشرة والكاسحة علي القنوات الفضائية. وفي هذا أتحدث عن ذلك الخطأ الفادح الذي وقعنا فيه جميعا، بارادتنا للأسف، عندما ربطنا بين شهر الصوم والعبادة والتقرب إلي الله عز وجل، طالبا لراحة النفس، وهدوء القلب وصفاء الروح،..، وبين تلك الممارسات البعيدة كل البعد عن روح وفلسفة الشهر الكريم. وفداحة هذا الخطأ الذي شاع واستشري بيننا جميعا دون استثناء ودون تفرقة بين عامة الناس وخاصتهم، وعلي اختلاف اطيافهم وتعدد مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية،..، يكمن في كونه تحولاً في نظرنا جميعا للأسف، »أو كثرتنا علي الاقل للأسف أيضا»، من اعتباره سلوكاً خاطئا وفعلاً مذموماً، ليصبح عادة مقبولة وسلوكا موافقا عليه أولا، ثم تطور الأمرليصبح سلوكا محمودا وفعلا مرغوبا بعد ذلك. ثم زاد الأمر سوءاً علي سوء بأن تمكن منا ذلك الخلط وهذا الخطأ بحيث اصبح عرفا وسلوكا ومنهجا مجتمعياً معمولا به من الجميع في كل عام، واصبح ملزما للكل دونما نقاش ودونما مراجعة ولانقض ولا ابرام،..، وإذا بنا والأكثر قدرة فينا بالذات في سباق محموم نحو هذا الخلط بين الاسراف السفهي في الطعام والشراب في شهر رمضان رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وبين الاستغراق في وسائل التسلية والسهر وإضاعة الوقت فيما لايفيد ولاينفع،..، وكأن رمضان الكريم اصبح شهرا للأكل والسهر والمسلسلات الدرامية وقلة العمل، بدلا من أن يكون شهرا للتراحم والتكافل، وفرصة لنشر المودة وزيادة الترابط بين العائلات والأسر. وأصارحكم القول بأني أتصور.. وآمل أيضا أن تتولد لدينا جميعا رغبة حقيقية في وضع حد لهذا الخطأ وذلك الخلط، الذي كان له ومازال أثراً بالغ السوء علينا جميعا، علي كل المستويات سواءعلي المستوي الاجتماعي أو الاقتصادي، وأن نشرع بكل الجدية والاصرار في التخلص من هذا الخلط المعيب والتطهر من ذلك الخطأ الفادح،..، وأن نحاول صادقين العودة بالشهر الكريم إلي طبيعته السمحة وروحه السامية. استسلام تام وفي اطار المصارحة مع النفس ومعكم اجدني مضطرا للقول،...، لعلنا نلاحظ أنه أصبح من المألوف أن نجد استسلاماً من الكل تجاه هذه الحالة غير الصحيحة وغير السليمة من السلوك المتنافي مع فلسفة وطبيعة الشهر الكريم، بحيث أصبح من غير المألوف أن نجد طائفة منا أو أحدا مفردا يسعي للنجاة من الوقوع في هذا الخطأ المذموم أو حتي يعمل علي انقاذ نفسه والخروج من دوامته السيئة. وازيد في الصراحة بالقول بأنه أصبح من الشاق علي عامة الناس استطاعة النجاة أوالهروب من الموجات المتدفقة والكاسحة للمسلسلات والبرامج الطافحة علي كل القنوات الفضائية طوال شهر الصوم، الذي تحول بقدرة قادر إلي شهر المسلسلات من كل لون وكل صنف، بغض النظر عما تحمله هذه المسلسلات في طياتها ومضامينها من غث الكلام أو سمينه . والقليل جدا من هؤلاء من يملك القدرة علي ضبط النفس، والنأي بها عن الانخراط فيما انخرط فيه بقية خلق الله في مصر، من الجلوس طوال الليل في الشهر الكريم جاحظي العيون مسلوبي القدرة علي التفكير، محدقين في هذا الفيض المتدفق علي الشاشات حاملا معه ذلك الكم الهائل من الافكار المشوشة والقيم السلبية. وهكذا يتحول غالبيتنا للأسف إلي ضحايا لتخمة المشاهدة الظالمة وايضا تخمة الطعام المؤلمة، في ظل الاستسلام الإرادي لهذا الوضع البائس من الخطأ والخلط في ذات الوقت بين نوعين متطرفين من السفه المادي والمعنوي،..، والمثير للأسف في ذلك اننا نتجاهل أن هذا الذي نفعله يتناقض مع حكمة الصوم وفلسفته، ويتضاد مع الأهداف والمقاصد الروحانية العظيمة التي فرض الله علينا شهر الصوم لأجلها، وجعله ركنا من اركان الاسلام الخمسة. صورة مغلوطة وطالما أننا تعرضنا إلي الكم الهائل من المسلسلات التي طفحت علي شاشات الفضائيات هذا العام في رمضان والتي زادت عن الحد بشكل لافت، حيث بلغت ما يتجاوز الخمسة والثلاثين مسلسلا وفي قول آخر تجاوزت الاربعين،وكلها أو أغلبها علي أقل تقدير، تحمل كما كبيرا وهائلا من الرسائل السلبية في مجملها،..، وهو ما يجب أن نلتفت إلي تأثيره علي عامة الناس الذين يتلقون هذه الأفكار وتلك المضامين وترسخ في أذهانهم وتترك أثرها السلبي في داخلهم. كما لابد أن نلتفت ايضا إلي المستوي الهابط والمتدني للحوار بين بعض الشخصيات في هذه المسلسلات، والألفاظ والكلمات والشتائم المتداولة بينهم في ظل الغيبة الكاملة لأي رقابة أخلاقية أو فنية، تضع في اعتبارها أن هذه المسلسلات تدخل إلي كل البيوت وتؤثر علي من فيها من الأطفال والشباب بالسلب أو الايجاب. وواقع الأمر يقول أن الانطباع العام والسائد لدي جموع المواطنين عن الصورة التي تنقلها القنوات الفضائية خلال شهر رمضان الكريم، إلي المشاهد المصري وكذلك إلي المشاهد العربي أو الأجنبي بالخارج،..، هو ان هذه الصورة لاتعبر تعبيرا صحيحا عن طبيعة مصر والمصريين،..، بل وفي كثير من الأحيان تعطي صورة مغلوطة ومشوهة عنهما معا. والمتابع لبعض ما تقدمه هذه المسلسلات والاعمال الدرامية التي تكدست وتزاحمت طوال الشهر، يكتشف ببساطة انها قد عكست في مجملها واقعا مختلفا عن طبيعة الحياة في مصر، وهو ما يعطي صورة مشوهة وسيئة عن بلدنا لكل من لا يعرفها ولايعرف أهلها حق المعرفة. أسئلة ملحة ولقد كان هذا التناقض واضحا بصورة فجة وبالغة السوء من خلال هذا الكم الهائل من المسلسلات التي ابتلينا بها في رمضان، وما تحمله في طياتها من مضامين أخلاقية وسلوكية سلبية، وعلاقات انسانية مهترئة، وصور وأحداث ووقائع تعبر عن واقع اجتماعي غث وشخصيات مريضة وغير سوية، وكم هائل من العنف غير المبرر. ووسط كل ذلك يحار المرء كثيرا اذا ما حاول البحث عن اجابة مقنعة أو حتي مستساغة ولو علي مضض لبعض الاسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح في هذه المسألة،..، ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر،..، لماذا كل هذا الكم الهائل من المسلسلات في شهر الصيام؟! ولماذا كل هذا الاسفاف في المحتوي والرسالة والمضمون؟! ولماذا هذا الكم المهول من العنف والجريمة وضياع القيم والاخلاق؟! واخيرا.. وليس آخرا،..، أليس لدينا من الكتاب والمخرجين والنجوم والمنتجين، من يستطيعون تقديم اعمال فنية ودرامية راقية ومحترمة تليق بمصر في الشهرالكريم؟! سرابيط الخادم عندما امسكت بهذه الرواية للكاتبة والأدبية المتميزة ثناء رستم مدير تحرير آخر ساعة استوقفتني لأول وهلة ثلاثة أمور لافتة ومثيرة للانتباه بالنسبة لي علي الأقل،..، أولها ذلك العنوان المغرق في الغرابة الذي اختارته الكاتبة لروايتها وهو »سرابيط الخادم» وقلت في نفسي: عنوان غير مألوف ولا مطروق، بل هو مجهول بالنسبة لي وأظنه كذلك بالنسبة للكثيرين ايضا، ولحظتها طرأ علي ذهني سؤال.. »ماذا تعني هذه »السرابيط» التي لها خادم؟!» وجذب انتباهي في ذات الوقت وبنفس القوة ذلك الغلاف الموحي بالغموض لأربعة ظلال لشخوص متسربلة بالسواد في لباس قريب الشبه جدا،.. ان لم يكن يتطابق، مع لباس الحاخامات اليهود، يقفون أمام أحد الجبال يلفهم غموض موحش. أما ثالث الأمور اللافتة والمثيرة للانتباه فكان متمثلاً في ذلك الحجم الضخم من الصفحات، التي افرزتها قريحة المؤلفة صاحبة الرواية في براعة واتقان شديدين، ونسجت خيوطها المتماسكة في أناقة وانسيابية رائعة، تشد القاريء معها وتجذبه اليها وتلصقه وجدانيا بها، وهي تحكي حكايتها وتقص روايتها وتسحبه معها ليغوص في الجوانب الحاكمة والمعقدة لشخوصها وابطالها،..، وصولا إلي حقيقة وجوهر وأصل حكاية »السرابيط والخادم». غموض وإثارة وبالرغم من تحمسي الطبيعي والمعتاد للقراءة، إلا أن هذه الأمور الثلاثة اللافتة، كانت دافعا لي لمزيد من الحماس للاندفاع والتوغل في دهاليز الرواية بحثا عن مكنونها الكامن بين الأوراق الخمسمائة الا قليلا.. في محاولة مشوقة للكشف عن حقيقتها الراقدة بين الصفحات تنتظر بشغف كل من يحاول الوصول اليها. وخلال هذا التوغل والاندفاع في قراءة الرواية بحثا عن حقيقة »السرابيط والخادم»، وجدت شخوص الرواية وابطالها يحتشدون ويتحركون في عالم معقد، وسط احداث متسارعة ومشاعر فوارة وصراعات متعددة علي المستوي الوجداني والعقلي،..، والكل يدور في تشابك انساني معقد، بحثا عن الحقيقة وكشفا للأسباب والدوافع وراء ذلك الغموض المحيط بواقعة الموت المحير والمفاجئ لذلك العجوز اليهودي المصري، الذي يحمل بين طياته سرا سعي جاهدا لإخفائه عن جميع المنظمات الصهيونية وايضا عن المافيا العالمية المشاركة معها. والرواية ليست رواية بوليسية، رغم أن الجريمة فيها هي العقدة المركزية أو المحور الذي تدور حوله كل الأحداث والوقائع، وترتبط به كل الشخصيات.. وهي ليست رواية تاريخية رغم ما تحتشد به وتزخر من سرد لوقائع وأحداث تاريخية.. كما أنها ليست رواية عاطفية بالرغم من الوجود الطاغي للعواطف الإنسانية بها، ولكنها عبارة عن نسيج واحد يضم الخيوط الثلاثة معا. حقيقة السرابيط تقول الرواية بين سطورها الممتدة علي خمسمائة صفحة إلا قليلا،..، ان »سرابيط الخادم».. منطقة تستحق أن تحظي بلقب »أرض الاساطير» والحكمة أيضا.. فالمنطقة تضم عددا من التماثيل المتناثرة، وبجوارها يقع أغرب معبد فرعوني علي الاطلاق وهو معبد »حتحور» سيدة الفيروز. وتقع »سرابيط الخادم» شرق مدينة »أبوزنيمة» في منطقة »الرملة» علي بعد 80 كيلو متراً تقريبا عن »رأس سدر».. والمنطقة صخرية وشديدة الوعورة وتقع فوق هضبة، الصعود اليها عملية شاقة من جميع الجهات. وسبب التسمية الغريبة للمنطقة »سرابيط الخادم» ترجع إلي كلمة »سرابيط» وهي جمع »سربوط» وتعني النتوء الصخري من الجبل المرتفع عن الارض. وارتباطها »بالخادم» يرجع لوجود عدد من التماثيل بالقرب من هيكل المعبد »حتحور» منحوتة من الحجر الرملي وتبدو في وقفتها كالخدم المنتصبين وقوفا في انتظار تلقي الأوامر من مخدومهم وتنفيذها. ويعتقد بعض المؤرخين ان »سرابيط الخادم» كانت واحدة من النقاط الثابتة في رحلة خروج نبي الله »موسي» عليه السلام، وانه توقف بقومه في ذلك المكان أو بالقرب منه،ويربط هؤلاء بين هذا وما جاء في القرآن الكريم من طلب قوم »موسي» عليه السلام، ان يجعل لهم آلهة يتعبدون اليها مثلما رأوا وشاهدوا في »سرابيط الخادم» من قوم عاكفين علي اصنامهم يتعبدون اليها. • والآن.. قد يكون من المهم واللازم في إطار المصارحة الواجبة، أن أشير وأنبه إلي أني لست ناقدا أدبيا ولا أدعي ذلك،...، ولكني قارئ نهم أراد أن يشرك القراء معه في بعض ما يقرأ من كتابات يراها جيدة أو مستحقة.