محمد بركات يخطئ من يظن ان الصدفة هي صانعة التقدم أو أن الحظ هو صانع التطور والحداثة ونحن نبدأ اليوم خطواتنا الأولي في بناء مصر الجديدة، التي تحلم بها جميعا دولة ديمقراطية حديثة وقوية، واضعين يدنا في يد الرئيس الذي اخترناه كي يقود المسيرة، ويكون علي رأس الزحف المقدس لجموع الشعب نحو المستقبل المشرق بإذن الله، علينا ان ننظر حولنا بوعي ونفتح عيوننا وعقولنا علي رحابتها واتساعها كي نستوعب ما جري وما يجري في العالم من احداث ووقائع، وندرك حركة التاريخ الدائمة وتياراته الدافعة صعودا وهبوطا، ترفع دولا وشعوبا فوق اخري، وتحط اخري أسفل أخرين. وإذا ما فعلنا ذلك بأكبر قدر من الوعي والحكمة وأيضا التجرد والموضوعية، فقد ندرك الحقيقة الماثلة أمام اصحاب البصر والبصيرة بامتداد العالم كله، وبطول وعمق التاريخ منذ نشأة الحضارة وحتي اليوم، وبإمتداد الزمن إلي منتهاه المقدور والمكتوب في اللوح المحفوظ لساعة علمها عند ربي علام الغيوب. تلك الحقيقة البسيطة التي تؤكد لكل راغب في الفهم، انه في عالم الدول والشعوب الراغبة في التقدم والساعية للحداثة والتطور، لا مكان للصدفة أو لحظ الحسن،...، ويخطئ من يظن ولو للحظة ان الصدفة هي صانعة التقدم، أو ان الحظ هو صانع التطور والحداثة بالنسبة للدول علي خريطة العالم، وأنه صاحب التغيير والإصلاح علي اي مستوي من المستويات الاجتماعية أو السياسية أو الإقتصادية أو غيرها. الحقيقة
هذه الحقيقة تؤكد لكل الراغبين في المعرفة والتعلم، انه اذا كان جائزا في بعض الاحيان ان تلعب الصدفة دورا لافتا، أو يلعب الحظ دورا بارزا ومؤثرا في حياة بعض الافراد،...، فإن ذلك يبقي دائما وأبدا حدثا مفردا في ذاته، مقصورا علي حدود الشخص، غير قابل للتعميم علي المجموع، بل ويظل ينظر اليه علي انه الاستثناء الذي لا يخل بالقاعدة، بل يؤكدها. تلك هي القاعدة التي يعرفها العالم كله، وأدركتها جموع البشر علي مر التاريخ، نقول بوضوح للجميع أن العمل هو الوسيلة الوحيدة المؤكدة لتحقيق أي طموح علي المستوي الشخصي أو العام،...، وانه الطريق الصحيح لتقدم الشعوب والدول وهو الأداة المتاحة امام الجميع للانتقال بالأفراد والمجتمعات والدول من دائرة التخلف أو الفقر إلي دوائر النمو، ثم التطور والحداثة. من هنا علينا ان نؤمن بإن العمل الجاد والمكثف هو قاعدة الانطلاق المعمول بها في كل الدنيا، لدي كل الدول والشعوب التي تريد الانتقال من واقعها السيء إلي واقع أفضل علي مستوي العالم،...، وانه هو الوسيلة المتعارف عليها والموثوق بها للتطور والتحديث، واللحاق بركب الدول والمجتمعات المتقدمة. تلك حقائق ثابتة في يقين العالم اجمع،...، آن الأوان ان تترسخ في وجداننا نحن إذا ما أردنا الارتقاء بهذا الوطن، والخروج به من عنق الزجاجة والانتقال به من دائرة الدول المأزمة اقتصاديا، والفقيرة ماديا، إلي دائرة الدول الاكثر نموا ثم بعدها إلي مصاف الدول المنطلقة علي طريق التقدم. الدليل
واذا ما اردنا دليلا حيا علي ذلك الذي نقوله، فعلينا ان ننظر وندقق في مجموعة الدول الآخذة في النمو بقوة وسرعة علي الساحة الدولية الآن، والتي حققت في الآونة الاخيرة معدلات مرتفعة من النمو المستمر، طوال العشر والعشرين عاما الماضيين بصورة متراكمة، مما اهلها للانتقال الفعلي من مصاف الدول النامية، إلي مصاف الدول ذات الاقتصاديات البازغة المؤهلة للانضمام إلي الدول المتقدمة ذات الثقل والوزن الاقتصادي الكبير. ولو دققنا فيما حدث في تلك الدول، سواء الصين أو الهند أو البرازيل أو المكسيك أو غيرها وغيرها؛؛؛ لوجدنا ان السر وراء تلك الطفرة الكبيرة وذلك التحول الايجابي الملموس والواضح يكمن في الايمان بقيمة العمل، والانطلاق بقوة علي طريق الاصلاح الاقتصادي، واعطاء دفعة قوية للانتاج في كافة المجالات الزراعية والصناعية والخدمية، وفتح الباب واسعا امام اكبر قدر من الاستثمارات المحلية والاقليمية والعالمية، والسعي بكل جدية واصرار علي نقل التكنولوجيا المتقدمة، في جميع المجالات الصناعية والزراعية والتجارية،...، واطلاق مبدأ المنافسة تحقيقا لجودة المنتج طبقا لاحسن المواصفات واقل الاسعار. ولوجدنا ان وراء ذلك كله ومن قبله، يقف العمل الجاد والمنتظم والكفء كوسيلة وحيدة لتحقيق جميع الطموحات علي مستوي الفرد والمجموع،...، ولوجدنا ان ما حقق هذه الطفرة الواضحة في هذه الدول علي المستوي الاقتصادي هو الاعلاء من قيمة العمل، واعتباره فريضة مقدسة لدي كل مواطن وكل فرد في هذه الدول، بحيث اصبح السعي للاجادة والاتقان واكتساب المهارة والخبرة والكفاءة في العمل والانتاج، من الاسس والقواعد الرئيسية لاحترام الفرد وتقديره باعتبار ان تلك قيمة بالغة الاهمية وبالغة الدلالة، تجعل للفرد احتراما واجبا ومستحقا. حلم النجاح
وبمتابعة ما جري ويجري علي خريطة العالم من حولنا نخلص إلي الحقيقة الراسخة والثابتة علي مر التاريخ والاجيال، التي تؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك، انه لا توجد دولة في العالم أو مجتمع من المجتمعات، من بين الدول المتقدمة أو المجتمعات المتطورة، أو تلك الساعية للتقدم والآخذة في التطور الا وكان العمل الجاد والمكثف هو الطريق والوسيلة لهذا التقدم وذلك التطور. ويتواكب مع ذلك ويسير معه في ذات الوقت في كل تلك الدول والمجتمعات، ايمان راسخ لدي جميع الافراد وجميع المواطنين بأن الانسان هو صانع مستقبله، وانه المسئول الاول عما يحققه من نجاح في حياته، وان طريق النجاح واضح ومعروف وهو السعي بكل الجدية للتأهل واكتساب الكفاءة والمهارة في العمل أو المهنة التي اختارها، وبذل اقصي الجهد للتفوق والجودة والابتكار والابداع في عمله وتخصصه. من هنا فإن ثقافة النجاح أو الرغبة في النجاح هي من الاعمدة الرئيسية التي يقوم عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي في تلك الدول، بحيث يمكننا القول بأن كل شاب وكل صبي وكل مواطن في هذه الدول وتلك الشعوب يحلم بالنجاح ويسعي لتحقيق هذا الحلم، يعلم ان الطريق اليه هو العمل والجهد والتفوق والابداع، ويثق ان هذا هو الطريق الصحيح الذي يجب ان يسير فيه. قيمة العمل واذا كنا نؤكد علي ابراز قيمة العمل وثقافة النجاح، باعتبارهما الركيزة الصحيحة الواجب الاعتماد عليها من جانبنا الآن ونحن نسعي للخروج من الضائقة الحرجة التي نمر بها اقتصاديا واجتماعيا، متطلعين لتحقيق طموحاتنا المشروعة في الدولة الديمقراطية القوية الحديثة، فإننا نري من الاهيمة بمكان ان نؤمن جميعا بأننا لسنا اقل استعدادا للعمل والعرق والجهد من اي شعب آخر من الشعوب في الدول المتقدمة أو تلك البازغة والساعية علي طريق التقدم، وان الفرصة قد اصبحت مواتية الآن كي نثبت ذلك لانفسنا أولا وللعالم بعد ذلك،...، وسيحدث ذلك بإذن الله. وفي هذا الاطار علينا ان نؤمن بأن دور الفرد مهم بل هو الاساسي في كل تقدم ومحور كل تغيير وهدف كل اصلاح، واذا صلح الفرد صلحت الاسرة واذا صلحت الاسرة صلح المجتمع كله،..، وعلينا الايمان بأن دور الدولة لن يتكامل ويتحقق بصورة شاملة دون مساهمة ومشاركة الافراد والقطاع الخاص، بوصفهم القاطرة الدافعة للتنمية والتحديث والاصلاح، وبغيرهم لن تتكامل التنمية. الشباب وإذا ما دققنا النظر حولنا نجد ان ركيزة التقدم والتحديث في كافة الدول المتقدمة والسائرة علي طريق الحداثة والتقدم هي القطاع الخاص وذلك لا يعني الغاء دور الدولة أو الاستغناء عنها، بل علي العكس هو دور مكمل ومساعد وداعم لدور الدولة،..، وفي غالبية هذه الدول يكون هو القاطرة الدافعة للنهوض بالاقتصاد، وفيها تكون المشروعات الخاصة، سواء لكبار رجال المال والاعمال، أو الشركات والمؤسسات الخاصة أو المشروعات الصغيرة، هي بوابة التقدم والحداثة، والوسيلة السريعة والفعالة لاتاحة فرص العمل امام الشباب، وهي في ذات الوقت الفرصة الكبيرة المتاحة امام هؤلاء الشباب لتحقيق ذاتهم وطموحاتهم وآمالهم في النجاح والابتكار، في اطار منظومة العمل الحر. وفي هذا الاطار لابد ان يكون واضحا بالنسبة لكل الشباب في مصر، ان شباب كل الدول المتقدمة مثل امريكا، والمانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وايطاليا وغيرها،..، وايضا شباب الدول البازغة والسائرة نحو التقدم الاقتصادي والتكنولوجي سواء في الهند أو ماليزيا أو سنغافورة أو كوريا الجنوبية أو البرازيل أو غيرها، لا ينتظرون «الوظيفة الميري» ولا احد يجلس في بيته ينتظر ان يأتيه الفرج من القطاع العام أو الحكومة من خلال الوظيفة الميري، بل الكل يسعي ويبحث، ويدرك باليقين ان العمل والمكان المناسب له ولغيره موجود في منظومة القطاع الخاص،..، وان لم يكن موجودا أو متاحا فعليه هو ان يسعي لخلقه وايجاده، وان العمل الحر هو الحل وهو الامل ايضا. القطاع الخاص
وقد يكون من المهم ان نوضح ونؤكد ان فائدة العمل في منظومة القطاع الخاص والاعمال الحرة في تلك الدول وفي غيرها من دول العالم، لا تقتصر في دورها وقيمتها علي كونها تقدم الحل لمشاكل البطالة في هذه الدول،..، ولكن هذه الفائدة وتلك القيمة تمتد إلي ما هو ابعد من ذلك واعمق بكثير. ولعل اول ما يجب ان نذكره ونركز عليه في ذلك هو انتقاء القيم السلبية في ظل منظومة العمل بالقطاع الخاص، حيث لا مكان للتكاسل ولا ترحيب بالاهمال، ولا ترقية دون كفاءة، واجتهاد، وعمل جاد، بالاضافة إلي اختفاء القيم والمعايير الخاطئة في تقدير وتقييم الافراد والعاملين، فلا واسطة ولا محسوبية، بل الكفاءة والخبرة والالتزام هم المعيار الاساسي لتقدير وتقييم العاملين،..، وبذلك تتحدد قيمة الفرد علي اساس قيمة ما يقوم به من عمل، وما يقدمه من انتاج سواء كان هذا الانتاج ذهنيا أو ماديا. وقيمة اخري تنتج عن ذلك، وهي ترسيخ الرغبة في التميز والنجاح في ظل المنافسة وفرز امثلة واضحة ومؤكدة للارتفاع بالمستوي الاقتصادي والاجتماعي للافراد نتيجة تميزهم وكفاءتهم ونجاحهم في العمل، وهو ما يفتح الباب واسعا امام طموح الشباب، واملهم في الارتقاء علي المستويين الاجتماعي والاقتصادي نتيجة جهودهم وتميزهم في العمل. وفي العالم كله، هناك أمثلة واضحة ومؤكدة علي ذلك، في اشخاص وافراد عاديين، اصبحوا نجوما في عالم المال والاعمال، والاقتصاد والسياسة، وغيرها نتيجة جهد وعمل فكري وذهني متواصل ومكثف ومنظم في اطار هذه المنظومة، التي تعلي من قيمة العمل وتفتح الطريق للتميز والاجتهاد والابداع. *** ما نريد ان نقوله، وارجو ان يكون واضحا امام شباب مصر وأملها في المستقبل، هو ان كل المجتمعات وجميع الشعوب والدول تتقدم وتتطور بجهد ابنائها وطموحاتهم، وان ذلك يتحقق عن طريق العمل الجاد والكفء، في ظل منظومة متكاملة تقوم في اساسها علي الفرد، وتفتح الباب للتميز والنجاح والمنافسة الايجابية والصحيحة. وان العمل هو طريق النجاح والتقدم والحداثة،..، ولا شئ يأتي بالصدفة أو بالحظ،...، اما اذا حدثت الصدفة وجاء الحظ، فإنها لا تحدث وهو لا يجئ الا لمن يعمل من اجلهما ويكون مستعدا لهما.