عندما أنزل الله القرآن علي رسوله »صلي الله عليه وسلم« كانت ثقافة العرب تتمثل في نمطين اثنين هما :الشعر والنثر، فالشعر يتميز عن النثر بأنه كلام موزون مقفي، والنثر فهو الكلام الذي لا وزن له ولا قافية ، وهو يتمثل في كلام الكتب والمجلات....، والمقصود بالوزن تلك الإيقاعات الثابتة التي يجري عليها شعر الشاعر، أما القافية فهي النهايات الثابتة لأبيات القصيدة ، فالوزن والقافية إذن أبرز السمات التي تميز الشعر عن غيره من الكلام . وموسيقي الشعر يتقاسمها علمان هما : علم العَروض وعلم القوافي فعلم العروض هو علم دراسة أوزان الأبيات داخل القصيدة لمعرفة النغمة التي تسير عليها أو البحر الشعري الذي صيغت علي تفعيلاته (الإيقاعات) ، ومدي توفيق الشاعر في الوفاء بمستلزمات هذا البحر الشعري ، وبيان ما يمكن أن يدخل تفعيلات(الإيقاعات) هذا البحر من زيادة أو نقص لا تتأثر بهما موسيقاه ، وما يمتنع من ذلك لأنه يخل بالموسيقي . أما علم القافية فهو دراسة ما يتبعه الشاعر في أواخر الأبيات بحيث يُلزم بذلك نفسه حتي يحدث نوعا من التناسق والتناسب الموسيقي بين أواخر أو نهايات أبياته . ومما هو معروف أن كل قصيدة تتكون من عدة أبيات ، كل بيت ينقسم إلي شطرين ، هذان الشطران يتكون كل منهما من تفعيلات (الإيقاعات) ، هذه التفعيلات هي وزن القصيدة أو وزن البحر الشعري الذي تجري عليه القصيدة . فمثلا قصيدة أبي فراس الحمداني التي يقول في أولها : أَراكَ عَصِيَّ الدَّمْعِ شِيمَتُكَ الصَّبْرُ أَمَا للهَوَي نَهْيٌ عَليكَ ولا أَمْرُ فهذه القصيدة مكونة من عدة أبيات ، كل بيت مكون من شطرين ، وتفعيلة هذه القصيدة هي : فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ و بتطبيق ما سبق ذكره علي القصيدة فإن البحر الشعري لهذا البيت هو : أراكَ عصيَّ الدَّمْ عِ شِيمَا تُكَ الصَّبْرُ أَمَا للْ هَوَي نَهْيٌ عَلَيكَ وَلا أَمْرُ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ وهو ما يسمي (بالبحر الطويل) وترجع نشأة علم العروض للخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي عام (170ه) ، وروي أن الخليل بن أحمد سُئل : هل للعَروض أصل عند العرب ؟ قال : نعم مررت بالمدينة حاجًّا ، فرأيت شيخًا يعلم غلامه يقول له : قل : نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لالا نعم لا نعم لا لا فقلت له : ما هذا الذي تقوله للصبي ؟ فقال : إنه علم يتوارثونه عن سلفهم يسمونه (التنعيم) ، وذلك لقولهم ( نعم لا ) أما عن علاقة علم موسيقي الشعر بالقرآن الكريم أنك تجد في القرآن بعض الآيات جاءت موزونة ومثلت بحور الشعر ومع هذا لم تعتبر شعرًا ، ذلك لأنها خلت من عنصر القصد . والمقصود بعنصر القصد هو أن يكون المتكلم عمد إلي إخراج كلامه شعرًا ، ومن ذلك قوله تعالي : (الَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ ) فهي علي وزن : لَيْسَ الْ بِرَّأَنْ تُوَلُوا وُجُوهَكُمْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُنْ فَعُولُنْ مَفَاعِيلُن فالقرآن نزل علي أمة عربية تتكلم بلغة بليغة ، تقول الشعر والنثر وتبدع فيهما تصويرًا وفنًا ، فكان من الطبيعي أن تأتي بعض ملامح أوزان الشعر في القرآن كمظهر من مظاهر الإعجاز فالقرآن جمع بين ملامح الشعر والنثر معا بلاغةً و تصويرًا و فنًا .