دائما ما تؤكد الصين أن سياساتها الخارجية تقوم علي أساس المنفعة المتبادلة، ورفض التورط في النزاعات الدولية وعدم التدخل في الشئون الداخلية للبلاد. هذه السياسة نجحت إلي حد كبير في توسيع نفوذ الصين سياسيا واقتصاديا في منطقة الشرق الأوسط، فهي دائما ما تلتزم بالحياد عند التعاطي مع الصراعات الإقليمية، وتتجنب التشابكات العميقة مع قضايا المنطقة. بالتدقيق في مواقف الصين خلال السنوات الخمس الماضية، نجد أن هناك اهتماما كبيرا من جانب بكين بالمشاركة في قضايا الشرق الأوسط، يراه البعض أنه محاولة صينية لملء الفراغ الناجم عن انحسار الدور الأمريكي بالمنطقة، آخرون يرونه، تحركا حتميا للحفاظ علي المصالح الصينية المتمثلة في ارتفاع حجم التجارة والاستثمار بالمنطقة، وتأمين احتياجات بكين المتنامية من النفط، ودعم مبادرة الحزام والطريق التي لن يكتب لها النجاح بدون مشاركة دول الشرق الأوسط. رغم هذا الإنغماس في قضايا المنطقة المتشابكة والمعقدة إلا أنها لازالت تحافظ علي ثوابت سياستها الخارجية، بعدم التورط في النزاعات الدولية أو التدخل في الشئون الداخلية للبلاد، استطاعت الصين من خلال هذه السياسة »جمع الأضداد» بالمنطقة والحفاظ علي علاقات قوية بدول متنازعة فيما بينها، فهي تملك علاقات وطيدة مع السلطة الفلسطينية وتدعمها اقتصاديا وتدافع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وكذلك تلتزم بتعميق العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، وتتفاوض معها لإقامة منطقة تجارة حرة. في الآونة الأخيرة، شهدت المنطقة تطورات متسارعة علي الساحات السياسية والعسكرية وكذلك الاقتصادية، خلال الشهرين الماضيين، تغير نظام الحكم في السودان والجزائر، ويشهد البلدان القريبان من الصين حالة من عدم الاستقرار والضبابية بشأن مستقبلهما. لم تخرج تعليقات الصين علي الأوضاع في البلدين عن التصريحات الدبلوماسية المنمقة التي تتحدث عن أملها في تحقيق الاستقرار للبلدين الخير لشعبيهما، فهي لم تتورط في الدفاع عن نظام ولم تدعم آخر، فهي كما قالت أنها ستواصل علاقاتها مع البلدين. أيضا، هناك تعاون كبير مع السعودية في مجالات النفط والطاقة، ويعمل البلدان علي تطوير شراكات استراتيجية شاملة وتعاون في مجالات الطيران والطاقة النووية. هذا التعاون لا يمنعها من دعم إيران سياسيا في مواجهة الولاياتالمتحدة، ورفضها الإلتزام بالموقف الأمريكي الخاص بالانسحاب من الاتفاق النووي، وتأكيدها علي عدم الإلتزام بالحظر الذي تفرضه واشنطن علي النفط الإيراني. ربما كانت جولة الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2016 التي زار خلالها إيران والمملكة العربية السعودية، هي خير مثال علي قدرة بكين علي أن تكون صديقة الأعداء في المنطقة. فيما يخص الملف السوري حافظت الصين علي حيادها في الحرب، وطالبت بحل سياسي للصراع ولم تبد تأييدا لإي من الجانبين. رغم تقديمها للدعم الاقتصادي والأمني للحكومة السورية، لكنها نأت بنفسها عن الأعمال العسكرية الروسية ورفضت تحقيق السلام بالأسلحة. الواقع يقول، إن ازدياد المصالح الصينية في الشرق الأوسط، واتساع نفوذها علي الساحة العالمية كقوة كبري، يجبر بكين علي تعميق تدخلها في المنطقة خلال السنوات المقبلة، ما يجعل سياسة »جمع الأضداد» والحفاظ علي علاقات ودية مع كافة دول المنطقة علي المحك. رغم صعوبة خلق هذا التوازن إلا أن »الرهان الأكبر» للصين هو قدرتها علي مواصلة السير علي الحبل المشدود في المنطقة، فنفوذها مرتبط بعدم خسارتها أيا من الأطراف.