كامل الشناوي ما أكثر المقالات المبعثرة واليوميات والخواطر الفلسفية التي كتبها كامل الشناوي في عدد من الصحف والمجلات وتنتظر من يجمعها.. وهذه محاولة منا لنشر بعض خواطره *** * الناس جميعاً يتمنون أن تطول أعمارهم، هذه هي القاعدة، وقد يشذ عنها بعض المفكرين والفلاسفة وهواة الانتحار، ولست والحمد لله واحداً من هؤلاء، ومع ذلك فإني كثيرا ما أتساءل: هل طول العمر نعمة أم عقوبة؟ الموت ليس مشكلة... الحياة هي المشكلة. * أحب الجمال ولو تحول إلي خنجر يسكن ضلوعي، يجول فيها، ويتلوي ويقفز، أحبه في فكرة، كلمة، لوحة، نظرة، إشارة، شروق، ضباب، حقيقة، خيال، بحر هائج، رياح عنيفة، نسيم ضعيف، نغمة تنساب من حنجرة، آلة موسيقية، أو... كعب حذاء. * أحياناً تنتابني حيرة لا أستطيع معها أن أحزن أو أفرح.. لأن الأيام التي تنقضي من عمري تزيد من سني، وتجربتي، وثقافتي، وانفعالي بالجمال، فكيف أحزن علي النقص، ولا أفرح بالزيادة.. إنني دائماً زائد وناقص. * هل ألعنها أو ألعن الزمن؟ كانت تتخاطفها الأعين فصارت تتخاطفها الأيدي، إنها كالدنيا... لا تبقي ولا تتجدد إلا إذا خرج من حياتها ناس، ما أكثر الذين شهدتهم وهم يغادرون، وما أكثر المواليد الذين رأيتهم وهم يطرقون بابها. * لماذا تحاولين أن تدمري يأسي منك، بعدما تبدد أملي، إنك لا تريدين لي أن أستريح، لقد أصبح التنكيل بطمأنينتي هواية تمارسينها بخفة وبراعة. * لا تظني بي السوء، فما كنت سيئاً ولا شريراً... كل ما هنالك أني أردت أن أرفع روحي إلي سمائك فوجدتني في الهاوية، ولست أدري هل أخطأت الطريق إلي السماء فهويت، أم أنك لم تكوني قط في السماء؟ * حبيبتي... إني أكاد أفني فيك خجلاً وحياء كلما تذكرت كلمات الطهر والبراءة والقداسة التي أتعبتها من طوال ما مرت بشفتي، ولم تستطع الكلمات ولم تستطع شفتاي أن تجعلها تتجاوز فمي إلي أذنيك... لقد كنت أطمع أن أكون في مكان الإعزاز من نفسك، واخجلتاه من هذا الغرور، ولكن يعزيني أنه لم يدم طويلاً، فلقد عرفت في وقت قصير أني لن أكون في هذا المكان، لا لأنه لا يوجد في قلبك، بل لأن قلبك ليس له وجود. * حبيبتي... لقد أحببتك من قلبي، وكرهتني من قلبك. منحتك دمي ووقتي وعقلي، ثم كشفت لك صدري لأتلقي أوسمة رضاك، فرشقت مكان الأوسمة سهاماً مسمومة... لقد فتحت لك ذراعي لتملئي بوفائك ما بينهما من فراغ، فإذا أنت تملئين هذا الفراغ غدراً وحقدا. * الحب مثل القانون، يحمي البريء ويتعقب المجرم، وقد كان يحميك فأصبح يتعقبك... تعالي... لا تخافي أن تذكريني بالماضي... إنني عندما أراك لا أغوص في أيام ذهبت، ولكني أتسلق ما بقي لي من أيام. * ليس في حياتي ماض وحاضر ومستقبل، حياتنا فترة واحدة هي الماضي، الأمس مضي واليوم يمضي وغداً سيمضي، تعالي ولا تترددي فلم يبق من عمري ما يسمح بأن تترددي. * قلبي لا يطيق أن يتسكع في ضلوعه بلا عمل، ولذلك فهو حريص علي ألا يعتزل الحب، حتي لا يتعرض للبطالة.. دائماً في مشاعري همس جديد، لذيذ، غامض، أحاول أن أتبينه، فتحجبه عني ثرثرة التجارب وفضول الذكريات. * تمهلي أيتها الأيام، لا تدفعيني في طريقك بهذه السرعة المجنونة، إنني لا أجري ولا أمشي، ولكني أحفر بخطواتي القبر الذي سيضمني. * ما أشبه طريق حياتي ببيتي، نصفه مفروش والنصف الآخر خال من الأثاث، أتلفت ورائي فأجد الأيام تغطي طريقي. وأنظر أمامي فأري الطريق عارياً إلا من يوم أراه ويوم لا أكاد أراه. * أيها الليل، يا حبيبي... ألم يعد لنا مكان نلتقي فيه إلا غرفة نومي؟ أين الشوارع والملاهي والفنادق؟ أخرجني من بيت كما كنا نفعل أيام الشباب، واسهر معي حتي أري أصدقاء عمري، السحر والفجر والصباح. * أصبحت ساعتي مثلي، أصابتها الشيخوخة، فقدت توازنها، تريد أن تسير فنقف، تحولت دقاتها المنتظمة إلي سعال متقطع... كل يوم يبذل الساعاتي معها، ما يبذله الطبيب معي، ولكن الزمن أقوي من الساعاتي ومن الطبيب.. آه من يوم أري فيه الناس يحاولون التخلص مني... لأني أصبحت مثل ساعتي. * إذا كانت الحياة حقيقة، والموت حقيقة، فأين نحن البشر من الحقيقتين؟..هل نحن أحياء ننتظر الموت؟ هل نحن موتي تركنا مرحلة الحياة؟.. ولكن.. لماذا نسأل عما لا جدوي في أن نجهله أو لا نجهله؟ * أفكاري التي تؤرقني تتمني أن تغفو علي وسادة... إننا في حاجة إلي كل الناس، حتي لو كان إنساناً تافهاً أو أحمق، إن الناس هم الأردية التي نلبسها في الحياة، فبينهم رابطة العنق التي تزين الصدر، وبينهم الحذاء الذي يحمي القدمين من الحفاء. - التجارب علمتني أن المرض مثل العمر، سر غامض، وقد عرفت أناساً كانوا يأكلون بنهم ولم يمرضوا، وأناساً كانوا يأكلون بحذر وظلوا طوال حياتهم مرضي. وأنا لا أخشي الموت فقد واجهت ما هو أصعب منه... الحياة نفسها. * أحب أن يقرأ الجميع كتاباً ألفته... فما بالك بهذا الكتاب الضخم الفخم الذي ألفه الله وسماه الدنيا... هل يسر الله ألا يقرأه أحد بحجة أنه ناسك أو زاهد أو راهب؟ إن من يظنون ذلك يعانون أمية في الإيمان. أنا ابن هذه الدنيا التي خلقها الله، ولم أغمض عنها عيني لأني أدركت عظمة هذا العمل الفني الإلهي... فإذا اختارني لآخرته، فسأكون جديراً بهذه الآخرة، بعدما دخلت تجربة الدنيا ويا لها من تجربة.