قطاع النفط الإيراني يعانى بشدة تحت وطأة العقوبات الأمريكية تضيق الخيارات أمام إيران فيما يتعلق بإحلال أسطولها المتهالك من الناقلات والمحافظة علي استمرار تدفق الصادرات، بسبب تجدد العقوبات الأمريكية التي تجعل البائعين المحتملين وشركات التسجيل في حالة حذر من تنفيذ أنشطة أعمال مع الجمهورية الإسلامية. ومنذ أن أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات في نوفمبر 2018، توقفت مباحثات استكشافية مع كوريا الجنوبية لشراء ما يصل إلي عشر ناقلات عملاقة جديدة، فضلا عن أن بنما شطبت ما لا يقل عن 21 ناقلة إيرانية من سجلاتها، وهو ما اضطر طهران إلي رفع علمها علي الناقلات. واشنطن فرضت قيودا علي قطاعات الموانئ والطاقة والشحن الإيرانية، لكنها منحت استثناءات مؤقتة لأكثر من ثمانية زبائن من المتعاملين مع إيران، ومن بينهم الصين والهند واليابان، لكي يتمكنوا من شراء الخام الإيراني. ونظرا لأن صادرات النفط تشكل نحو 70% من إيرادات إيران، فإن الحفاظ علي عدد كاف من الناقلات لتخزين الخام ونقله أمر بالغ الأهمية لطهران. غير أن بائعي الناقلات المحتملين يتوخون الحذر في ظل الجولة الجديدة من العقوبات، بعد إدراج شبكة يونانية علي قائمة سوداء. وكانت تلك الشبكة ساعدت إيران علي شراء ناقلات في ظل قيود كانت مفروضة في السابق. مصدر ملاحي مطلع، قال لوكالة رويترز إن »إيران تبحث عن ناقلات، لكن هذه المرة سيكون أصعب. فهناك تدقيق أكبر كثيرا والأمر سيحتاج وقتا أطول. وتتجنب شركات التأمين الأوروبية الناقلات الإيرانية، في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات محاولات إيران لتصدير الخام إلي المشترين المعتمدين من الولاياتالمتحدة بفعل اضطرارها لرفع علمها علي الناقلات بدلا من علم دولة أخري مثل بنما. وإذا واجهت إيران صعوبات في تصدير نفطها، فقد يكون لذلك أثر كبير. وإلي جانب أهمية النفط لميزانيتها، تشير تقديرات إلي إنتاج إيراني بنحو 2.8 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل أكثر من 9% من إنتاج منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). مهدي فارزي، وهو مستشار مستقل بقطاع النفط وعمل من قبل لدي شركة النفط الوطنية الإيرانية، أكد لوكالة فرانس برس: »في أي قطاع من القطاعات، ستضع الشركات في حسبانها مسألة الانعزال عن النظام المالي الأمريكي عندما تتخذ قرارا بشأن التعامل تجاريا مع إيران من عدمه». التأمين والامتثال مسؤول إيراني، طلب عدم نشر اسمه، قال لوكالة الصحافة الفرنسية، إن بنما قررت عدم رفع علمها علي الناقلات الإيرانية بعد إعادة فرض العقوبات. وتظهر بيانات الشحن البحري أن جميع الناقلات الإيرانية تقريبا مسجلة لدي بنما. ويتعين علي جميع السفن التجارية أن تكون مسجلة وأن ترفع علم دولة محددة، لأسباب من بينها الالتزام بقوانين السلامة والبيئة. وقال مصدر في مكتب التسجيل في بنما إن الإلغاء »يؤثر علي نحو 60 ناقلة مسجلة في بنما علي صلة بمالكين من إيران وسوريا». ولم يخض المصدر في تفاصيل. وجري رفع العلم الإيراني بدلا من علم بنما علي ناقلتين أخريين علي الأقل، لم تكونا من قبل تعتبران جزءا من الأسطول الإيراني. ولم تتمكن أي وسيلة إعلامية من الاتصال بمالكي الناقلتين، اللتين كانتا من قبل مسجلتين في الجزر العذارء. وفي المجمل، فإن أكثر من 20 ناقلة أخري في أسطول إيران غيرت علمها ورفعت علم طهران هذا العام. وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية »ننوي تطبيق هذه العقوبات بالكامل ونشجع التعاون والالتزام من جانب حلفائنا وشركائنا». ويقول خبراء ملاحة إن رفع إيران لعلمها علي الناقلات يخلق مشاكل لطهران، حتي إن كانت تستطيع توفير المزيد من الناقلات والمشترين المعتمدين للنفط. وإلي جانب الصين والهند واليابان، أعطت واشنطن الضوء الأخضر لكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وإيطاليا واليونان للاستمرار في شراء النفط الإيراني، علي الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم تجديد هذه الاستثناءات عندما ينتهي أجلها في مايو المقبل. ومن شأن التعامل مع تسجيل العلم الإيراني إثارة قضايا بشأن الامتثال للأطراف المقابلة، حيث إن هناك مخاطرة بأن تلك الأطراف قد تضطر للتعامل مع أشخاص أو كيانات مدرجة علي قوائم سوداء في إطار عقوبات أمريكية، وفقا لما ذكره خبراء ملاحة. وقالت مصادر ملاحية إنه في ظل رغبة القليل من المشترين الآن في تحمل جميع المخاطر التجارية المنطوي عليها بيع النفط، يتعين علي إيران أيضا تغطية نقل الشحنات، بما في ذلك توفير التأمين في معظم الحالات. وقال مايك سولتهاوس من »إنترناشيونال جروب»، التي تمثل الشركات التي تؤمن علي نحو 90% من الشحن التجاري العالمي، إن شركات التأمين الغربية من المستبعد جدا أن تنفذ أنشطة مع شركات الشحن الإيرانية. وقال سولتهاوس، رئيس اللجنة الفرعية المعنية بالعقوبات لدي إنترناشيونال جروب، »المشكلة الأكبر لشركات التأمين هذه الأيام تتمثل في إيجاد بنك يرغب في تمرير مدفوعات لسلع أو خدمات يكون المستفيد منها مستهدفا من الولاياتالمتحدة.. البنوك لن تشارك حينما تذكر كلمة إيران». مسؤولية عائمة مسؤول إيراني كبير قلل من أهمية التهديدات التي تواجهها صادرات بلاده النفطية جراء الضغط علي أسطولها. وقال المسؤول »كثير من الدول سعيدة بالتعامل مع إيران. كما فعلنا في الماضي، هناك الكثير من الوسائل للتغلب علي النقص، ومن بينها استخدام ناقلات دول أخري». ووفقا لمتخصصين في الشؤون الملاحية، فإن الأساليب التي كانت تُستخدم لتجنب العقوبات في الماضي كان من بينها تغيير أسماء الناقلات، وإغلاق أنظمة تحديد الهوية التلقائي (ايه.آي.إس) وترددات الموقع وتنفيذ عمليات لتحويل النفط من ناقلة إلي أخري. وحذرت إسرائيل هذا الشهر من أن قواتها البحرية قد تتخذ إجراءات ضد إيران، التي قالت إنها تهرب النفط من خلال اللجوء إلي إجراءات سرية مشابهة لتلك التي استخدمتها خلال جولة العقوبات الماضية. ومنذ فرض العقوبات في المرة الماضية، صار تتبع السفن أكثر تعقيدا وتوافرا. كما أن واشنطن شنت حملة علي المزيد من الشبكات الإيرانية، مما زاد مخاطر التعامل مع إيران، وفقا لما قاله مصرفيون. فيما يؤكد مهدي فارزي أن »الكثير من المتعاملين في النفط قلقون جدًا بشأن الذهاب إلي إيران بسبب ترامب. وحتي الصينيون يحاولون الالتزام بما يريده الأمريكيون». وقال مسؤولون ملاحيون إن تجدد العقوبات الأمريكية كان من شأنه أيضا عدم تمكن إيران من الحصول علي خدمات ترخيص مهمة من شركات أجنبية لضمان استمرار صلاحية سفنها للإبحار. وتُظهر سجلات الشحن أن 16 من الناقلات الإيرانية علي الأقل يزيد عمرها علي 19 عاما وأن ثلاثا من هذه الناقلات في الخدمة منذ عام 1996. وغرقت الناقلة الإيرانية سانتشي قبالة السواحل الصينية في عام 2018 بعد الاصطدام بناقلة أخري، بينما جري تخريد خمس ناقلات من ثمان اشترتهم إيران عبر الشبكة اليونانية في إطار العقوبات السابقة، وهو ما زاد الحاجة لمزيد من الناقلات لتغطية العجز. ووصف بريان هوك، الممثل الأمريكي الخاص لإيران، قطاع الناقلات الإيراني بأنه »مسؤولية عائمة». وكانت إيران قد توصلت إلي اتفاق مع القوي الدولية في عام 2015 بشأن برنامجها النووي، وهو ما أدي إلي رفع العقوبات في عام 2016. لكن ترامب انسحب من الاتفاق في مايو من العام الماضي وأعاد فرض قيود أمريكية في نوفمبر 2018. مباحثات مع كوريا الجنوبية مسؤول إيراني ثان قال لرويترز إن مباحثات مع كوريا الجنوبية بشأن إمكانية طلب ما يصل إلي عشر ناقلات عملاقة، تستطيع الواحدة منها حمل ما يصل إلي مليوني برميل من النفط، تأخرت بسبب العقوبات الأمريكية. ولم يتم الإفصاح عن هذه المباحثات من قبل. وأوضح المسؤول »نعمل عليها». ولم يعلق مسؤول من حكومة كوريا الجنوبية علي الأمر. وبعد رفع العقوبات الغربية، بدأت إيران أيضا مباحثات مع دايو الكورية الجنوبية لبناء السفن والهندسة البحرية بشأن تأسيس مشروع مشترك لإنشاء حوض لبناء السفن في إيران. وقال متحدث باسم دايو إن الشركة وقعت اتفاقا مبدئيا مع إيران في ديسمبر 2016 للتعاون بشأن تطوير الحوض. لكنه أشار إلي أنه لم يتحقق تقدم منذ ذلك الحين. وقال مسؤول إيراني ثالث إن المباحثات ما زالت جارية. ووفقا لأحد المصادر في قطاع الشحن، فإن إيران تبحث عن المزيد من السفن في فيتنام. وقال مصدران إنها تبحث أيضا عن وسيط في السوق اليونانية، أحد المراكز الرئيسية لصفقات السفن المستعملة. وردا علي سؤال حول جهود إيران لتوفير ناقلات، قال مصدر إيراني ثالث إنهم يبحثون جميع الخيارات. ولم يرد مسؤولون فيتناميون علي طلبات للتعقيب. ولدي إيران أكثر من 50 ناقلة، لكنها بحاجة لها لنقل النفط وتخزين الكميات غير المباعة في مياهها الإقليمية، بالنظر إلي طاقتها التخزينية المحدودة علي الأرض. وتظهر بيانات تستند إلي أنظمة تحديد الهوية التلقائي، التي تستخدمها منصة مارين ترافيك للمعلومات لتتبع السفن، أن 12 ناقلة إيرانية، أو ما يعادل أكثر من خُمس أسطولها، كانت تستخدم كوحدات تخزين عائمة في مارس من العام الجاري.