اليمن.. غارتان أمريكيتان تستهدفان عناصر من القاعدة فى مأرب    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    نجم ليفربول السابق يدعم محمد صلاح في أزمته    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    لدعم الصناعة.. نائب محافظ دمياط تتفقد ورش النجارة ومعارض الأثاث    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    قصور الثقافة تُطلق الملتقى الحادي عشر لمناهضة العنف ضد المرأة بمطروح    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    وزير الخارجية الصيني: دعم ما يُسمى "استقلال تايوان" ينتهك الدستور والقانون الدولي    الأمم المتحدة: عودة أكثر من 3 ملايين لاجئ ونازح سوري إلى ديارهم    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    مانشستر يونايتد يستعيد توازنه برباعية في وولفرهامبتون متذيل الدوري الإنجليزي    تقرير: برشلونة ينافس ليفربول على نجم أتالانتا    فى أجواء مثالية.. مركز المنتخبات الوطنية يستضيف المعسكر الختامي لمنتخب مصر الأول استعدادًا لأمم إفريقيا    اليوم، جنايات الإسكندرية تنظر محاكمة المتهم بالتعدي على التلاميذ بإحدى المدارس الدولية    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    استدرجه للموت.. عامل يواجه الإعدام بعد جريمة الخصوص    طليقته مازلت في عصمته.. تطور جديد في واقعة مقتل الفنان سعيد مختار    خروج عربات قطار روسي عن القضبان بين بشتيل وبولاق الدكرور وتعطّل جزئي بحركة القطارات    جهود فورية لرفع تراكمات المياه وتيسير حركة المرور في القاهرة والجيزة| صور    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    رئيس قطاع المتاحف يعقد اجتماعًا موسعًا لبحث إثراء العرض المتحفي بالمتحف المصري بالقاهرة|صور    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    الدوري الإيطالي | بارما يخطف الفوز.. وجنوى يتألق خارج الديار.. وميلان يحسم قمة تورينو    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    أرملة عمار الشريعي: كان عارف إنه مش هيعيش كتير واهتم بحال البلد    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    شمس تكشف أسباب ابتعادها عن الفن وتفاصيل حياتها الشخصية والانفصال عن والد ابنها    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    محافظ القليوبية يناقش الانتهاء من إعداد المخطط التفصيلي لمنطقتي العكرشة الصناعية وأرض جمعية    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية في زمن قياسي    افتتاح فيلم «الست» في الرياض بحضور نخبة من نجوم السينما| صور    رجعت الشتوية.. شاهد فيديوهات الأمطار فى شوارع القاهرة وأجواء الشتاء    54 فيلما و6 مسابقات رسمية.. تعرف على تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان القاهرة للفيلم القصير    تضامن الإسماعيلية يشارك في الاحتفال باليوم العالمي لذوي الإعاقة    تكريم «الأخبار» ضمن أفضل تغطية لافتتاح المتحف الكبير    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    إعلان توصيات المنتدى الخامس لاتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    السيدة زينب مشاركة بمسابقة بورسعيد لحفظ القرآن: سأموت خادمة لكتاب الله    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    مباراة حاسمة اليوم.. عمان تواجه جزر القمر في كأس العرب 2025 مع متابعة مباشرة لكل الأحداث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات علي لسان صحفية إسرائيلية:أسامة الباز اتهمني بالجنون و3 رؤساء تحرير تحالفوا ضدي اعتراضاً علي زيارة إسرائيل
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2019

سمدار پِري فى ضيافة الرئيس الراحل أنور السادات بمنزله فى ميت أبوالكوم
تزامناً مع مرور أربعين عاماً علي توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، عادت الصحفية الإسرائيلية سمدار پِري بذاكرتها إلي حوارها في حينه مع السادات، فكان أول حوار له مع صحفية إسرائيلية بعد زيارته لتل أبيب. تذكرت كيف همس في أذنها وهو يحرك الأرجوحة بقدميه، ويبلغها أن حاشيته اتهمته بالجنون لمجرد أنه مد يده إلي السلام.
في »ميت أبوالكوم»‬، وتزامناً مع حوار الرئيس الراحل أنور السادات للإعلامية همَّت مصطفي، انتظرت بالخارج صحفية إسرائيلية، تطلب دورها في محاورة العائد من إسرائيل منذ أيام. لقَّنها الكاتب الراحل أنيس منصور أدبيات الحوار مع الرئيس، وفطن إلي ارتباكها عند إصرار السادات علي جلوسها إلي جواره علي أرجوحة الحديقة، لكن ارتباكها كان غائباً حينما تسللت قبل ذلك إلي طاقم حراسة رئيس البرلمان في حينه سيد مرعي، وادعت في تقديم نفسها أنها صحفية أجنبية ترغب في محاورة صهر السادات، وبنفس الجرأة طافت شوارع »‬وسط البلد» والأزهر والحسين، وزارت مكتبة »‬مدبولي»، واعتبرتها »‬ترمومتراً» حقيقياً لقياس مدي قبول المصريين للسلام مع إسرائيل. دمجت بين زيارة معبد »‬شعار هشاميم» في شارع عدلي، واقتناص فرصة الاستمتاع برقص فيفي عبده.
اهتمت بجمع انطباعات حاشية الرئيس حين أعلن اعتزامه زيارة إسرائيل، وركزت علي رد فعل الدكتور أسامة الباز، كما أصغت إلي مهارة الرئيس الراحل عند تقييمه لأداء الصحفيين خلال توليه رئاسة تحرير صحيفة »‬الجمهورية»، ووقفت علي دور الفريق حسن التهامي في ترتيب زيارة السادات لإسرائيل، وتنسيق الخطوة مع موشيه ديَّان خلال لقائهما في المغرب.
• عرضت علي حافظ الأسد مرافقتي في الرحلة فاستشاط غضباً واعتزم اغتيالي في سوريا
كوادر الموساد والاستخبارات العسكرية
لم يصدقوا نيتك في الزيارة أو في اتفاق سلام حقيقي
• بيجين فقط كان علي ثقة بأن شيئاً حقيقياً ينضج في القاهرة وكلمة السر »‬التهامي وديان»َّ
لم تتعرَّف الزائرة غير التقليدية علي ملامح رئيس البرلمان سيد مرعي إلا من خلال صوره في الصحف العربية؛ رمقت نزوله من سيارة فارهة، تقف أمام باب خلفي لفندق »‬مينا هاوس» حيث فعاليات مؤتمر السلام. انتهزت فرصتها الحصرية، وابتعدت رويداً رويداً عن مجموعة الصحفيين الإسرائيليين دون انتباه من أحد. وعن ذلك تقول: »‬في منتصف ديسمبر 1977، كانت زيارتنا هي الأولي من نوعها لمصر، أمطرونا بحفاوة الاستقبال والضيافة في الفندق الفاره المطل علي أهرامات الجيزة، لكننا قررنا الهرب إلي أحضان المدينة الكبيرة. كان المصريون يظنون القدرة علي احتجازنا في الفندق خلال الزيارة، فمع الخروج المرتب مسبقاً، زرنا الأهرامات الثلاثة وتمثال أبوالهول. رافقتنا طواقم الحراسة في الصباح، وتوقفت أنفاسنا عند تسلق أحجار الأهرام الضخمة، وكررنا زيارة أبوالهول، وتنسمنا عبير القمم المرتفعة. كل شيء كان جديداً وواعداً حتي اعتدناه».
لم يخطر علي بال صهر الرئيس السادات سيد مرعي »‬ابنه زوج ابنة السادات الكبري نهي» أن الصحفية التي تقف أمامه إسرائيلية. اقتربت منه خطوة بعد الأخري، وبحذر شديد، أبلغت طاقم حراسته بلغة إنجليزية أنها صحفية أجنبية، وترغب في محاورة رئيس البرلمان. فتح الحراس أمامها الطريق حتي وقفت أمامه، لكنها قدمت نفسها بهويتها الحقيقية، فعلت شفتيه ابتسامة عريضة، وقال: »‬تعالي نتحدث سوياً بعد أن ألقي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر»، وأشار إلي مقعدين في زاوية القاعة.
بعد عودته، كشف هامساً في أذنها وللمرة الأولي عن لقاء الفريق حسن التهامي مستشار الرئيس السادات مع موشيه ديَّان وزير الخارجية في حينه بالمغرب، مشيراً إلي أنه لولا هذا اللقاء لما زار السادات إسرائيل، ولما تجول الإسرائيليون بحرية في شوارع القاهرة كما يجري حالياً. تحدثت سمدار پِري مع مرعي حول مدي تعويل السادات علي الزيارات الهادفة إلي تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل، وكشف مرعي عن أن السادات سافر إلي سوريا عشية زيارته لإسرائيل، وكاد يدفع حياته ثمناً لذلك. وأضاف: »‬طلب السادات من حافظ الأسد مرافقته في زيارتكم، لكن الرئيس السوري استشاط غضباً، وأعد لاغتيال الرئيس المصري علي الأراضي السورية، إلا أن سلطنة عمان أعلنت من جانبها حينئذ تأييدها لخطوة السادات».
عيد ميلاد الريِّس
أبدت الصحفية الإسرائيلية رغبتها في إجراء حوار مع السادات، ففاجأها مرعي: »‬فكرة جيدة جداً»، وأعطاها رقم هاتفه، وطلب منها الاتصال به في غضون عشرة أيام. بالعودة للوراء، كما تقول بري، كان من المستحيل ترتيب لقاء مع السادات علي أي صعيد، لكن الصحفية الإسرائيلية وصلت في الموعد المحدد، الذي تصادف مع احتفال الرئيس الراحل بعيد ميلاده الستين. كان يحتفل به كعادته في مسقط رأسه بقرية ميت أبوالكوم في محافظة المنوفية.
دخلت بِري إلي منزل متواضع، تحيطة حديقة واسعة، ورافقها أنيس منصور، الذي كان في حينه رئيساً لتحرير مجلة »‬أكتوبر»، فضلاً عن كونه مقرباً من السادات وكاتم أسراره. كان الرئيس منشغلاً بحديث للتلفزيون المصري مع الإعلامية همت مصطفي، وأشار شخص ما للصحفية والكاتب بالانتظار ريثما ينتهي السادات من حديثه؛ وفيما قدم لهما كوبان من عصير المانجو، همس منصور في أذن برِّي ناصحاً: »‬تخلي عن عاداتكم في التحاور مع قادتكم، ولا تتجرئي في توجيه أسئلة بحماقة للرئيس».
نظراً لأن حوار السادات هو الأول من نوعه مع وسيلة إعلام إسرائيلية، كانت كل كلمة فيه جديدة، كما استهدفت كل عبارة إثارة وهج القارئ. حينما أشار مساعدو الرئيس للصحفية الإسرائيلية بالاقتراب، كان جهاز التسجيل في وضع الاستعداد، لكن السادات أسقطها في شراك فخ معقد وغير متوقع. كان يجلس علي أرجوحة، ودعاها إلي الجلوس علي يمينه في الأرجوحة ذاتها؛ وفي لحظة معينة وعندما تحدث الرئيس بحماسة عن مبادرة السلام، وعن المميزات التي تنطوي عليها العملية السلمية، تمكنت سمدار من ملاحظة جلوس أنيس منصور علي مقعد مريح، مواصلاً الضحك بلا سبب. لم يساورها شك في إدراكه لانزعاجها من صعود وهبوط الأرجوحة، لدرجة محاولتها التظاهر بالإغماء، أو حتي إلقاء نفسها علي الأرض، لكن جهاز التسجيل الذي تذرعت بالانتقال من جلستها للحصول عليه أنقذ الموقف.
رئيس تحرير الجمهورية
اختار السادات أن يبدأ حواره مع الصحفية الإسرائيلية من قصص قديمة في سيرته الذاتية، حينما كان صحفياً لامعاً، ووصل إلي منصب رئيس تحرير صحيفة »‬الجمهورية»، التي تعد واحدة من أهم ثلاث صحف يومية رسمية في مصر. وقال: »‬لم أنتش من الفرحة حينما أصبحت رئيساً للتحرير، فما كان يشغلني هو إصدار صحيفة حقيقية، تنشر قصصاً خاصة وأخباراً حصرية. لكنني اكتشفت أن الصحفيين كانوا كسالي، وآثروا نشر الأخبار التي يتلقونها مكتوبة، ولم يحاولوا البحث عن أخبار مهمة في حقيقة الأمر».
من هنا انتقل السادات إلي الحديث عن كيفية استقبال مبادرته للسلام في البرلمان المصري؛ لكن الصحفية لم تتمالك نفسها وكشفت عن أن المبادرة ذاتها لم تحظ بقبول ولم تُستوعَب في اللحظات الأولي من الحديث عنها في وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضاً، لكن السادات مضي يقول: »‬ألقيت خطاباً احتفالياً من منصة البرلمان في القاهرة؛ وأتذكر أن ياسر عرفات كان يجلس في صف المقاعد الأمامية. كشفتُ عن خطتي لزيارة القدس، لكن أعضاء البرلمان، وعرفات، ورؤساء تحرير الصحف صفقوا لي دون فهم، ودون ثقة في أنني أعتزم حقيقة القيام بخطوة تاريخية، أزور خلالها إسرائيل للمرة الأولي». ووفقاً للصحفية الإسرائيلية، صرخ مستشار السادات الخاص الدكتور أسامة الباز في أعقاب الخطاب وقال: »‬ الرئيس أصيب بالجنون»، واقترح إبعاده في بيئة منعزلة يقضي فيها بعض الأيام تحت رعاية طبية.
هنا، لفتت الصحفية الإسرائيلية انتباه السادات إلي أن ذلك هو ما جري في إسرائيل أيضاً، مشيرة إلي أنهم لم يصدقوا الكلمات المباغتة التي رددها السادات، وكانوا علي ثقة بأنه قذف بتصريحاته لإثبات نواياه حيال السلام، وغض الطرف عن المشاكل الكبري التي تمر بها مصر.
موسي صبري والحظر
في جملة اعتراضية، قالت سمدار پِري إن موسي صبري رئيس التحرير الأسبق لصحيفة »‬الأخبار» حكي لها أنه جلس في شرفة الشخصيات العامة في البرلمان، وسمع السادات وهو يتحدث عن زيارة إسرائيل، فقرر بالتنسيق مع رئيسي تحرير »‬الأهرام» و»‬الجمهورية» في حينه حظر نشر الفقرة التي تتحدث عن خطة زيارة إسرائيل.
وعن ذلك قال السادات للصحفية الإسرائيلية: »‬بالفعل، لم ينشروا كلمة واحدة من حديثي عن الزيارة»، فردَّت عليه بِري: »‬كذلك الحال لدينا في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فلم نولِ اهتماماً خاصاً لبيانك، ولم نتوقع أننا أمام تحول تاريخي منقطع النظير، ولم ننشر». تساءل السادات بسخرية: »‬إذاً، ما الذي تستحقونه كصحفيين؟»، وأتبع يقول: »‬في صحف الغد، وعندما لاحظت أنه لا توجد كلمة واحدة في وسائل الإعلام المصرية حول اعتزامي زيارة إسرائيل، أجريت اتصالات هاتفية برؤساء التحرير »‬المحترمين»، الذين استمعوا إلي خطابي في البرلمان، وسخرت منهم حد القسوة».
وقفزت الصحفية الإسرائيلية في تقريرها المنشور بصحيفة »‬يديعوت أحرونوت» العبرية إلي ما قبل زيارة السادات لإسرائيل بثلاثة أيام في نوفمبر 1977، مشيرة إلي أنها تلقت استدعاء لحضور اجتماع سري وعاجل في معهد أبحاث »‬ڤان لير» بالقدس. وأضافت: »‬مدير المعهد، آلوف هيربان، طابت ذكراه، دعاني وشخصيات بارزة في الموساد والاستخبارات العسكرية، وعدد آخر من الأكاديميين المتخصصين في الشأن المصري، للتباحث بشكل مطوَّل حول المُحرِّك والسبب الحقيقي وراء قرار السادات التخلي عن الحضن الروسي لصالح الأمريكيين، والإعلان المفاجئ عن نيته زيارة إسرائيل قريباً».
لم يصدق أحد الحضور، ولم يضع تقديرات أو حتي يتنبأ بإمكانية أن تسفر الزيارة عن اتفاق سلام حقيقي؛ وأسرع المستشرقون في الإشارة إلي »‬انتفاضة الخبز»، التي اندلعت في مصر خلال العام ذاته، حينما ناور النظام لتقليص نسبة دعم رغيف الخبز من أجل توفير النفقات. بينما تحدثت كوادر الجيش عن »‬المناورة» التي أجراها السادات مع الروس، وأضافت الكوادر ذاتها: »‬دققنا في دراسة الموقف جيداً وغير ذي مرة، كما أن دوائر الإدارة الأمريكية ذاتها لا تعتقد في جدية السادات، كما يعد، في التوصل إلي اتفاقات سلام مع إسرائيل».
سرية لقاءات المغرب
ووفقاً لتقرير الصحفية الإسرائيلية، حافظت القاهرة وتل أبيب علي سرية اللقاءات التي جرت في المغرب بين حسن التهامي وموشيه ديَّان، ولم يكن غير مناحم بيجين في إسرائيل علي ثقة بأن شيئاً ما حقيقياً ينضج قبالة القاهرة؛ وبينما أصدر تعليماته لرجاله بمواصلة الحفاظ وبإصرار علي سرية لقاءات المغرب، خرج لاستقبال السادات في القدس.
وعادت سمدار پِري إلي حوارها مع السادات، الذي قال فيه بعد عودته من إسرائيل: »‬لك أن تتخيلي أن كل رجالي كانوا يرفضون في الحقيقة مرافقتي في الزيارة». وأشارت إلي أن الرئيس المصري حرص علي بقاء نائبه حسني مبارك للحفاظ علي الأمن الداخلي في البلاد، وفي طريق العودة من إسرائيل غيَّر اتجاه طائرته للهبوط في مطار الإسكندرية بدلاً من القاهرة، مثلما أعد لذلك مسبقاً، وحينما وصل إلي العاصمة اكتشف أجواء مغايرة. وعن ذلك يقول: »‬استقبلوني بحشود شعبية كبيرة مرتين، فكما حدث لديكم في إسرائيل، استقبلوني في القاهرة بتظاهرات ابتهاج حاشدة».
المحادثات الأولي في »‬مينا هاوس» استهدفت في المقام الأول، بحسب سمدار پِري، عقد لقاءات بين الوفد الإسرائيلي ونظيره المصري، إذ تبادل الطرفان الهدايا، وذهبا سوياً إلي أحد الملاهي الليلية، التي شاهد فيها الإسرائيليون وللمرة الأولي الراقصة فيفي عبده، وهي من نفس قرية السادات الأم »‬ميت أبوالكوم». تناول الجانبان الطعام سوياً، وأكثرا من الجلوس حول الطاولات الخشبية الواسعة، وأجروا محادثات ثنائية عديدة، إلا أنه لم يكن سهلاً استقلال سيارة أجرة »‬تاكسي» للتجول في القاهرة.
ال »‬روليت» في الهيلتون
إلي جانب حوارها مع السادات، عادت سمدار پِري إلي رحلتها والوفد المرافق لها في القاهرة، مشيرة إلي ما وصفته ب»‬المداهمة المنظمة» لسوق خان الخليلي، وعنها تقول: »‬سوق متعددة الألوان، مفعمة بالحركة والحيوية، وتنتشر في محالها التجارية تماثيل الشخصيات الأسطورية، تلك التي تتواجد أصولها في وادي الملوك بالأقصر، بالإضافة إلي مصنوعات يدوية صغيرة، وتماثيل صغيرة لأبي الهول والأهرامات، ومحال لبيع تركيبات العطور الخام. خلف السوق. جامع الأزهر كان هو المكان الذي زرناه لأول مرة. في الليل، توجهت مجموعة كبيرة من الصحفيين الإسرائيليين دفعة واحدة إلي فندق هيلتون بإحدي ضواحي القاهرة. وهناك ذاب الاهتمام والحديث عن السلام لصالح لعب القمار في الكازينو الملحق بالفندق، وفيما انشغل البعض بلعب ال»‬روليت»، انكفأ فريق آخر علي تغيير الدولارات، أو الحصول علي عملة القمار».
أما الهدايا التذكارية المميزة في سوق خان الخليلي، فكانت عبارة عن قلادة ذهبية للملكة نفرتيتي، التي تباع بعشرات الأحجام وبأسعار متفاوتة وفقاً لمهارة التفاوض »‬المساومة»، بالإضافة إلي سجاجيد حائط صغيرة، فضلاً عن ثلاثة عصافير صناعة يدوية، لا زالت تحتفظ بها الصحفية الإسرائيلية في صالون منزلها حتي اليوم. وتشير إلي أنها حينما عادت من الرحلة، اختطف أصدقاؤها جميع الهدايا التذكارية، حتي إن الكتب التي حصلوا عليها بغرض الاستعارة لم يردوها.
لم يكن في الحسبان تعرض حوارها الأول مع السادات لمفاجأة مذهلة، فمن فرط انبهارها خلال إجراء الحوار لم تنتبه - كما تقول - إلي أن أحد موظفي قصر الرئاسة وضع إلي جانب جهاز تسجيلها جهاز تسجيل آخر، وانتقل من خلاله الحوار وجري نشره في صحيفة مصرية حتي قبل عودتها إلي إسرائيل، فتدفقت ردود الأفعال الاحتفالية في إسرائيل، واستقبل الاسرائيليون كلمات الرئيس المصري بأذرع مفتوحة، وهو ما أعطي زخماً إضافياً لمبادرة السلام.
تصفية الحسابات
في مصر وفي مقابل ذلك، انكشفت صورة أكثر تعقيداً، بحسب سمدار پِري، فالجماهير التي خرجت إلي الشوارع حال عودة الرئيس من إسرائيل، تهافتت علي شراء الإصدارات الصحفية، وباركت اتفاق السلام، لاسيما أنهم كانوا يتوقعون أن يسفر اتفاق السلام عن تعاون اقتصادي. وعلي العكس من هذا المشهد، لم ترض شريحة كبيرة من الصحفيين الكبار والأكاديميين عما قام به السادات، وادعوا أن الرئيس المصري لم يتعرض بكلمة واحدة مع الإسرائيليين للقضية الفلسطينية. ولم تتنازل الطبقة المثقفة عن موقفها، فواصلوا الهجوم علي »‬الريِّس» ومبادرة السلام لشهور طويلة، إلا أنه بعد عامين جرت عملية تصفية الحسابات، حينما أدخلهم السادات السجن بتهمة »‬الاستهزاء بالقرارات والتدخل في شئون إدارة الدولة». ولم يغادر هؤلاء ظلمات السجون إلا بعد اغتيال السادات خلال مراسم عرض عسكري في ذكري حرب أكتوبر، فقام نائبه حسني مبارك الذي خلفه في حكم البلاد بإطلاق سراحهم من السجن فوراً. لكن كراهيتهم للسلام ما برحت مكانها.
وتقول الصحفية الإسرائيلية إنه حتي اليوم، وبعد مرور 40 عاماً، لم يكن أحد يصدق؟!، وأضافت: »‬أتذكر جيداً تلك الساعة التي قادني فيها أنيس منصور إلي حمَّام السباحة في الفندق، وطلب مني النظر بعمق إلي المياه الصافية، وقال لي إن السادات يعتزم بجدية وقريباً تحقيق السلام».
لقاء في مكتبة مدبولي
وتشير سمدار پِري إلي أنها ورفاقها شعروا ببالغ الارتياح عند زيارتهم الأولي للقاهرة، وقرروا التجول ليوم كامل في ضواحي المدينة، بدأوها بزيارة المتحف المصري، ثم زيارة المعبد الكبير بشارع عدلي، وأخذوا قسطاً من الراحة في مقهي »‬جروپي». وأضافت: »‬في هذا المكان بالضبط التقي أبي وأمي العزيزان، حينما كانا يعملان لدي الجيش البريطاني، وحكيت ذلك لرفيقنا في الرحلة الشاعر حاييم جوري وزميلي إيتان هابر، وتزودنا من هناك بصناديق مربعات الشيكولاتة محلية الصنع، وحملت تلك الصناديق كهدية خاصة لوالدي ووالدتي المقيمين في حيفا».
من »‬جروپي» وعلي بعد خطوات دلف الوفد الإسرائيلي إلي مكتبة »‬مدبولي» القديمة في »‬وسط البلد»، وعن تلك الزيارة تقول سمدار پِري: »‬لن أنسي أبداً كيف أن مدير وصاحب المكتبة أيمن مدبولي استقبلني بابتسامة، لكنها كانت ابتسامة فاترة وخبيثة. طلب رفقتي إلي أرفف الكتب التي تتحدث عن إسرائيل؛ وهنا أطلعني علي المجموعة، فكانت مؤلفات »‬بروتوكولات حكماء صهيون»، وكتاب رسوم كاريكاتورية عن شخصية »‬اليهودي الجشع»، بالإضافة إلي كتب عن السيرة الذاتية لشخصيات إسرائيلية، جري ترجمتها إلي العربية بمقدمات مجحفة، وكتاب آخر لا أتذكر اسمه، لكنني أتذكر غلافه جيداً، وهو عبارة عن رسم لصورة يهودي ملقي علي الأرض وغارق في دمه، وحوله مجموعة من الرجال، ترتدي جلابيب ويهددون حياته».
وخلصت الصحفية الإسرائيلية إلي أن مدير المكتبة قال لها: »‬القصة الجديدة التي تدور فصولها بيننا حالياً »‬السلام» ليست بسيطة، فالشعب المصري لا يحبكم، كما أن السادات وبيجين يمكنهما التوقيع علي اتفاقات من هنا وحتي إشعار آخر، لكن شعبي لن يسير خلفهما، وسترين أن العلاقات ستظل دائماً باردة ومتباعدة جداً».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.