انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي في المنيا يُخلف 4 قتلى و9 مصابين    التصريح بدفن جثة ربة منزل لقيت مصرعها في حريق بمول شهير بشبرا الخيمة    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    شيخ الأزهر يعزي المستشار عدلي منصور في وفاة شقيقه    6 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف عناصر تأمين المساعدات في دير البلح    صبحي يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة ويؤكد: الشباب محور رؤيتنا للتنمية    تكريم سكرتير عام محافظة قنا تقديراً لمسيرته المهنية بعد بلوغه سن التقاعد    ابتزاز لعرقلة تقدم الجيش، أول رد من السودان على العقوبات الأمريكية بعد مزاعم الأسلحة الكيماوية    سقوط مروجي المواد المخدرة في قبضة مباحث الخانكة    كنيسة بالسويس تساهم في مشروع صكوك الأضاحي (صور)    لاعب الأهلي السابق: «الأحمر هيعاني من غير إمام عاشور»    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    "مياه الفيوم" تنفي شائعة تسرّب الصرف الصحي.. وتؤكد: مياه الشرب آمنة 100%"    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن بداية تعاملات الجمعة 23 مايو 2025    هزة أرضية جديدة تضرب جزيرة «كريت» اليونانية (بؤرة الزلازل)    أرقام رافينيا مع برشلونة بعد تمديد عقده حتى 2028    روسيا.. توقف الرحلات الجوية في مطاري فنوكوفو وجوكوفسكي بسبب تفعيل الدفاعات الجوية    أخبار × 24 ساعة.. حوافز استثمارية غير مسبوقة لتعزيز مناخ الأعمال فى مصر    وكيله: لامين يامال سيجدد عقده مع برشلونة    جامعة دمنهور تشارك فى فعاليات إطلاق برنامج عمل "أفق أوروبا Horizon Europe" لعام 2025    خروجه مجانية.. استمتاع أهالى الدقهلية بالويك إند على الممشى السياحى.. صور وفيديو    الضرائب تنفي الشائعات: لا نية لرفع أو فرض ضرائب جديدة.. وسياستنا ثابتة ل5 سنوات    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    ضبط طن دهون حيوانية ولحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي ببشتيل بالجيزة.. صور    مصرع 4 أشخاص وإصابة آخر في تصادم سيارتي نقل على طريق إدفو مرسى علم    «الطقس× أسبوع».. درجات الحرارة «رايحة جاية» والأرصاد تحذر من الظواهر الجوية المتوقعة بالمحافظات    مصرع 4 أشخاص وإصابة خامس فى حادث تصادم بطريق مرسى علم شرق أسوان    دينا فؤاد: شغفي بالفن أهم من الحب.. والابتعاد عن التمثيل موت بطيء    دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني    دينا فؤاد: صحابي كانوا كتار ووقعوا مني في الأزمات.. بالمواقف مش عدد السنين    بعد الإفراج عن عمر زهران .. هالة صدقي توجه رسالة ل مرتضى منصور    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    فلسطين.. 4 شهداء وعشرات المفقودين إثر قصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 23 مايو 2025    تعليم القاهرة يحصد المراكز الأولى في العروض الرياضية على مستوى الجمهورية    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة قبل الأخيرة لدوري المحترفين    كرة يد - موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي كأس الكؤوس الإفريقية    الكشف عن موقف تشابي ألونسو من رحيل مودريتش عن ريال مدريد    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    صراع ناري بين أبوقير للأسمدة وكهرباء الإسماعيلية على آخر بطاقات الصعود للممتاز    وزير الشباب ومحافظ الدقهلية يفتتحان المرحلة الأولى من نادي المنصورة الجديد بجمصة    تعليم القاهرة يحصد المركز الأول على مستوى الجمهورية بمسابقة الخطابة والإلقاء الشعري    Spotify تحتفل بإطلاق أحدث ألبومات مروان موسى في مباراة "برشلونة"    تنفيذًا لحكم القضاء.. محمد رمضان يسدد 36 مليون جنيه (تفاصيل)    الشعبة: أقل سيارة كهربائية حاليًا بمليون جنيه (فيديو)    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم تغيير النسك لمن نوى التمتع ثم تعذر؟ المفتي السابق يجيب    قباء.. أول مسجد بني في الإسلام    «المفرومة أم القطع».. وهل الفرم يقلل من قيمة الغذائية للحمة ؟    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    «لقرمشة مثالية وزيوت أقل».. أيهما الأفضل لقلي الطعام الدقيق أم البقسماط؟    مسلسل حرب الجبالي الحلقة 7، نجاح عملية نقل الكلى من أحمد رزق ل ياسين    تشميع مركز للأشعة غير مرخص بطهطا بسوهاج    «المصريين»: مشروع تعديل قانون الانتخابات يراعى العدالة فى التمثيل    هل التدخين حرام شرعًا ؟| أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأبواب:اندفاعات تشكلها الحاجات الإنسانية!
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2019

»الأبواب»‬ مجموعة قصصية للقاص والروائي سمير الفيل، قصص تعد بمثابة عقود ضمنية بين الكاتب ومجتمعه، تفتح الأبواب علي خليط من مشاعر الغضب والحب والخوف والطفولة والحنين إلي الماضي والوهم، حالات وتجارب من اللحظات المنفعلة بالحياة والموت، اندفاعات تشكلها الحاجات الإنسانية والجسدية لا يعنيها المنطق والعقل والإرادة الواعية، تتخللها منامات ورؤي تزخر بالرمز، تطفو علي سطح الوعي في يقظة المثقف المرتاب بمكانه من العالم والحياة، تتصارع فيها الأشباح الفكرية والهواجس الفلسفية الكامنة في القاع، في بنية سردية من خمسة أجزاء، تفاوتت في حجمها وموضوعاتها، تحت عناوين: أبواب، منامات، اندفاعات، تحت المظلات، مظاليم،جرعة مكثفة من الواقعية فالرمزية فالواقعية الممتزجة بالرمزية.
مارس سمير الفيل في هذه المجموعة الالتقاط الحر لحالات إنسانية في لحظات قد لا تكون في معظمها فارقة أو محورية، ليس أكثر من العادي، أما المغاير فيكمن في انتباهه لها، والوعي بها بلغة قريبة ورصينة، ذات حس إنساني وفلسفي، بعيدا عن القضايا الكبري أو الخطاب المتعالي، بل هي في معظمها اقتناصات علي هامش الحياة.
ولا تملك مع الغوص أكثر في قصص المجموعة إلا الخضوع للألفة المنبعثة من كل العناصر السردية، تظهر مدي الهشاشة الإنسانية التي تختبئ تحت السطح، فالكاتب همه العلاقات والوعي بها، الوعي بالحياة والتجربة العفوية، يرصد السمات الحقيقية للمجتمع عبر شخوصه التي تبدو حقيقية لفرط محاكاة الحياة والناس، مجتمع لا يتحدد بما اتفق عليه بقدر ما يتحدد بمتناقضاته وهفواته، في تشكيلات اجتماعية وسياسية وثقافية، حالات إنسانية بكل سماتها الرائعة والتافهة، وفي تفاهتها تبدو فرديتها المتوهجة.
عند تتبع بعض الثيمات والعناصر السردية الفاعلة، وكذلك بعض السمات الأسلوبية المشكلة للبنية العامة للخطاب والسرد، - وإن كان الخطاب هنا ليس أكثر من تصوير الحياة ومحاكاتها في تفصيلاتها الصغيرة والعفوية المتشبعة بوعي الكاتب وتجربته الذاتية، تراوحت القصص بين علاقة الذات بالعالم، والذات بالآخر، والوعي بالذات. ومع تغيير طبيعة السرد من الواقعية إلي الرمزية ومن الشخصيات المتنوعة والأصوات المتغيرة إلي الصوت الواحد والشخصية الواحدة والاتجاه إلي الذاتية حتي مع تغير الراوي، جعلت من المتلقي في حالة انتباه وترقب لطبيعة تحولات السرد العصية علي الثبات، أو النمط الواحد الذي يغلب علي قصص كل جزء، فتقاوم الملل الذي قد يرمي بظلاله علي المجموعات القصصية بطريقيتن، الأول هو العدد الكبير الذي يتحدد في فضاء نصي صغير، والانتقالات السريعة بين واحدة وأخري- وإن كنت شخصيا أفضل القصص كبيرة الحجم- والثانية التنوع الكبير في الشخصيات، وتناول اللحظة بكثافة شديدة بلا استسلام للزمن وغوايته، والاشتباك بالواقع والرمزية بلا إغراق.
الفضاءات المتنوعة من قلب المدينة إلي أطرافها، من الطبيعة البكر إلي الشوارع بكل التفاصيل الصغيرة والبسيطة، وكذلك تقاطبية الأماكن فوق الأرض وفي سرداب، في البحر وفي الصحراء، في المطارات والبيوت، ونلحظ أن تأثير البيئة الساحلية وخصوصية المكان علي كتابة الفيل تبدو جلية وظاهرة، تبرز في استخدام اللغة ومسميات الأشياء ووصف المكان، فنجد كلمات مثل العازق، ورشة الموبيليا، البحر والمركب والسرحة والصيادين والنورس والترسة والبمبوزيا، ثم الانتقال في الجزء الثاني إلي أرض غريبة وطبيعة علي النقيض، إلي الصحراء ومياه الخليج، فتحدث نقلة نوعية في السرد واللغة، الضب، السواك، الخيمة، الشيوخ واللحي، التناقضية ليست في طبيعة المكان بقدر ما تكمن في الشعور به، فالمكان في الجزء الأول فيه انطباع الانفتاح علي العالم والحياة، أما في جزء »‬منامات الدمام» فالمكان خانق رغم رحابته، كئيب رغم الطبيعة الجميلة،»‬فنلاحظ علي بعض الأماكن غلبة طابع الحصار المعنوي أساسا الذي ينبع من داخل الشخصيات، بفعل الإحساس الدائم بالمراقبة الأمنية السياسية.
»‬أنام في بيتي بلا سقف وأشغل نفسي بوميض النجوم، وبمرور الشهب في الفضاء البعيد، إحساس ممتع أن الكون كبير، ولا حواجز تقف بين الدعاء وبين الرب في علوه وسموه. الأبواب هي الأخري لا أستملحها» هذه الفضاءات المختلفة والمتنوعة استلزمت تعددية الشخوص والأحداث، فقامت القصص غالبا علي أكتاف شخصية واحدة في فضاء صغير، وفي هذه الحالة يكون الأمر ذاتيا يخص الشخصية وحدها كالغضب أو الخوف أو التيه، ولا تزيد عن شخصيتين فاعلتين وفي الغالب رجل وامرأة في الأمور العاطفية والزوجية، أما إذا تعددت أكثر من ذلك فغالبا ما يعالج قضية اجتماعية أو فكرية، التشابه بين الشخصيات كان في الطبيعة المصرية الخالصة والخط الشعبي العام والوعي بها، فالحس الشعبي يغلب علي الشخصيات والمكان واللغة، مما يجعل إقامة علاقة ورابط مع الشخصيات أمرا حتميا».
الرمز الذي كان له حضور كبير ودلالات وتأويلات قد تتنوع وقد تحيل إلي علامتها بشكل واضح، تفتح بابا تأمليا وفلسفيا يلزم القارئ بالمشاركة في إنتاج النص، وفي نفس الوقت تعد نافذة علي اهتمامات الكاتب وهمومه وانعكاسات نفسه، تنوعت هذه الرموز والإشارات الخفية بين سياسية وأيديولوجية واجتماعية، فهناك الفئران والقرش والنسر والضب والورود والبحر والصحراء والمطار والكتب والمظلة وغيرها،»‬سمكة قرش عملاقة تضع رأسها المدبب علي الوسادة التيل، تفتح وتغلق فمها المخيف، ثم تحملق في بعينين معكرتين. كانت أقل حركة كفيلة بموت محقق لذا راح عقلي يلقي في رأسي كالبيضة الفاسدة. قلت أنه الولد عبده حندق ابن مدينتي الذي يسكن القطيف، ويعمل في دكان الخط العربي، ربما اصطادها وجاء بها لكي تلتهمني».
لم ينس الكاتب عشقه القديم، الجنود والعساكر والحرب، وإن كانت في قصص قليلة، لكنها دالة علي انتماء الكاتب لذلك الجيل الذي عاش وعاصر الحرب، وكتب عنها بكل مفارقاتها الإنسانية والفكرية،»‬للقادة أن يضعوا النياشين علي صدورهم، لهم أن يتصدروا المجالس.. أما هو فقد طوحت الشظية جسده وطاله العطب، أحس بالرمال تتشرب دمه الساخن، اندفع بروحه يلملم رؤي متناثرة متضاربة».
»‬السقف يحمي البشر من العيون البصاصة، يمنع حر الصيف وبرد الشتاء، لا يمكن أن يكون هناك بناء للعيش فيه بلا سقف، في القري كانوا يصنعون السقف من عروق الشجر، وفي الصحراء تكون الجلود هي الجدران والسقف وفي سيبيريا فرو الثعالب القطبية ».
التقديم أو التمهيد بشروحات أو توضيح- قبل أن يتخذ السارد موقعه ليبدأ في التعبير عن ذات واضحة لها تجربتها الخاصة- تعد من السمات الأسلوبية للكاتب، يبدأ ببعض ما يتعلق بالقصة من أفكار مجردة، وفي أحيان أخري تستهوي الكاتب تاريخية الأشياء وعلاقتها بالناس كبداية، يبدو ذلك واضحا في بعض القصص ك »‬سقف»
و »‬قبقاب» و »‬في الحفرة» ، و »‬أبيض يا ورد» وغيرها، حتي أن قصة ك »‬قبقاب» فكان التقديم عن القبقاب في الحياة الشعبية وتطوراتها عبر السارد الذاتي لصفحة أو أكثر، منتهيا إلي الحكاية، فيكون التمهيد مدخلا لسرد قصة سيكون القبقاب عنصرا أو أداة أو يشكل مفارقة فيها.
»‬ذعرت سونة لأنها اكتشفت ضياع قرطها الذهبي، عيار 21. فردتان علي شكل زهرة لوتس وفي المنتصف تماما حبتان من الياقوت. إنه الشيء الوحيد الذي له ثمن عندها، فكل أشيائها رخيصة»، يبدأ الكاتب من الوسط، وسط حدث ما لذات ما، وسط زحام من الأشياء والانفعالات والأفكار، يكمن في عاديتها فرديتها، ينطلق من الوسط ليحيط بكل التفاصيل التي تمنح للحالة نبضا وحياة. تفاصيل الشخصية البسيطة واللصيقة، انفعالات وأفكار ليست فردية أو استثنائية بل تنسحب علي الكثيرين، مجرد حادثة ضياع قرط، حادثة بسيطة تقع كل يوم في أماكن وأزمنة مختلفة، في تناولها يتشكل المجتمع الصغير للشخصية، طريقة التفكير وتوجهاتها الساذجة والشعبية، أحداث أخري مثل التفاؤل والتشاؤم.
»‬تحسست بيدي الصبارات القليلة التي كستها الأتربة فوق قبر عائلتي، المكان الذي أزوره كلما ألم بي ضيق حيث أذهب كي أخفف من غلواء نفسي، ولأؤكد لذاتي أن الحياة لا تحتمل كل التعب والمعاناة التي أعيشها». ثنائية الموت/الحياة، عالمان يتداخلان باستمرار في ذهن الكاتب، ومع أن شخصياته تعيش الحياة بكل مفرداتها وتعقيداتها ببساطة، لكن في نفس الوقت يطل عليه شبح الموت باستمرار في مهابة وترقب، فتتراوح النصوص بين حياة تستحق العيش حتي في أسوأ لحظاتها، وموت رابض لا محالة سينقض لأسباب مختلفة، أسباب غالبا تتعلق بوعيه بالزمن وثقافته التي جعلته مغتربا في الحياة، فيتناول الموت بشكل فلسفي كمرادف للعقاب، النفي، المحو، الإفناء في مواجهة الاختلاف والجهل والتشدد وقسوة العالم.
التفصيلات والاستطراد في تكوينات الصورة المشتبكة مع الفعل والشخصية، هي من أهم السمات الأسلوبية للكاتب، فتصنع رابطا هاما يجمع العناصر السردية في تفاعل تبادلي، يضيف أبعادا حقيقية فيزيد من عفويتها، يبني عالما بكل ملامحه النابضة، فيرسم شخصية تشبه ذاتها، ويتوجه إلي القارئ عبر حواسه كلها، سياقا مكتملا من روائح وأصوات وملمس وألوان وصور، ينسجها الكاتب باحتراف عفوي، منساب بلا جهد.
»‬الملمس الناعم ليدها أصابه في مقتل. لم يكن يقصد ذلك وهي بكل عفوية اندفعت لتبعده عن شقيقها الذي صدمه بالدراجة». يتوقف الكاتب كثيرا عند البدايات في قصص الحب والعلاقات العاطفية أو الجسدية، تلك الشرارة التي يبدأ منها كل شيء، البحث الدائم عن الحب وفتاة الأحلام ، وترصد ذلك في أبسط المواقف، وإن كان كثير من قصص الحب تنتهي نهاية قاسية.
وعي الكاتب بالرجل أنه يتلمس الحب والعاطفة بشكل مستمر، يترقب، يتحين اكتماله في صورة امرأة، في حين أن المرأة في قصص الفيل تتلمس ما هو أبعد وأكثر تعقيدا من ذلك، حتي أن الوهم وأحلام اليقظة وتيه الأفكار يقترن بكثير من الشخصيات الرجال، والوهم أو الحلم غالبا ما يدور حول فتاة جميلة، الوهم الممتع لمواصلة القدرة علي الحياة وتحمل الواقع القاسي والتفاؤل بالمستقبل.
»‬حين كانت تميل علي حوض الريحان أحست بيدين قويتين تحيط بخصرها من الخلف وتهوي بها إلي الأرض المعشوشبة، خافت الفضيحة فلم تصرخ وخشيت أن تفوت فرصة أن تعرف ملمس نوع آخر من الرجال فاستسلمت بقدر معلوم».الغواية والضعف أمام المغريات والحاجات الجسدية والعاطفية تكرر حضورها بشكل لافت، كثيرا ما يكون الرجل والمرأة في وضع اختيار حر للخطأ والفتنة، الانجذاب المتبادل والبحث الدؤوب لاقتناص اللحظات الممتعة والعابرة، بلا تخطيط ولا ترتيب، في قصص »‬المصيدة»، و »‬خيانة صغري» ، و »‬احترام»، و »‬حرارة»، و »‬قطعة كرملة» و »‬قريبا من المزلقان»، و »‬نوم »، و »‬المحبس ».
»‬قالت لأمها إنها لن تعود أبدا قالت إنه ينام بجواربه التي لا تطاق رائحتها، قالت إنه بخيل، ويشتري نصف كيلو من الطماطم وفلفلتين وحبة قلقاس واحدة، قالت إنه حين يصحو يظل يدعك عماصه ساعة وأكثر قبل أن يغسل وجهه بالماء والصابون». تلك المشاهد المعتادة وفي اعتياديتها حميمية كبيرة،المشاكسات والحوار المألوف في كل البيوت وعلاقة الزوج والزوجة في طابع مصري أصيل، المناوشات الدقيقة واللصيقة بكل بيت مصري، الواقع الحي بلا رتوش أو الرغبة في إصدار أحكام، اختزال الكثير من المعاني في عبارات وجيزة ومكثفة، وما وراء المعني من مقدمات ونتائج علاقتها بالحوار طريف ومعقد، له ظاهر وباطن وتناقضات عصية علي الوصف والتفسير.
المرأة عند سمير الفيل من الشخصيات الأساسية القوية ذات الحيلة والكيد والغلبة، أقوي من الرجل وأكثر وعيا ودراية بذاتها وبه، تقف في الشدائد وتواجه الرجال، وتقتص بلا صدام أو حتي به، لا تتهرب من المواجهة بل تتحينها، هي من تجذب الرجل إليها، وهي من تبدأ الإغواء وتحدد طريقته ومداه غالبا، في حين الرجل يناوش من بعيد، يعلم كل منهم حاجته عند الآخر، وإما أن تتفق أو تختلف الغايات، حتي في العلاقات العابرة والجسدية يصورها الكاتب كوضع دال عن ذات تتوق لشيء مفقود، يتوهج فجأة وينطفئ فجأة، ونماذج المرأة التي اهتم بها الكاتب في هذه المجموعة القصصية متعددة وثرية المعالجة. لا تبالي بالآلام أو اتباع الوصفات الشعبية لتنجب وتكيد أخري، والمرأة في مواجهة الضغوط والحرمان علي محك الاختبار، بلا حماية تنتصر لإرادتها سواء بالفعل الصائب أو الخاطئ.
»‬كان مفتاح عنخ بيدي وهو مفتاح الحياة عند أسلافي ما الذي دفع الحاج توفيق لإعطائي إياه وهو أول تميمة قدمها الإله تحوت إله المعرفة للبشر شعرت بأنفاسي متقطعة وصوت جدي يلاحقني: امض لأعلي ولا تخف». العودة إلي التاريخ والجذور وما يفتقده الحاضر، العلم في مواجهة الجهل من الأفكار التي تشكل عبئا علي ذهن الكاتب، ظهر ذلك بشكل أكبر في جزء من »‬منامات الدمام» ، الكاتب كمثقف ظهر بشخصه وذاته في أكثر من قصة، في قصة »‬خليج»، وكذلك في بعض القصص التي تعبر عن تداخل عوالم ماضية وحاضرة، إحساس الغربة والحنين، والخوف من الموت، واحتياج السند لمواجهة الحياة، الالتجاء إلي الماضي، إلي الراحلين من الأب والجد الذي تكرر ثيمة حضورهما- خاصة الجد- اسما وصفة أكثر من مرة، الجد وقناعاته وصلابته في مواجهة الحفيد وثقافته وهشاشته، الاختلاف والمدد الإنساني بين الأجيال، واصلا بينها بالفكر والخيال، استلهام النصح والخوف من السقوط في الخطأ وتصحيح المسار يلح عليه في استدعاءات متكررة.
شخصية المثقف في مجموعة »‬الأبواب»، كانت ذات طابع خاص ومتفرد، وتعبر عن هاجس خاص بالكاتب وبوعيه بحياة المثقف وما تمر به من أرق ومخاوف وتحديات وتمرد. »‬حتي إذا لم تكن سهرة الأمس في الحزب المعارض، وتعبي المضني لم أكن لأقوم من سريري لمطاردة خنفستين علي درجة كبيرة من الضعف حتي لو كان بعض أنواعها يفترس الثدييات. هل أنا كائن ثديي؟ ».
»‬لم يجدوا في كتبه سوي بعض القصائد الشهيرة لأمل دنقل وبدر شاكر السياب ومسرحية لصلاح عبد الصبور. لكنهم حرزوا مائة وعشرين دولارا كان قد حصل عليها بعد نشره مقالا نقديا فثبتت عليه التهمة، حيث التمويل بالعملة الصعبة »‬37، في قصة »‬ذلك السجان» تتناول الحرية المسلوبة ،الأمل في الحرية، والأحباب في البعيد يعانون الغياب بإخلاص، بتفصيلات شعرية متسقة مع الشخصية المصرية، السجين المثقف والسجان الغليظ يجمعهما الفقد والألم، وحب الغناء والمواويل.
المثقف في مقابل الجهل والتطرف والدين الزائف والشهوة المتوارية خلف اللحي والجلباب والإرهاب الديني والفكري، الخوف الدائم من النبذ والقتل وفقدان الحرية، رسوخ فكرة أن في التشابه أمانا واستقرارا، والمختلف والمثقف المفكر فاسق أو حامل للخطيئة التي تستوجب إقامة الحد أو التصفية، »‬قبل أن أفعل هرول السياف من خيمة شيدت جهة اليسار. هوي بسيفه فطار عنقي، وطرطش الدم غزيرا، لم يكن الألم هو الذي شعرت به لكن الحسرة التي شملتني لأن كتبي غرقت تماما في شلال الدم». الغربة التي يتبعها الخوف الدائم من ضياع الحب والأولاد والرفاق والإحساس الدائم بالقلق والتآمر والوحدة، والشعور بوضع الضحية في مقابل الحصول علي المال، الجزء الخاص بمنامات الدمام كان نفسيا إلي حد كبير.
بساطة هذه القصص ذات الهوية المصرية التي تنبعث من كل تفصيلة، جعل منها صادقة وحقيقية،»‬إن العقد الذي يربط الكاتب إلي المجتمع بكل أبهة الفن، يمكن التعرف عليه من وضوح مقصده وجلاء علاماته السردية. تعبر عن الكاتب وما يؤرقه أو يفتنه، وتصور المجتمع بأكمله في براءته وتعقيداته وعفويته الدائمة. ما أبهي أبواب سمير الفيل المواربة علي المجتمع في إشكالياته البسيطة، وحيرته الساذجة والدائمة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.