الرئيس السيسي وبوتين يشاركان فى مراسم تركيب هيكل احتواء مفاعل الضبعة    بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الوحدة الاولى بمحطة الضبعه النووية    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    سعر الدولار يفاجئ الجنيه بارتفاع كبير.. شوف بكام    المؤشر الرئيسى للبورصة يواصل تراجعه بفعل جني أرباح للأسهم القيادية    «الإنتاج الحربي» تتعاون مع «ستارك السويسرية» لتصنيع المحركات الكهربائية    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    محافظ قنا يبحث مع «المصرية للتنمية الزراعية» دعم المزارعين    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    قائد بالجيش السوداني يدعو إلى المشاركة في الاستنفار الوطني    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية التي تستخدمها القوات الأوكرانية    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته فى فعاليات معرض "دبى الدولى للطيران 2025"    مجددا.. ترامب مهاجما مراسلة بسبب جيفري ابستين: أنت سيئة .. فيديو    جلوب سوكر 2025.. إنريكي ينافس سلوت على جائزة أفضل مدرب    وزير الرياضة: الطرح الاستثماري يغير خريطة مراكز الشباب    30 ألف مشجع في المدرجات.. الأهلي وشبيبة القبائل في مواجهة مرتقبة    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    النيابة تأمر بحبس عاطل حاز ربع كيلو هيروين فى الجيزة 4 أيام    بعد فيديو الاستعراض بالجيزة.. ضبط شابين قادا سيارتين بطريقة متهورة    الطقس اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025.. ارتفاع الحرارة وتحذير من شبورة كثيفة صباحًا    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    ضبط 3 متهمين بقتل شاب لخلافات بين عائلتين بقنا    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    «السياحة والآثار» تبدأ مرحلة تحديث شاملة لمنظومة المخازن الأثرية    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    «الصحة»: فيروس «ماربورج» ينتقل عبر «خفافيش الفاكهة».. ومصر خالية تماما منه    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    مهرجان مراكش السينمائى يكشف عن أعضاء لجنة تحكيم الدورة ال 22    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    منال عوض تترأس الاجتماع ال23 لصندوق حماية البيئة وتستعرض موازنة 2026 وخطط دعم المشروعات البيئية    مقتل 8 أشخاص جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام    أفضل مشروبات طبيعية لرفع المناعة للأسرة، وصفات بسيطة تعزز الصحة طوال العام    اليوم.. أنظار إفريقيا تتجه إلى الرباط لمتابعة حفل جوائز "كاف 2025"    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعيد الكفراوي.. راهب القصة القصيرة
نشر في الأهالي يوم 21 - 09 - 2011

بعد أن ودع صديقه خيري شلبي، الحكاء الكبير مثله، وبعد أن ذرف عليه الدمع الوافر، انفطر قلبه، قلب سعيد الكفراوي، الحكاء الكبير الآخر، فداهمته جلطة القلب، وقد أجري عملية دعامات للقلب، وهو مازال في مستشفي القصر العيني الفرنساوي، لسعيد الكفراوي كتاب بعنوان «يا قلب مين يشتريك»، فيا قلب
سعيد الكفراوي مين يشتريك؟ يشتريك محبو الكفراوي، ومحبو أدبه، ومحبو حبه للناس والقرية والوطن. يا قلب سعيد الكفراوي : سلامتك . انهض وعبّ من الحياة، واصنعها، كما كنت. هنا كلمة عن أدب الكفراوي للناقد سيد الوكيل، تحية له، ولنا. «الأهالي»
قدم القاص والروائي سعيد الكفراوي مجموعته الأولي في بداية الثمانينيات فلفت انتباه النقاد إلي المستوي المتميز الذي ظهرت عليه المجموعة بتناولها لطرائق من الأداء السردي لم تكن شائعة من قبل ، وهي طرائق تهدف في معظمها إلي خلخلة المركزيات التقليدية مثل مركزية الحدث ، أو الراوي ، فضلاً عن الاكتشافات الأسلوبية التي خلخلت آلية السرد الوصفي واستبدلتها بأساليب تمنح فضاء أكثر رحابة لحضور الذات الساردة لتعلن عن نوازعها وأحلامها وهواجسها ، بحيث تحل الذات الساردة محل المركزيات القديمة التي كانت تعيش خارجها، ومن ثم تضمن للغة مستوي من التناسق الشعوري بين الذات والعالم والأشياء ( الذات والموضوع ) فتقترب التجربة القصصية من الشعر ويعيشان معاً في فضاء واحد من السرد والغناء ، وبهذا الغناء تكتسب اللغة طاقة من الشجن والأسي ، في حين يتجه السرد إلي استعادة الماضي وتنقيته بحيث يبدو كل مافيه جميلاً وقابلاً للعمل في الآني بطاقة الحنين ( النوستالجيا ).
وهو موقف يختلف في أهدافه عن الرومانسية الأولي كملاذ ( هروبي ) من قبح الواقع ، ويبرر ارتباطه بالواقع من حيث أن ما يتبقي في الذاكرة هو صورة الواقع الذي نعرفه ، أو بمعني آخر هو كل ما أدركناه ويهمنا في الواقع ، إذ لا واقع خارج الذات ، بل هو جزء منها ، وبهذه الطريقة يندمج مفهوم الواقع الموضوعي بمفاهيم أخري أكثر ذاتية كالخبرة الشخصية والذاكرة والمتخيل والأسطوري ، وبهذا الدمج يصبح الواقع أكثر شعرية ومن ثم أكثر انكشافا وألقاً بما يتيح لنا رؤيته علي نحو أكثر عمقا، لأن الواقع الخارجي سطحي وخادع ، فالجزء الظاهر من جبل الجليد لا يمثله أبداً ، وبهذا المعني يصبح الإدراك نوعاً من الاستبطان والوعي كشفاً وبصيرة وليس تبصراً ، وهو نفس الموقف الذي راهنت عليه تجربة الشعر في السبعينات عند كتاب قصيدة النثر علي نحو ما يمثله بقوة أدونيس.
وهذه المجموعة احتوت مختارات من قصصه التي كتبها علي مدار ما يقرب من ربع القرن، ومن ثم فهي تجسد مشروعه في السرد القصصي الذي تخصص فيه ، فمعروف أن سعيد الكفراوي لم يكتب الرواية حتي الآن ، وهو يري أن القصة الجيدة تمنح قراءها متعة مساوية للرواية ، وأنها فن صعب لايقبل التزيد أوالترهلات أو اللغة غير الفنية ، فهي فن الكتابة المصقولة ، والحقيقة أن كثيرا من قصص سعيد الكفراوي تظل عالقة بالذاكرة نتيجة لاحتشادها بشبكة معقدة من العلاقات السردية قوية الدلالة، ومرتهنة في نفس الوقت بالمكان والزمان والشخصيات الحية ، فشخصيات سعيد الكفراوي ليست مجرد نماذج بشرية ، بل هي منتزعة من واقع تجاربه الشخصية ومشاهداته الثرية .
بهذا المعني وجد مشروعه السردي الذي تحددت ملامحه منذ مجموعته القصصية (مدينة الموت الجميل ) ، وظل يعمل علي صقله وتطويره بإصرار ، حتي انتهي إلي مجموعة من الخواص المميزة ، التي تجعل القارئ يفطن بقليل من الجهد إلي أن سعيد الكفراوي واحد من الكتاب القلائل الذين امتلكوا مشروعاً سرديا خاصاً.غير أن أهم ما يميز هذا المشروع أنه لم ينطلق من الأساس الأيديولوجي ولا من نفس القيم الواقعية التي قامت عليها مشاريع الكتابة في الستينات ، فمشروع الكفراوي هو مشروع جمالي بالدرجة الأولي .
والناقد الكبير محمد برادة في مقدمة كشك الموسيقي : ( .. عند سعيد الكفراوي ومعه آخرون ولا شك ، نحس أن صوت الذات لم يعد يرضي بأن يظل قابعاً في الخلف ، متدثراً ب ( المعادل الموضوعي ) ، وبالمعاينة الباردة ، إنه علي العكس ( يهجم ) علي كل ما هو ملتصق بكينونته ، الطفولة ، العلاقة بالأم ، القرية ، لحظات الحب ، المدينة المفترسة ، الوحدة ، الموت ... وفي ثنايا الكتابة والشكل ، يشعرنا بأنه يريد أن يتبين موقع ذاته من كل ذلك ،لايريد أن يتخفي وراء عجائبية الوقائع وطرافتها ، ( وهي كثيرة وحاضرة ) ، وإنما يريد أن يقترب من تلك الحقائقية التي تستعصي علي الوصف لأنها محفورة في المسام ، تشعل الذاكرة وتذكي الحنين ) .
وعالم الطفولة يبرز علي نحو خاص في تجربة الكفراوي ، ويأتي مفعماً بالطزاجة والعفوية والدهشة التي تسم ممارسات الأطفال وألعابهم وأغانيهم وتشوفاتهم وأحلامهم البسيطة المستحيلة ، وعلاقاتهم المشتبكة بالأماكن والأسرار الصغيرة والأشياء الخاصة التي تتغير بفعل المخيلة من العادي إلي المقدس ، ولعل هذه القداسة تمتد إلي بعض الشخصيات التي يرتبط بها الطفل علي نحو تخييلي كشحصية عازف الرباب أو شاعر القرية أو شيخ الكتاب أو الجد الذي يحاط عادة بهالة أسطورية وتنسب له بعض القدرات الخاصة التي تقترب به إلي منطق الخوارق أحيانا ولاسيما فيما يتعلق بقواهم الجسمانية وشجاعتهم في محاربة الجان أو لصوص الطرق ، وهكذا تحمل مثل هذه الشخصيات بعداً أسطوريا .
والراوي في قصص الكفراوي غالباً ما يكون طفلاً أو رجلاً كبيراً يستدعي الطفولة ، إذ تبدو الطفولة هي كلمة السر في قصص الكفراوي ودافع الإلهام العفوي والخيال السحري اللعوب .
تشظي المكان
أحياناً اشعر بأن ثمة قصة قصيرة بقوة رواية كاملة ، قد يرجع هذا لاتساع الفضاء الزمني الذي يتحرك فيه السرد ، لكن هذا وحده لايكفي ، فهذا الحراك يجب أن يكون علي قدر كبير من التنوع والتعدد بما يضمن للنص قدراً كبيراً من الديناميكية ، وهو تحريك مكتنز بالعلامات الجمالية والدلالية التي تدخل في تفاعل مع بعضها البعض من ناحية ومع القارئ من ناحية أخري ، إن هذا التحريك يهدف إلي شئ واحد ، أن يفتح الأفق القرائي علي آخره .
لابورصا نوفا .. واحدة من القصص التي تحضر في أفق قارئها بقوة رواية.
إذا كانت مجموعة ( مدينة الموت الجميل )"1" تشير الي نفسها بقوة في تجربة سعيد الكفراوي القصصية ، فان قصته البديعة ( لا بورصا نوفا ) تبرز بتفرد خاص بين قصص هذه المجموعة ، ليس فقط لكونها تتصدر قصص المجموعة أو لاسمها اللافت للانتباه ، ولكن وهذا هو المهم لاحتشادها بالكثير من العلامات والسمات الجمالية والدلالية ( لغة وتقنية ) ، وهي علامات تفيض علي مساحة زمكانية كبيرة وتلامس مناطق عديدة من وعي الذات الساردة ، فهي علي المستوي الزمني تستقطع رحلة غير هينة من الوعي الريفي إلي الوعي المديني ، فضلاً عن تجربة السفر إلي الخارج والتي يمكن احتواؤها عبر المكان الصحراوي كرمز يضرب إيقاعيا في خلفية الوعي ، وحيث تخضع كل من هذه الأمكنة لمنظومة من القيم والسياقات المعرفية والجمالية تختلف فيما بينها علي نحو لافت ، ومن ثم فإذا كانت ( مدينة الموت الجميل ) تطرح علامة أسلوبية علي المكان تكتنز بالدلالة وتشكل أفقاً مكانياً لحركة الذات الساردة .
الثراء الدلالي ، والتعدد المثير لمستويات وعي السارد بالمكان وتداعياته اللغوية ، يقدم ضمانات النص في قدرته علي التقليل من سطوة النمطية الأسلوبية ، بحيث يمر عليها القارئ مرورا عابرا بفضل الاشتغال الفني ، وعلي الرغم من أن موقف الذات الساردة هو موقف نمطي تماما ، إلا إننا ، أثناء قراءتنا للنص لا نستشعر وجود النمط في أي لحظة ، أعني لا نستشعره كعائق .
وهذا التماس السردي الشعري هو المسئول عن الحضور الصوفي الشفيف في تجربة سعيد الكفراوي علي نحو ما تمثله بعض قصص مجموعته ( كشك الموسيقي ) مثل قصة ( تلة الملائكة ) ، ( في حضرة السيدة ) ،( بيت للعابرين ) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.