عرفت آخر أسطوات الحرف اليدوية في بلدي، وعندي غرام شخصي بهذه الحرف اليدوية البسيطة الجميلة التي تحمل روح الصنايعي، تخيل كم ساعة وكم يوم يقضيها الأسطي في صناعة مُنتج يدوي، يخبئ جزءا من عمره في قطعة نحاس مشغول بصبر أو نَفخة زجاج صُنعت بحب، هو سعيد بمهنته التي ورثها عن الأجداد والسر والوصفة معه فقط.. مؤخرا قابلت في رحلة البحث عن أساتذة الحرف اليدوية عم حسين وهو آخر من يحمل سر حرفة التكفيت، وهي شغل النحاس بالفضة، حرفة صعبة وتحتاج بالاً ومزاجاً، عم حسين عنده أمنية لإنقاذ مايقرب من مائتي حرفة تكاد تنتهي تماما، هو يحلم بمكان كبير يضم كل من تبقي من أسطوات الحرف اليدوية، يعلم فيه الأسطي كل سنة مائة شاب من طلاب الفنون الجميلة، وتصبح جزءا من مسار زيارات السياح لصناعة هداياهم مع الأسطوات. عم حسين يقول هذه أمنيتي الأخيرة قبل أن أعجز عن العمل وقبل أن أموت.. إنني آمل أن يكون في العاصمة الإدارية مكان يحتوي هذه الحرف والفنون لكي ننقل لها الروح، وهي حرف وفنون صديقة للبيئة، وتمثل حالة من الأصالة والطيبة، كما أنها جزء من اقتصاد الدولة، يمكن أن تحقق خمسة مليار دولار من تصدير المصنوعات اليدوية »مثل الهند»، وتوفر حياة كريمة لحوالي مائة ألف أسرة.. هذه أبواب رزق أرجو أن نساهم في بقاء ناسها علي قيد الحياة، تسرب خلال السنوات الماضية آلاف من الأسطوات المهرة إلي العمل علي عربات التوك توك وقراءة القرآن في المقابر ! انشغلت في رحلة البحث عن أسطوات وصنايعية مصر في الحواري والشوارع، وفيهم رأيت مصر الجميلة، هؤلاء الذين يعملون علي باب الله ليس لديهم إلا حب هذه الحرف الدقيقة ولا يملكون سوي قلوب تحب تراب بلدهم في قصة حب حقيقية.. لا وقت نضيعه، كل يوم نفقد أسطي ومعه السر، ونفقد حرفة ومعها جزء من حضارتنا الغنية، كل تأخير في القرار سوف يجعلنا ننتظر قبل عشرة سنوات نهاية فنون الحرف اليدوية في مصر وإلي الأبد. هؤلاء ثروة أرجو الانتباه لها بما هو أكثر من إقامة معارض لمنتجاتهم، إنما بحمايتهم ودعمهم وتوفير مكان آمن لتعليم أجيال شابة هذه الفنون.