في سلسلة «حكايات لكل الأولاد» نشرت ثريا عبد البديع أربع قصص من مشروعها المتواصل للأطفال هي: الفراشة السوداء، الذبابة تتحدي، حمدان والعرائس ، ميرفيت صديقة يوم السبت. أي أن قصتين بطلة كلًّ منهما كائن ضئيل يطير، لكن أحدهما يمثل الجمال بينما الآخر يمثل القبح والإيذاء، أما القصتان الأخريان فبطل كل منهما طفل أحدهما الطفل حمدان، وبطلة الأخري ميرفيت، وقد اتخذت القصتان عنوانيهما من اسم بطليهما. وقصة الفراشة السوداء محورها هذه الفراشة التي انعزلت بسبب لونها الأسود، لكن الأم أكملت أن بسوادها نقطاً صفراء «زاهية اللون» تمنحها جمالا متميزاً عن أخواتها، ونصحتها أن تبحث عن الجمال في نفسها والذي قد لا تراه بعينها . ولتأكيد المغزي الذي تهدف إليه ثريا عبد البديع وإيصاله إلي قارئها الصغير فإنها تستدعي مجموعة من الطيور التفت حول غراب قبيح الشكل لكنه يتراقص علي الأغصان في ألعاب بهلوانية أسعدت بقية الطيور «فهو سعيد ويسعد مَن حوله«. ثم تؤكد هدفها من النص باصطحابها الفراشة وهي تطير لتري فتاة صغيرة تنتقي زهور الزنبق السوداء من بين الزهور الملونة الأخري لتكوّن باقة رائعة الجمال. وكان رد فعل الفراشة أنها اكتشفت واقتنعت أن الجمال «شئ مهم ، لكن الأجمل أن أكون فرحة وجميلة في معاملتي لإخوتي«. وتعود ثريا عبد البديع لتؤكد المغزي الذي لا تخلو منه قصة للأطفال بعكس قصص الكبار لتعلن علي لسان الأم لفراشتها الصغيرة «شكلك لم يتغير ، لكن الذي تغير هو كيف ترين أنت نفسك ، وكيف ترين الجمال الحقيقي الذي وهبه الله لك«. بينما تختتم مبدعتنا قصتنا بدعوة الفراشة الأم لابنتها أن تشكر لله فضله فقد أنعم عليك بجمال الشكل والنفس ننتقل من بطلتنا الفراشة إلي أن تكون الذبابة هي الشخصية الرئيسية في قصتنا «الذبابة تتحدي« ، فهي تقدم للطفل البطلة الجميلة والحشرة ولا نقول البطلة السيئة بالنسبة للإنسان. فبعد أن كانت الذبابة تجد ملاذا في بيت مهجور مع أقاربها وأصدقائها الحشرات كالناموس ، أخذ العم علي وابنه محمود يزرعان الحديقة بالفل والورد والياسمين وأشجار الفاكهة ، بل ويعدّان بيتا ليكون خلية للنحل. وهكذا تقيم ثريا عبد العليم صداما بين حشرتين : ذبابة وأسراب النحل صانع العسل ، ويحاول الشر ممثلاً في الذبابة المؤذية أن يفسد ما يفرزه النحل صانع الخير المسمي بالعسل ، فيلقي الشرير عقابه ، وذلك حين يحك الذباب أرجله المحملة ببقايا الطعام الملوث في عسل النحل الذي ما لبث أن أصبح مصيدة له فقد التصقت أرجلهن (لاحظ أن المؤلفة تضع لجمع الذبابة تاء التأنيث) وعبثاً حاولن الخلاص. ولا تنتهي قصتنا عند هذه المرحلة السعيدة ، بل تحرص مبدعتنا أن تنبهنا أننا لسنا جزرا منعزلة ، فما لم يتعاون جيراننا معنا في التخلص من قماماتهم وزراعة الأشجار وتزهيرها في حدائقهم فإن الذبابة وصديقاتها سيفسدون مجهودهما المنعزل الفردي. وهكذا قدمت ثريا عبد العليم أكثر من درس لقرائها الصغار في قصتها ذات السطور القليلة والتي رافقتها رسوم الفنانة المتميزة آمال خطاب لتتعانق الكلمة مع الرسم في تحقيق الهدف من قص في مستوي القارئ الصغير . وإذا كانت الشخصيتان الرئيسيتان في القصتين السابقتين فراشة وذبابة ، فإن بطليْ القصتين الأخريين طفلة هي ميرفيت وطفل هو حمدان ، ويشترك بطلا القصتين في أنهما بطلان متطوران (ويلاحظ أن بطليْ القصتين السابقتين متطوران أيضاً ، الفراشة السوداء تطورت إلي الأفضل حين اقتنعت أن لها جمالها الخاص بها ، بينما الذبابة تطورت إلي الأسوأ حين لم تعد تجد مأوي لها) أما ميرفيت فهي تتطلع إلي أيام العطلات في العام الدراسي باعتبارها أيام راحة «يوم فرحي ولعبي« بينما أيام الدراسة «كدر ونكد ، مما أحزن «الأيام« مطالبة بأن تكون بدورها أيام أجازة مثل يوم الجمعة ، لكن يوم الجمعة يعلن «أن ميرفيت لا تكرهكم كما تظنون ، لكنها لا تستطيع أدراك قيمة العمل والدراسة. «ثم يتنبأ يوم الجمعة بما ستتطور إليه ميرفيت حين يعلن قائلاً : سيتغير هذا إن شاء الله مع مرور الأيام. وبدلاً من ذهابها يوم الخميس إلي المدرسة ذهبت مع والدتها في جولة بالمدينة وتبعتها الأيام. وقد حرصت مبدعتنا أن تمر بطلتها ميرفيت بما ينبهها إلي خطأ موقفها وذلك بمرورها أولاً بإحدي المدارس القريبة من منزلها حيث رأتها تمتلئ بتلاميذ كلهم حيوية ونشاط ، ثم مرورها مع أمها بعاطل في الطريق رفض أن يتلقي نقوداً بدون عمل ، ثم بعجوز تبيع الحبوب عندما سألتها ميرفيت لماذا لا ترتاحين كان جوابها : من أين أتي بقوتي إن ارتحت ، أي أن راحتها في العمل وليس العكس، ثم مرت ببائع جيلاتي بجواره فتاة في مثل سنها عرفت منها أنها تذهب للمدرسة صباحاً وتساعد أباها بعد الظهر. ولأن القصة تعتمد علي الدرس الذي تريد مبدعتنا أن تؤكده لبطلتها. ولقارئها علي السواء فإنها أدخلتها مع أمها إحدي الحدائق حيث انزلقت قدمها، وأصيبت ميرفيت حتي أغمي عليها لأنهم لم يجدوا طبيب الحديقة حيث أنه كان يوم أجازته. وهكذا لقنت ثريا عبد البديع بطلتها وقراءها الأطفال أكثر من درس عن ضرورة العمل وسلبيات الكسل ، مما جعل الأيام تهلل بينما ميرفيت تقبلهم يوما يوما . أما حمدان فقد كانت لديه عروسة وأراجوز لا يستطيعان الوقوف إلا إذا استندا إلي يد حمدان، حتي ضاق بهما صائحا فيهما «أيتها اللعب الحمقاء، ألا تتحركين، ألا تتكلمين، تقعين علي الأرض ولا تتكلمين«؟ مما سبب ثورته علي أمه لأنها كانت هي التي تصنع له هذه اللعب فليس عندها نقود لشراء لعب، مما دفع حمدان للذهاب إلي جاره حسين فلديه لعب أفضل: قرد طبال، وقطار ذو قضبان، والبهلوان الألعبان، وغيرها من لعب تتحرك وتضئ بالأنوار. لكنه عندما لعب بالبهلوان سقط منه علي الأرض فانكسر منه مما أغضب صديقه حسين، ومما دفع حمدان إلي إقناع أمه بشراء لعبة البهلوان. وقد دفع ذلك أراجوز حمدان وعروسه لإقناع أمه بنقلهما إلي مسرح العرائس حيث يستطيعان اللعب مع زملاء آخرين وعرائس أخري. وهناك اشتركت العروسة والأراجوز في التعلم والتدريب. وعندما أقيم المسرح كان حمدان ممن شاهدوا العروض حيث حدّث نفسه قائلاً : تلك العروسة الجميلة تشبه عروستي، وهذا الأراجوز أيضاً ليته كان مِلْكي. وعندما عاد إلي بيته سأل أمه عن مصير لعبتيه فأخبرته بأنها استجابت إلي ما طلباه منها مما أصابه بالندم متسائلا : هل فقدتهما يا أمي، وهل يقبلان العودة إليّ؟ مما دفعه إلي الإسراع مبكراً إلي الفرقة حيث وقف أمام لعبتيه يرجوهما العودة إلي «بيتكما« .. إلي حمدان الذي يحبكما حباً شديداً ، فأكمل الأراجوز «لكننا تعلمنا وتحركنا وليتك أنت أيضاً تتحرك«. وتختتم ثريا عبد البديع قصتها بنهاية سعيدة تفرح قارئها الطفل وذلك عندما يفشل بطلها حمدان في استرداد عروسته وأراجوزه ليجلس بجوار أمه ويصنع بدوره عروسة وأراجوزاً ثم يسرع إلي مدرب العرائس ليتعلم منه ملتقطا حركاته وتنبيهاته حتي أصبح من أمهر صناع العرائس المعروفين ، ثم عضواً بارزاً من أعضاء فرقة الفنون لمسرح العرائس. ويمكن أن تخلص من هذه القصص الأربع إلي السمات والمميزات الآتية: - اختيار عناوين القصص اختيار جذاب ومشوق بالنسبة للطفل القارئ، ولعله ما بين الثامنة والعاشرة، وشخصيات القصص من عالم الطفل وبيئته كالعروسة والأراجوز.. إلخ . - لغة القص بمفردات فصحي غير متفاصحة باختيارها الألفاظ الأكثر تداولا في هذا العمر الموجه له القص. - تجسيم المعنويات كأيام الأسبوع التي أنسنتها مبدعتنا فجعلتها تتحرك وتحتج وتتطور في موقفها من ميرفيت ، كما تطورت ميرفيت بدورها في علاقتها بها أو بهم. كما أنسنت الحشرات كالذباب والفراشات والنحل والطيور كالغراب، وهو من معالم القص للأطفال أساسا وقصص الحيوان الموجهه للصغار والكبار ومن أبرزها وربما أقدمها قصص كليلة ودمته لابن المقفع حتي قصص الأمثال في الجاهلية . - تثير ألفاظ القصص وعباراتها الصور البصرية وشخصياتها المتحركة الملموسة في تضافر مع الرسوم الملتحمة بالنص للفنانة المشاركة أمال خطاب.