لو أنني قابلته في أروقة معرض الكتاب لما عرفته، وأعتقد أن الأمر نفسه ينطبق علي الغالبية العظمي من الرواد، وبالتأكيد مرّ به الكثيرون دون أن يشعروا بوجوده من الأساس، لهذا كان حريصا علي نشر خبر زيارته، لأن ردود الفعل فقط ستمنحه الإحساس بجدوي ما فعل. وربما شعر السفير الإسرائيلي ببعض النشوة وهو يتابع ما فجّرته فِعلته من غضب. أري أن ما فعله السفير حالة تحرش ثقافي محسوبة، رغم تأكده من أنه ضيف غير مرغوب فيه، فهدفه كان إثارة جدل يُثبت به وجوده، حتي لو كان هذا الوجود باهتا، وفي النهاية يتم ترويج الأمر في وسائل الإعلام الصهيونية علي أن الرجل يلعب دور حمامة السلام، ويجابه الرفض المزمن بالمحبة الخالصة! وننشغل داخليا بصخب الكلمات، ويري الخارج الداعم للكيان المغتصب في الحدث فرصة للتغطية علي مذابح وانتهاكات مستمرة. أحدثت الزيارة الفجة جدلا، بينما مرت أحداث أخري دون اهتمام يُذكر، رغم أنها تمضي في السياق نفسه، وتتسم بكونها أكثر عمقا من مناورة السفير، فقد استضافت قاعة »ضيف الشرف» ندوتين تركزان علي الصراع الأبدي مع العدو الصهيوني، الأولي فنّدت محاولات تهويد القدس، بينما ركزت الثانية علي القضية الفلسطينية والتحديات الراهنة التي تواجهها. منعتني ظروف العمل من حضور الفعاليتين، غير أن مضمونهما حسبما قرأت بالغ الأهمية، لكنه لم يحظ باهتمام مماثل لذلك الذي حصدته الزيارة، ولا أستطيع أن أتوقع عدد من حضروا الندوتين، لكني أعتقد أن نصيبهما لن يختلف عن ندوات أخري عديدة، كانت تستجدي رواد المعرض كي يملأوا فراغ قاعاتها! للزيارة أسبابها بكل تأكيد، لكن هل كان أحد هذه الأسباب هو مواجهة ما يثار ضد الكيان الصهيوني ضمن فعاليات المعرض؟ أم أن الجولة كانت محاولة لتأكيد أنها أكثر قدرة علي إثارة الاهتمام من نقاشات عميقة تتناول جوهر الأزمة؟ وإذا كانت غّدة حماستنا قد أفرزت كل هذا الرفض للزيارة، فلماذا لم يسلك كل منا سلوكا إيجابيا ويشارك في الندوات ولو علي مستوي الحضور؟ يمكن للأسئلة أن تتكاثر إلي ما لانهاية، لكنها لن تكون سوي آلية جديدة لإفراز حروف لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لأنها لن تحصل علي إجابات حاسمة، هذا إذا وجدت من يرغب في البحث عن الردود من الأساس. إن تخاذلنا علي مستوي الفعل يساهم في ضياع حقوقنا، بينما السفير الذي يعيش منبوذا علي أراضينا لا يتوقف عن السعي، فعندما ذهب إلي المعرض لم يفعل ذلك لأنه قاريء محب للكتب كما زعمت صحافة بلاده، وبالتأكيد لم يكن يتوقع أن يحظي باستقبال حافل أو حتي باهت، ولو علي المستوي الرسمي، لكنه فعلها وفق سيناريو متكرر، فقبل ثلاث سنوات، فاجأ سفير الكيان الصهيوني المسرح القومي، واشتري تذاكر لحضور مسرحية »ليلة من ألف ليلة»، ومثلما لم يعبأ مسئولو هيئة الكتاب بزيارته للمعرض، تجاهله الفنانون المشاركون في العرض المسرحي، لكنه بالتأكيد سيستمر في مناوراته، بينما نكتفي نحن بسياسة رد الفعل المتفجرة بالغضب الشفهي، ونمتنع في المقابل عن مساندة قضيتنا المصيرية.. ولو بحضور ندوة!