رئيس "قوى عاملة النواب" يشيد بالبيان المصري العربى الإسلامى برفض سيطرة إسرائيل على غزة    بابا بادجى يقود هجوم سموحة أمام طلائع الجيش فى الدورى    الإعدام شنقا ل3 عاطلين والسجن المشدد ل4 آخرين قتلوا شخصا وشرعوا في قتل شقيقه ببنها    الدكتور محمد ضياء زين العابدين يكتب: معرض «أخبار اليوم للتعليم العالي».. منصة حيوية تربط الطلاب بالجماعات الرائدة    شعبة البناء تكشف مفاجأة حول أرباح تجار الحديد بعد تراجع الطلب وسعر طن الأسمنت    رئيس جامعة دمياط يترأس اجتماع لجنة اختيار عميد كلية الآداب    كبار القادة العسكريين يعارضون خطة نتنياهو.. رئيس أركان جيش الاحتلال: جنودنا مرهقون.. وجاهزيتهم متراجعة بعد عامين من القتال المتواصل    بوتين يطلع الرئيس البرازيلي على أهم نتائج محادثاته مع المبعوث الأمريكي ويتكوف    احتلال غزة!    شراكة جديدة بين محافظة المنيا والهيئة القبطية الإنجيلية لدعم الأسر الأولى بالرعاية    «وداعا سليمان العبيد».. محمد صلاح يشارك تعزية يويفا في وفاة «بيليه فلسطين»    تفاصيل تعاقد الأهلي السعودي مع إنزو ميلو من شتوتجارت    مجدي السعيد بدوي مديرًا لمنطقة الغربية الأزهرية    البلوجر حسناء شعبان في قبضة الداخلية بتهمة التعدي على قيم المجتمع    انتشال جثة شاب غرق في نهر النيل بالصف    تعليم قنا: التعامل بكل حزم في امتحانات الدور الثاني للشهادة الاعدادية    استقبال أسطوري للنجم تامر حسني في لبنان قبل حفله.. الليلة    دورات تدريبية مجانية بقصر ثقافة الفيوم    «هشام» و«إيهاب» و«سليم»|نجوم مهرجان القلعة للموسيقى والغناء    فضل صلاة قيام الليل.. تعرف عليه    يسري جبر: «الباءة» ليس القدرة المالية والبدنية فقط للزواج    أمين الفتوى يوضح حكم قراءة القرآن والتسبيح دون حجاب    كل احتلال مصيره إلى زوال    ضبط تشكيل «بياضة وطوبسية» بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بالدقهلية    تنسيق المرحلة الثالثة 2025.. توقعات كليات ومعاهد تقبل من 55% وحتى 50% أدبي    إلهام شاهين تستمتع بإجازتها في الساحل مع نجوم الفن: «ربنا يجمعنا دايمًا في أوقات حلوة»    259 كرسيًا و6 أدوار.. مستشفى أسنان جامعة سوهاج يستعد للافتتاح قريبًا -صور    ينظم الضغط ويحمي القلب.. 6 فوائد ل عصير البطيخ    3 أبراج على موعد مع حب العمر قريبا.. القدر يخبئ لك مفاجأة    "إنستاباي" ينهي تحديثاته الدورية بنجاح وعودة جميع الخدمات للعمل بكفاءة كاملة    ترخيص 817 مركبة كهربائية خلال يوليو الماضي ..المركز الأول ل بى واى دى    الموز والتمر- أيهما أفضل لسكري الدم؟    ناصر القصبي يشارك في موسم الرياض.. وتركي آل الشيخ يعلق: مسرحية مهمة    ب"فستان أنيق".. أحدث ظهور ل نرمين الفقي والجمهور يغازلها (صور)    شيخ الأزهر يلتقى عدد من الطلاب ويستذكر معهم تجربته فى حفظ القرآن الكريم فى "كُتَّاب القرية"    «اتفق مع صديقه لإلصاق التهمة بزوج خالته».. كشف ملابسات مقتل شاب بطلق ناري في قنا    حبس مزارع وشقيقته تسببا في وفاة زوجته بالشرقية    محافظة الجيزة: أنشطة وبرامج مراكز الشباب من 10 إلى 15 أغسطس 2025    محافظ الإسماعيلية يستقبل سفير دولة الهند ويتفقدان مصانع EMBEE    نائب رئيس هيئة الكتاب: الاحتفال باليوم العالمي لمحبي القراءة دعوة للثقافة    «المستلزمات الطبية» تبحث الاثنين المقبل أزمة مديونية هيئة الشراء الموحد    الصحة: إحلال وتجديد 185 ماكينة غسيل كلوي    رغم الغضب الدولى ضد إسرائيل.. قوات الاحتلال تواصل قتل الفلسطينيين فى غزة.. عدد الضحايا يقترب من 62 ألف شخصا والمصابين نحو 153 ألف آخرين.. سوء التغذية والمجاعة تحاصر أطفال القطاع وتحصد أرواح 212 شهيدا    تتبقى 3 أيام.. «الضرائب» تعلن موعد انتهاء مهلة الاستفادة من التسهيلات الضريبية المقررة    وزيرا قطاع الأعمال العام والمالية يبحثان تعزيز التعاون في عدد من الملفات المشتركة    أخبار الطقس في الإمارات.. صحو إلى غائم جزئي مع أمطار محتملة شرقًا وجنوبًا    رسميًا.. مانشستر يونايتد يضم سيسكو    ما هو الصبر الجميل الذي أمر الله به؟.. يسري جبر يجيب    الري: 32 مليون متر مكعب سعة تخزينية لحماية نويبع من السيول    رئيس الوزراء يوجه بالاهتمام بالشكاوى المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة    ارتفاع أسعار البيض اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    برلماني: موقف مصر ضد احتلال غزة رفض تام وحاسم لسياسات الإبادة والتجويع    موعد قرعة دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية والقنوات الناقلة    خلال استقباله وزير خارجية تركيا.. الرئيس السيسى يؤكد أهمية مواصلة العمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.. التأكيد على رفض إعادة الاحتلال العسكرى لغزة وضرورة وقف إطلاق النار ورفض تهجير الفلسطينيين    «100 يوم صحة» قدمت 37 مليون خدمة طبية مجانية خلال 24 يوما    مكتب التنسيق الإلكتروني بجامعة العريش يستقبل طلاب المرحلة الثانية    علي معلول: جاءتني عروض من أوروبا قبل الأهلي ولم أنقطع عن متابعة الصفاقسي    «قعدتوا تتريقوا ولسة».. رسالة نارية من خالد الغندور بعد فوز الزمالك على سيراميكا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب علاء مصطفي الذي جعل الحرب تاريخًا في رواية (دوي الصمت)
من إبداعات حرب أكتوبر العظيمة
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 09 - 2012


علاء مصطفى
رواية تاريخية، أم هي رواية أدبية استخدمت التاريخ كموضوع رئيسي لها؟
الرواية رؤية للتفكير العسكري المتطور تعطي مصداقية لمحاولة القوات المسلحة لتسجيل حرب أكتوبر بصدق وأمانة.
إن هذه الرواية وليدة لفكرة ضابط مقاتل شعر بمرارة الحرب وآلامها، وعاش أحداثها ووجد في نفسه القدرة كأديب- أن يسجل تجربة الحرب بأمانة وصدق.
لا شك أن رواية مثل رواية دوي الصمت تعتبر من الرواية التي يصعب الكتابة عنها في صورة عرض مختصر. فهي رواية ذات طابع خاص، وطابعها الخاص ليس في حجمها، ولكن في التساؤلات التي يمكن أن تثيرها. إنها بالفعل مثيرة للعديد من التساؤلات.وأهم هذه التساؤلات هي:ما دور المؤسسات الثقافية القومية في دعم العمل الثقافي وخاصة الرواية؟
إننا نعرف جميعًا دور وزارة الثقافة وموضوع تفرغ الأدباء والفنانين، ولكن لأول مرة -وهي تجربة فريدة حقًا- أن تقوم القوات المسلحة وتمثلها إدارة الشئون المعنوية أن تكلف ضابطا في القوات المسلحة لكتابة رواية عن حرب أكتوبر.
لا شك أنها مغامرة كبري، وقفزة في أسلوب التفكير العسكري الروتيني. إن رواية دوي الصمت هي نتيجة هذا التفكير العسكري المتطور. وهو يعطي مؤشر ومصداقية لمحاولة القوات المسلحة لتسجيل حرب أكتوبر بصدق وأمانة. كذلك إن هذه الرواية وليدة لفكرة ضابط مقاتل شعر بمرارة الحرب وآلامها، وعاش أحداثها ووجد في نفسه القدرة كأديب- أن يسجل تجربة الحرب بأمانة وصدق.
الأفكار كبيرة وعظيمة. والنوايا حسنة ومخلصة. كل ذلك أفرز هذه الرواية....
ومن هنا نقرر أن دور المؤسسات الثقافية حتي العسكري منها كالشئون المعنوية للقوات المسلحة- هو دور مهم ولا يمكن إغفاله. إذ كيف يستطيع كاتب مثل علاء مصطفي أو غيره أن يستفيد من تجارب المئات وآلاف من الضباط والجنود لولا قيام الشئون المعنوية بتبني هذه الفكرة وإرسال الخطابات إلي الآلاف الضباط والجنود ليدلوا بشهادتهم وتجاربهم عن هذه الحرب. إنها تجربة فريدة حقًا.
التساؤل الثاني: قضية الرواية والتاريخ؟ هل رواية دوي الصمت رواية تاريخية، أم هي رواية أدبية استخدمت التاريخ كموضوع رئيسي لها؟
في الحقيقة الموضوع يحتاج إلي بحث أكثر من مجرد عرض لأفكار. إن رواية دوي الصمت في اعتقادي قد عالجت التاريخ كموضوع أساسي لها. وهذا التاريخ هو تاريخ مصر وجيشها وشعبها في مواجهة الحرب التي بدأت بهزيمة يونيو وانتهت بنصر أكتوبر. أي أنها سجلت ثلاثة حروب متصلة وهي حرب يونيو 73 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر. يا لها إذن من مسئولية جسيمة.فهذه المرحلة التاريخية تعتبر من أخطر مراحل التاريخ الفاصلة ليس في مصر وحدها ولا للأمة العربية ولكن لمنطقة الشرق الأوسط كجزء من العالم. كيف واجه علاء مصطفي هذه المعضلة الخطيرة؟
في اعتقادي أن علاء مصطفي دون أن يدري وفي غمرة طموحه المشروع لتسجيل أخطر أحداث مر بها شعبنا قد جعل الحرب تاريخًا هي البطل الرئيسي للرواية أي أن الحرب هي نفسها البطل، حدث هائل شامل، هز الناس جميعًا، بالضبط كالروايات التي تعتمد علي الكوارث كحدث رئيسي لها ومن خلال هذا الحدث يتم اختيار الأبطال والغوص في تفاصيل حياتهم في ظل هذا الحدث الكبير.
إذن بطل رواية دوي الصمت هو الحرب ذاتها التي بدأت منذ حرب 67 واستمرت بأكثر من صورة حتي حرب، 73 الرواية إذًن ليست رواية إنسانية تنبع من داخل الإنسان لا... إن الإنسان يساق إلي أحداثها الدامية سوقًا كالقدر لا فكاك منه. وكل انفعالاته وتصرفاته وقصصه وردود أفعاله ما هي إلا رد فعل للبطل الرئيسي للرواية. وهو الحرب.
هذا يعني أن الرواية لابد أن ترتبط بأحداث التاريخ وأحداث سياسيًا وعسكريًا، ثم تغوص في أعماق الشخصيات التي تعيش هذه الأحداث.
ما أعنيه أن الرواية تنبع من داخل الشخصيات وليس من خارجها وفي اعتقادي أنها تجربة أدبية جديدة وفريدة تحتاج إلي مزيد من التقييم. فإذا كان هناك ملاحظات علي هذا الشكل الروائي فإنني عاطفيًا أعترف بأني منحاز لها رغم وجود ملاحظات فنية. منحاز لها لجسارة كتابتها بهذا الشكل وهذا الأسلوب. ومنحاز لها رغمًا عني لأنني شخصيًا كابدت مآسي الحرب ومرارتها كضابط صغير في الجيش. وبناء علي ذلك فإن للرواية العديد من الأبطال مصريين وإسرائيليين. وسوفيت وجماهير شعبية، وآلاف من الجنود المصريين. وعدد من القادة الإسرائيليين، أما مسرح الأحداث فهو مسرح هائل يبدأ من صحراء سيناء. مرورًا بمدن القناة برأس العش، بالقاهرة بمركز القيادة الرئيسي للقوات المسلحة بالقصر الجمهوري، ثم مجلس الشعب، ثم شوارع القاهرة، وفي معسكر الأسري بإسرائيل، بمدينة القنطرة شرق، بمدينة العريش. ثم بإحدي المدن الإسرائيلية ثم الكنيست الإسرائيلي ثم البحر الأبيض المتوسط أمام سواحل بور سعيد حيث جرت معركة تدمير المدمرة ايلات، ثم ميناء أوديسا الروسي ثم قاعدة جوية سوفيتية في روسيا، ثم مكاتب الزعماء السوفيت في الكرملين بموسكو، ثم بموقع نمرة 6 بمدينة الإسماعيلية حيث أستشهد رئيس أركان حرب الجيش المصري عبد المنعم رياض، ثم موقع وحدة عسكرية مصرية في قلب الصحراء وزيارة الرئيس السادات لهذه الوحدة، ثم بعد ذلك مواقع وأماكن متعددة دارت فيها أحداث العبور. منها قواعد جوية ومدفعية وصواريخ ........ إلخ.
مسرح أحداث هائل. ونادر وجوده في أي رواية صدرت باللغة العربية من قبل.
ومع هذا الكم الهائل من الأماكن فإن الشخصيات أيضًا كانت متنوعة ومتعددة بشكل لافت. منها بطل الرواية وهو ضابط برتبة المقدم في إحدي الوحدات المدفعية المضادة للطائرات. والدكتورة جيهان زوجة اللواء آدم الذي استشهد في حرب يونيو، ثم شخصيات سياسية كالرئيس عبد الناصر وقائد الجيش عبد الحكيم عامر.. ثم مئات وآلاف الجنود المنسحبين في صحراء سيناء في ظروف غاية في القسوة. ثم الجندي شعبان الذي أصيب قامت برعايته إحدي القبائل العربية في سيناء. ثم الجندي جابر الذي استشهد في معركة رأس العش وهو يحمل لجنوده التعيين (الطعام) وأرغفة الخبز. ثم الأسير المصري عازف الموسيقي. ثم الحوت الشخصية الانتهازية التي حاولت أن تستغل ضعف جيهان بعد استشهاد زوجها محاولاً سلب سكنها بوثائق مزورة.
ومن الشخصيات الإسرائيلية الضابط باروخ القاسي الذي شارك في قتل العديد من الجنود المصريين أثناء الحرب وبعد الحرب. وحواره مع نفسه عن معني الحرب. وأهميتها بالنسبة لإسرائيل. وشعبها يكشف ذلك التمزق الذي يعيشونه العسكريون الإسرائيليون رغم انتصارهم في حرب 67. ثم شولا ميت الضابطة الإسرائيلية زوجة باروخ التي بدأت تشمئز من عمليات القتل المستمر. إنها تعيش في أزمة مع باروخ زوجها. وفي نفس الوقت تسوقها الأحداث لتعمل في معسكر الأسري المصريين لتقع في حب جندي مصري يعزف الموسيقي. أما أحداث الرواية. فهي تبدأ بحدث إنساني وهو زيارة مفاجئة من جماعة مجهولة (واضح أنها تابعة للسلطة في هذا الوقت) دخلت هذه الجماعة أحد المنازل وفاجأت فتاة جميلة وهي تستحم. يحملونها إلي مكان مجهول. تعرف في الفصل الثاني مباشرة أنه مقر إحدي المؤسسات الحاكمة حيث أرادها لنفسه إحدي الشخصيات الحاكمة في ذلك الوقت. بداية سريعة بوليسية. تومئ فقط إلي واقع تاريخي عاشه شعبنا وتربط بين هذا الواقع المؤلم وأحداث الهزيمة التالية حيث أن المشهد التالي مباشرة نفس هذا الضابط يشارك هيئة القيادة في اتخاذ القرارات المصيرية للوطن...
وفي نفس الوقت. تبدأ أحداث الرواية الرئيسية بمشهد مؤثر لانسحاب آلاف الجنود المصريين في سيناء.
ينتقل المشهد بعد ذلك إلي غرفة عمليات القوات المسلحة حيث تنقل لنا تفاصيل الأمر بانسحاب الجيش من سيناء في ظروف عسكرية وإنسانية مروعة. تسردها الرواية في براعة لا تنكر. فإن مأساة الجنود والضباط في حرب 67. مازالت حتي الآن وبعد مضي هذه المدة تثير كثيرا من الشجن والمرارة لكل من عاشها أو سمع تفصيلها المروعة من أفواه الجنود والضباط.
ومرة أخري عادوا يتابعون الانسحاب تنبعث من بعضهم أنات
خافتة أو حشرجات وقع أقدام بعضهم وهم يمشون بأغوار الليل لا يستطيعون تحديد اتجاه سيرهم إلا بواسطة أصوات زحف أقدام السائرين أمامهم.
ولدي اقترابهم من مقاطع طرق يفاجئهم وميض انفجار أضاء الظلام الحالك. ومكثوا بعض دقائق منبطحين وملتصقين بالأرض ثم توالي نهوضهم وتناقص عددهم. واجتازوا الطريق جريًا مخلفين وراتهم الناجين من الحياة عشرات الشهداء.
أما هم الناجون من الموت البطيء فقد تعرضوا مرة أخري للنيران، وفي هذه المرة ايضاً أمضوا زهاء ساعتين منبطحين . حتي عادوا مسيرتهم يتناوبون في عناء حمل رقعة مشمع تحمل جندياً مصاباً بجرح بالغ.
تروي الرواية معركة من أهم معارك حرب يونيو وهي معركة الفرقة الرابعة المدرعة التي أعيدت مرة أخري إلي سيناء دون غطاء جوي وبعد تحطيم دباباتها طوال أيام الحرب. أعيدت إلي سيناء للقيام بهجوم مضاد مؤكد الفشل لعدم وجود أي إمكانيات قتالية لدبابات الفرقة. وقد تحقق ذلك ودمرت البقية الباقية من الفرقة علي أرض سيناء في مهمة أطلق عليها قبل تنفيذها مهمة انتحارية.
الرواية تسجل في جرأة الحوار الذي دار أو الذي افترض أنه دار بين الرئيس والقائد العام حول أسباب الهزيمة فقد تبادلا الاتهامات. وقد حاول القائد العام التنصل من الهزيمة. وواجه الرئيس بالملابسات التي أدت إلي الانهيار وهو قبول الرئيس لمبدأ الضربة الجوية. ثم تصعيده للأحداث رغم ذلك بإغلاق خليج العقبة.
في حين أن الرئيس اتهم القائد العام بأن معلوماته العسكرية قد توقفت عند رتبة الصاغ. وأن أمر الانسحاب لم يكن له ما يبرره في بداية الحرب.
فاعترف له القائد العام أن ثمة اتصالات مجهولة أبلغته عن سوء حالة القوات أدت هذه المعلومات إلي إصداره لأمر الانسحاب.
لاشك أن مثل هذه المشاهد جديدة علي القارئ. وهي شجاعة لا يمكن إنكارها من المؤلف وأن العديد من هذه القضايا التاريخية مازالت محل بحث وتحقيق. ولكن للمرة الأولي يظهر من خلال السطور رأي العسكريين المصريين في أحداث تلك الهزيمة الغريبة.
تتابع الرواية الأحداث التاريخية. وتسجل بعض فصولها أحداث تنحي الرئيس عبد الناصر الذي لا يذكر اسمه صراحة لا هو ولا القائد العام ثم تتابع الرواية الأحداث وتسجيل ردود أفعال الشعب. ثم عودة الرئيس إلي الحكم بعد المظاهرات الشعبية التي تطالب ببقائه في الحكم. ورغم ذلك تقدم لك الرواية مزيدا من مشاهد مأساة الانسحاب الدامية كوثيقة إدانة شاملة لكل النظام بأشخاصه ورموزه وقراراته.
إنها مأساة كاملة سيق إليها جيش مصر وقاس ويلاتها دون ذنب.
تسجل الرواية بعد ذلك نتائج الحرب علي العسكريين. وأهمها طوابير الأسري التي احتجزتهم إسرائيل في ظروف إنسانية مهينة. كذلك أعمال المقاومة اليائسة لأهالي مدينة العريش. وأهالي مدينة القنطرة شرق. وعنف القمع الوحشي لهذه المقاومة من جانب الجيش الإسرائيلي. وفي مشهد مؤثر عبر المؤلف عن تلك القسوة والوحشية بصورة موجزة نافذة.
مع تصاعد حملات تمشيط المدن المحتلة لحصد أفراد المقاومة ومن يساعدهم ومن يؤون الشاردين. ظل جنديً إسرائيليً واقفًا بباب عند المدخل.
ودخل آخر الغرفة مصوبًا مسدسه. فرأي امرأة وصبيا مقتولين؛ سبقه إليهما زملائه. وعندما دخل الغرفة الأخري. رأي مهدًا وفي المهد طفل عمره عام تقريبًا ولم يميز هل ذكر أم أنثي. فصوب فوهة المسدس وانتفض المسدس كما لو كان حيًا.
وعند الباب سأله زميله في اشمئزاز وانهيار:
- لماذا قتلت الطفل الرضيع؟
أجاب في بغض وهو يعيد حشو مسدسه:
- أضف إلي عمره عشرة أعوام وستراه بدأ يقاوم...فيخلق لإسرائيل المزيد من المشاكل.
واستطرد يخفف الوطأة:
- ثم لماذا أنت مأخوذ بموته...إنه كان حتمًا سيموت علي وجه ما.
وتسجل ايضًا الرواية الظلم الذي تعرض له ضباط وجنود الجيش المصري بعد عودتهم من سيناء. أقصد السخرية منهم واتهامهم بالجبن والفرار من الحرب. وكأن القدر أراد أن ينصف هذا الجيش العظيم. فقد ساق القدر معركة رأس العش التي تسجلها الرواية بصورة شاعرية جميلة. خاصة استشهاد الجندي جابر الذي وجدوه بعد المعركة ميتًا وهو يحمل الطعام إلي زملائه الجنود. لقد ظن زملاؤه في الموقع أنه قد هرب من الميدان. وابلغوا عنه أنه غياب.
وقد أرسلوا لتعزيز الدفاعات عند منطقة رأس العش.
ارتطم جاروف بجسم صلب، ظهر أنه خوذة جندي.
وفي حذر شديد راح يجري بحذر إزالة بعض الطمي والعوالق حوله. وقد دللت الآثار أنه مات بسبب انفجار لغم من الألغام المنتشرة.
تحلق الجنود المبهوتون يتفرسون في جثة الجندي الذي لم يتعرف عليه أحد.
كان مستلقيًا داسًا إحدي يديه تحت ظهره بصورة غير مريحة. وذراعه الأخري ممتدة جانبه. وكان وضع جرحه جيدًا ولم يكن عميقًا أو متسعًا ولكنه كان يكفي لموته.
تولي جنديان جر الجسد من تحت الإبط. فطلن تحته بعض أرغفة الجراية المخضبة بالدماء.
وتفككت أزرار سترته وظهر صديري ريفي.
ومن جيبه الواسع ظهر مظروف، لم يعنون بعد. وبداخله رسالة تشربت الماء المالح. إلا أن بعض سطورها لم تنمح تمامًا. كانت الرسالة إلي أمه.
يطمئنها عليه ويسألها أن تغفر له أنه لم يستطع الحضور لزيارتها وهي مريضة.
تحجرت دموع الجنود لكلمات الرسالة المؤثرة. ربما لأن كاتبها لم يعد من عداد الأحياء. وحينما حملوه داخل بطانية يطل منها حذاؤه. كان يترجرج داخلها تغمر ملامحه المتلاشية غبطة مذهولة.
ثم يأتي حدث مهم وهو حدث إغراق المدمرة ايلات. ثم رد فعل إسرائيل وهو قصف مدينة السويس قصفًا وحشيًا أدي بالتالي إلي حدث مهم علي المستوي الإنساني وهو هجرة أهالي السويس ثم مدن القناة بعد ذلك تلك الهجرة التي تركت أثرًا نفسيا عميقًا علي أهالي هذه المدن حتي الآن.
علي خط مواز لهذه الأحداث. كانت جيهان طبيبة الأسنان وزوجة اللواء آدم تعيش الأحداث التاريخية التي عصفت بمصر من خلال زاوية رؤيتها كطبيبة.
كانت تعيش حياة عادية في فيلا صغيرة وفوجئت بأحداث الحرب ككل الشعب المصري. وبعد الحرب تم إخطارها بفقد زوجها اللواء آدم وتصور الرواية قلقها وذهابها إلي بعض الإدارات العسكرية للسؤال عن زوجها. ولكن بعد فترة من الزمن يتأكد استشهاده. تتقبل العزاء في زوجها وهي مذهولة. كانت أما لشادي ونادين.
ازدادت مشاكلها بعد وفاة زوجها فقد ظهر في حياتها شخص يدعي الحوت. لقد أوهمها أن أشقاء زوجها الموجودين في أستراليا ينون رفع قضية ضدها للاستيلاء علي الفيلا التي تعيش فيها هي وأولادها. بدعوي أنهم لم يتنازلوا عن حقهم في الفيلا في الشهر العقاري.
كان الحوت يسعي للاستيلاء علي الفيلا وطرد الدكتورة جيهان وأولادها منها. لقد احكم خطته وراح يضغط عليها لكي تستسلم.وبالفعل بدأت تستسلم لخطة الحوت. إلي أن ظهر من ينقذها وهو العقيد بهاء.
تسجل الرواية أيضًا العمليات الفدائية البطولية عبر القناة. كذلك اشتباكات المدفعية العنيفة. وتسجيل في مشهد من أهم مشاهدها استشهاد الفريق عبد المنعم رياض في الخندق الأمامي بموقع نمرة 6 الشهيد بالإسماعيلية. تسير الرواية متتبعة لأحداث التاريخ الرئيسية لحرب الاستنزاف. . وتتابع تدريب بعض الطيارين المصريين في روسيا حتي عودتهم إلي مصر. وقصة حب أحدهم لفتاة روسية.
قبل أن نسترسل في أحداث الرواية لابد لنا من وقفة من قصص الحب التي سارت مع أحداث الرواية وشخوصها. كانت بداية هذه القصص هي قصة الجندي شعبان الذي كان ضمن جنود الجيش المصري المنسحبين عبر صحراء سيناء لقد أصيب في الحرب وحاول السير في الصحراء وعندما أفاق من الإغماء الناتج من الإرهاق وآلام الإصابة وجد نفسه بالقرب من امرأة سمراء ذات عينين واسعتين. كانت المرأة تعتني به وتمسح وجهه. لقد وجدته ملقي في الصحراء فاقد الوعي. عرفته باسمها سلمي وكانت تعيش مع جدها العجوز فرحان تبدأ قصة الحب من بعيد وينضم شعبان إلي هذه الأسرة الصغيرة ويرتدي الملابس اليدوية ويعيش حياتهم فظروفه الصحية لا تسمح له بالسير مئات الكيلو مترات للوصول إلي القناة. وأثناء جلوسه في بستان صغير بالقرب من سلمي فوجئ بجدها صارخًا الجنود الإسرائيليون قادمون يهرب شعبان من الجنود الإسرائيليون الذي يهدمون المنزل المبني من الطين فلا يجدون إلا الجد العجوز فيقتلونه وأما سلمي فتهرب هي الأخري مع شعبان. ويلتفت شعبان وسلمي يعودان لدفن الجد وبعد ذلك يقرر شعبان العودة ويودع سلمي وداعًا قصيرًا سريعًا.
قصة الحب الثانية بين شولا ميت الضابطة الإسرائيلية وضابط مصري أسير. لقد كان أول لقاء في معسكر الأسري حيث استمعت إليه مصادفة وهو يعزف الموسيقي. فانبهرت بعزفه واقتربت منه. ولأول وهلة أعجبت به. ولكنها لم تفصح له بذلك.
تصل القصة إلي ذروتها عندما تقود شولا ميت عدد من الأسري المصريين منهم الضابط العازف وذلك لتوزيعهم علي أماكن العمل المخصصة لهم وأثناء رحلة الذهاب إلي موقع العمل يحدث أن تصطدم الشاحنة التي تقلبهم علي لغم أرضي تنقلب السيارة ويقذف الانفجاربشولا ميت إلي مسافة بعيدة ينجو الضابط المصري. ولا يبقي أحد من ركاب السيارة علي قيد الحياة لا السائق الإسرائيلي ولا الحراسة الإسرائيلية ولا باقي الأسري المصريين ولا تحدد الرواية هل كانت السيارة تقلهما وحدهما فقط في ظروف غير عادية المهم .. يقف الضابط المصري أمام شولا ميت التي كانت جالسة علي الأرض وأظهرت ملابسها الممزقة مفاتنها وقف أمامها الضابط المصري ونظر إليها فشدته مفاتنها. فسألته لماذا لا تقتلني؟ فيجيب عليها أنت إنسان مصاب يمكن إنقاذه وسألته ألا تفكر إني عدوتك؟ فيقول لها أنت إنسان أعزل ومصاب مهما كان وصفك بالنسبة لي.
وتنهي الرواية هذا الموقف بأنها قد رسخت صورة الضابط في سويداء قلبها للأبد لقد ذكرت هذين الموقفين لأضيف أن كون الرواية تنبع من خارج الإنسان. فإن بعض المواقف الإنسانية الحميمة يبدو عليها الافتعال. نفس الشيء يبدو واضحًا في تلك العلاقة الغامضة التي بلا ملامح بين نادين أبنه الدكتورة جيهان ووائل صديقها. تلك العلاقة العاطفية التي تنتهي فجأة بهجرته إلي كندا. علاقة ليس لها أي مكان في سير القصة. بل ظهرت كنقطة ضعف غير مبررة.
أما العلاقة التي نمت بين الدكتورة جيهان والعقيد بهاء فأنها أيضًا علاقة غير سليمة بنائيًا. فقد بدا فيها بعض الافتعال الذي أدي بالتالي إلي انعدام تناسق أحداثها ومنطقيتها ولكن لا الحرب ولا أحداثها تمنع الإنسان من معايشة الحياة. بحلوها ومرها.
تسجل الرواية في أحداثها المتصاعدة مشاهد هامة للرئيس السادات وهو يزور الوحدات العسكرية. اقترابه لقراره المصيري بضرورة الحرب. سارت الأحداث السياسية العسكرية متصاعدة. عبر المشاعر والأحاسيس لقصص الحب التي تحيط بفضولها. حتي تبدأ حرب أكتوبر يوم 6 أكتوبر. حيث قامت القوات الجوية بتوجيه ضربة جوية مفاجئة في الساعة الثانية ظهرًا.
تنتقل أحدات الرواية إلي مستوي جديد تمامًا من الأداء. فقد تغيرت النفوس تغيرًا حاسمًا منذ لحظة اندلاع القتال. تلك اللحظات التي نجح في تصويرها الأديب علاء مصطفي إلي حد كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.