كان معرض القاهرة الدولي للكتاب بالنسبة لي، ولكل عاشق للكتب في مصر عيدًا حقيقًا، انتظر موعده كل عام بشغف وترقب، وأتطلع إلي الجديد والجذاب من العناوين التي يتنافس الناشرون المصريون والعرب في عرضها، كما أشارك كلما أمكن في بعض الفعاليات الثقافية سواء الندوات وحفلات توقيع الكتب التي أحرص علي اقتنائها ممهورة بتوقيعات كتابها وأغلبهم من الأصدقاء. يقام المعرض هذا العام لأول مرة في مكان جديد هو أرض المعارض بالتجمع الخامس، ويتصادف أن يأتي مواكبًا لاحتفال مصر باليوبيل الذهبي لتأسيسه (1969-2019). بدأت الفكرة قبل خمسين عاما في رأس المفكر القدير الدكتور ثروت عكاشة حيث كان الاحتفال بألفية القاهرة، ورأي مفكرنا الجليل أن الاحتفال الثقافي بتلك المناسبة الفريدة يجب أن يتصدر كافة الاحتفالات، فكلف الدكتورة سهير القلماوي بتأسيس معرض دولي للكتاب، وبالفعل انطلقت الدورة الأولي للمعرض في يناير 1969 وكان مكانه هو نفس موقع دار الأوبرا المصرية الآن، وشهدت دورات المعرض حضورًا مكثفًا وقويًا لكل رموز الثقافة في مصر والوطن العربي، وكذلك نجوم الأدب والكتابة في العالم أجمع. كما تطور مع السنين ليصبح ثاني أكبر معرض كتاب دولي في العالم بعد معرض فرانكفورت للكتاب. وترأسه العديد من الشخصيات الثقافية البارزة بداية من الكاتبة القديرة الدكتورة سهير القلماوي، دكتور محمود الشنيطي، الكاتب القدير سعد الدين وهبه، صلاح عبد الصبور، الدكتور عز الدين إسماعيل، الدكتور سمير سرحان، الدكتور وحيد عبد المجيد، الدكتور ناصر الأنصاري، الدكتور محمد صابر عرب، الدكتور أحمد مجاهد، انتهاء بالدكتور هيثم الحاج علي المدير الحالي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ورئيس الهيئة العامة للكتاب. كانت الفترة التي تولي فيها الدكتور سمير سرحان هي الأطول بين الشخصيات التي تولت إدارة المعرض (1986-2004) أي ثمانية عشر عامًا، وللإنصاف، اتسمت تلك الفترة بالزخم الثقافي وشهدت حضورًا لشخصيات مهمة منهم الشعراء نزار قباني ومحمد الماغوط ومحمود درويش وسميح القاسم. والكاتب التنويري فرج فودة وأنيس منصور ويوسف إدريس وغيرهم من الكتاب والأدباء والشعراء العرب. وكانت ندوات هؤلاء النجوم في عالم الأدب والفكر تحظي بحضور جماهيري كبير خاصة من الشباب الذين وجدوا في هذا العرس الثقافي قبلتهم المنشودة. وتمضي السنون، لتتوالي رحلة معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتشهد إلغاء دورة 2011 بسبب أحداث يناير، ثم تعاود مسيرتها حتي تصل إلي محطة 2019. ما الجديد في معرض هذا العام؟ من هم أهم نجوم الأدب والفكر والثقافة الذين تمت دعوتهم ؟ ما هي العناوين العريضة للندوات والفاعليات الثقافية؟ هل يحضر أحد الأدباء الحاصلين علي نوبل للآداب كما حدث من قبل في دورات سابقة عندما أقام المعرض ندوات مهمة مع الأديبة الجنوب إفريقية نادين جودمير رحمها الله، والأديب التركي أورهان باموق، هل يستضيف أدباء عالميين كما استضاف في إحدي دوراته الأديب الإيطالي ألبرتو مورافيا. هل سيجدد معرض القاهرة الدولي للكتاب شبابه، ويستعيد سنوات مجده وألقه بعد الخمسين؟ سؤال سوف تجيبنا عليه الأيام القليلة القادمة مع الافتتاح الرسمي له والذي سيشهد حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لأول مرة، مستعيدًا لتقليد تعودنا عليه نحن الأدباء والمثقفين، هو الحوار المفتوح مع الرئيس، ومناقشة كل ما يدور في عقولنا من أجل مصر الجديدة كما نحلم بها ونتخيلها. أسعدني التحضيرات التي تجري علي قدم وساق من أجل جعل تلك الدورة الاستثنائية مميزة وناجحة وأهمها توفير خطوط أتوبيسات تنقل رواد المعرض منه وإليه من عدة نقاط حيوية في القاهرة وهذا من شأنه تسهيل معاناة الوصول إلي المعرض في موقعه الجديد بعدما اعتاد رواده علي المكان القديم بأرض المعارض في مدينة نصر. لكن ما لم يسعدني هو إلغاء "سور الأزبكية" بسبب وجود نسخ مزورة من الكتب الأصلية بين معروضاته وهذا ما نصت لائحة المعرض هذا العام علي منعه، لكن كان يمكن التنبيه علي بائعي الكتب بالقرار وتحذيرهم من عقاب المخالف، بدلًا من إلغائه كلية. كل سنة ومعرضنا بخير وصحة وشباب دائم.