«الوطنية للانتخابات» لرؤساء اللجان: لا إعلان لنتائج الفرز.. وإبلاغ المرشحين بالحصر العددي فقط    «الأوقاف» تعرض فيديوهات «صحح مفاهيمك» على شاشات المترو والقطار الكهربائي بالتعاون مع «النقل»    انتخابات مجلس النواب 2025.. «عمليات العدل»: رصدنا بعض المخالفات في اليوم الثاني من التوصيت    «فتحي» يبحث آليات الترويج السياحي المشترك بين مصر وألبانيا    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    بتوجيهات من السيسي.. وزير الخارجية يلتقي رئيس مجلس السيادة السوداني (تفاصيل)    الهلال السعودي يقترب من تمديد عقدي روبن نيفيز وكوليبالي    بورفؤاد يهزم منتخب السويس.. و«جي» يسقط أمام دياموند بدوري القسم الثاني «ب»    خالد الغندور يدافع عن بيزيرا.. ويرفض مقارنة بما حدث من زيزو    «رجال يد الأهلي» يواصل الاستعداد للسوبر المصري    استقرار الحالة الصحية لمصابي حادث انهيار سقف مصنع المحلة    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو «بلطجة» العاشر من رمضان: «مفبرك وخلافات جيرة وراء الواقعة»    الشرطة تساعد المسنين للإدلاء بصوتهم في الانتخابات البرلمانية ببني سويف.. صور    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    مصرع نجل مرشح بانتخابات مجلس النواب وابن شقيقته في حادث مروري بمرسى علم    «مبروك صديقتي الغالية».. وزيرة التضامن تُهنئ يسرا بعد حصولها على «جوقة الشرف» من فرنسا    تقنيات جديدة.. المخرج محمد حمدي يكشف تفاصيل ومفاجآت حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ال46| خاص    «مسائل الفقه التراثي الافتراضية في العصر الحديث» في ندوة بأكاديمية الأزهر    مفوضية الانتخابات العراقية: 24% نسبة المشاركة حتى منتصف النهار    «هيستدرجوك لحد ما يعرفوا سرك».. 4 أبراج فضولية بطبعها    وزير الصحة يبحث مع «مالتي كير فارما» الإيطالية و«هيئة الدواء» و«جيبتو فارما» سبل التعاون في علاج الأمراض النادرة    «هيجهز في يوم».. طريقة سريعة لتخليل اللفت في المنزل بخطوات بسيطة    الأزهر للفتوي: إخفاء عيوب السلع أكلٌ للمال بالباطل.. وللمشتري رد السلعة أو خصم قيمة العيب    "الزراعة" تستعرض أنشطة المركزي لمتبقيات المبيدات خلال أكتوبر    التعليم العالي: تعيين الدكتور أحمد راغب نائبًا لرئيس الاتحاد الرياضي للجامعات والمعاهد العليا    علي ماهر: فخور بانضمام سباعي سيراميكا للمنتخبات الوطنية    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    بعد الأزمة الصحية لمحمد صبحي.. شقيقه: وزير الصحة تواصل مع أبنائه لمتابعة حالته (خاص)    شاب ينهي حياة والدته بطلق ناري في الوجة بشبرالخيمة    دار الافتاء توضح كيفية حساب الزكاة على المال المستثمر في الأسهم في البورصة    صدام بين ترامب وحليفته الجمهورية "مارجوري تايلور جرين" بعد زيارة الرئيس السوري للبيت الأبيض    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    الرئيس السيسي يوجه بمتابعة الحالة الصحية للفنان محمد صبحي    الجيش السودانى يتقدم نحو دارفور والدعم السريع يحشد للهجوم على بابنوسة    إصابة 16 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق القاهرة–أسيوط الغربي بالقرب من دهشور    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    إدارة التعليم بمكة المكرمة تطلق مسابقة القرآن الكريم لعام 1447ه    البورصة المصرية تخسر 2.8 مليار جنيه بختام تعاملات الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    أوباميكانو: هذا الثلاثي أسهم في نجاحي    وزارة التعليم تحدد ضوابط زيارة الرحلات المدرسية للمواقع الأثرية    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    "إنتلسيا" توقّع مذكرة تفاهم مع «إيتيدا» وتتعهد بمضاعفة كوادرها في مصر    ياسر إبراهيم: تمنيت مواجهة بيراميدز لتعويض خسارتنا في الدوري    وفد من جامعة الدول العربية يتفقد لجان انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    «رحل الجسد وبقي الأثر».. 21 عامًا على رحيل ياسر عرفات (بروفايل)    «العمل» تستجيب لاستغاثة فتاة من ذوي همم وتوفر لها وظيفة    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    غزة على رأس طاولة قمة الاتحاد الأوروبى وسيلاك.. دعوات لسلام شامل فى القطاع وتأكيد ضرورة تسهيل المساعدات الإنسانية.. إدانة جماعية للتصعيد العسكرى الإسرائيلى فى الضفة الغربية.. والأرجنتين تثير الانقسام    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    تأكيد مقتل 18 شخصا في الفلبين جراء الإعصار فونج - وونج    تحديد ملعب مباراة الجيش الملكي والأهلي في دوري أبطال أفريقيا    معلومات الوزراء: تحقيق هدف صافى الانبعاثات الصفرية يتطلب استثمارًا سنويًا 3.5 تريليون دولار    بسبب أحد المرشحين.. إيقاف لجنة فرعية في أبو النمرس لدقائق لتنظيم الناخبين    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    أحمد موسى يطالب إدارة المتحف المصري الكبير بإصدار مدونة سلوك: محدش يلمس الآثار ولا يقرب منها    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليقظة التلقائية
يوميات الأخبار
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 01 - 2019

فهم يسهرون الليل، لا ليصلوا أو يتلوا كتاب الله، وإنما ليشاهدوا التليفزيون، ويلعبوا بالنت، ويتعشوا ست مرات، ويدخنوا، ويتناولوا الشاي والقهوة، فإذا حان وقت الفجر تركوه لمن يصلونه
السبت:
النفس الطموح لا تحتاج إلي من يوقظ صاحبها، فهي التي توقظه، فيصحو من تلقاء نفسه، وقد ابتلينا بداء عضال، ليس له من دون الله كاشف، هو أن صار معظمنا في حاجة إلي من يوقظه، من أم أو أب، أو أخ، أو أخت، أو زوجة، أو صديق، أو منبه محمول، وغير محمول.
وتري الأم متلهفة، تصرخ في نفسها، ثم فيمن حولها قائلة: الولد أو البنت، لابد أن أوقظه مبكرا قبل ذهابه إلي الامتحان، وتضبط هي الأخري منبها، حتي لا تروح عليها نومة هي الأخري علي حد تعبيرها، فتحدث الكارثة، والكارثة أن تنام الموقظة كما ينام الواجب إيقاظه، يعني يذهب الجميع في نوم عميق، فيضيع الامتحان، ويضيع المستقبل، فانظر كيف ينام صاحب الامتحان، وكيف يكون نومه مظنة الاستمرار، ولا يستيقظ هو من تلقاء نفسه لأداء امتحانه، ومعظم الذين نوقظهم إن قاموا قاموا نائمين، ويمشون وهم نائمون، ولا يفيقون إلا بطلوع الروح كما نقول، ومن ثم يكون اداؤهم هابطا، وإنجازهم ضعيفا، ثم تراهم في سبيل تلك اليقظة يطلبون منبهات أخري من شرب قهوة، وتناول بعض الأقراص المعالجة للصداع، وتري الواحد منهم ينفخ، ويتبرم، ويحوقل، ويستغفر، ولا يدري ماذا جري له، وما سبب ما يعانيه، والسبب معروف، هو أنه لم يأخذ القسط الوافر أو المطلوب من النوم، حتي يفيق بشرا سويا.
وكأن الذين قال الله فيهم: »كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»‬ كأنهم كانوا لا يعملون، أو يذهبون إلي أعمالهم كسالي يعانون ما نعانيه إذا نمنا قليلا، وذهبنا إلي أعمالنا، كيف، ومنهم الصديق والفاروق وعبدالرحمن بن عوف، وغيرهم من المحسنين الذين كانوا مهرة في التجارة والزراعة، والجهاد في سبيل الله.
وقد تأملت طويلاً في تلك القضية، ورأيت أن هناك عللا وأسبابا أدت إلي ما نحن فيه، وأهمها أن هناك انفصاماً وانفصالاً بين المرء ونفسه، بمعني أن هناك سراً قد قضينا عليه، وهو حمل النفس علي الجد، والنفس إذا حملت علي الجد جدت، وإذا تركت لهواها ركنت، وجنحت، وهذا فيما أري تفسير قول الله تعالي: »‬‎وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَي النَّفْسَ عَنِ الْهَوَي فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَي».
إذا هناك وازع داخلي خفي يقوم علي أمر النفس يأمرها فتأتمر، وينهاها، فتنتهي، فقضينا نحن علي هذا الوازع، أو زعمناه ضربا من الفتنة وأحاديث الشياطين، فاستغفرنا الله منه، وتبرأنا إليه تعالي من أثره، فتركنا نفوسنا للمنبهات لننتشلها من كسادها وسباتها حتي تعمل قليلاً، ثم تعود إلي النوم، ألست تري الأم تقول لابنها الذي يود الاستمرار في فراشه: قم وانهض وأد الامتحان، ثم عد ونم ما شئت، تعده بالنوم حتي يقوم من النوم، أي لا تحزن علي فواته فبعد قليل تعود إليه، فهو حبيبك، وهدفك، ولن تفارق حبيبك إلا قليلاً، ولن يخيب هدفك.
هذا أمر، وهناك أمر آخر، هو أن اليقظة التلقائية إنما تكون لمن يستيقظ إلي ما يسعده، أي أن هناك حافزاً يربي في نفسه تلك اليقظة التلقائية، ألا تري أن من كان علي موعد مع حصاد زرع، كنا ليلة ضم القمح لا ننام إلا قليلاً ابتهاجاً بفجر الحصاد الذي كنا نرجوه أن يطلع مبكراً لننهض الي الحقل فنضم غلتنا، ونجني من ورائها جديد كسوتنا، ونجهز بالمال الوفير ابنتنا، ونسد إن كنا مدينين ديننا، ونوسع بيتنا، ونكرم جارتنا التي لا حقل عندها ولا قمح في مخزون دارها، ونخلي ارضنا لزرعة جديدة تبشر بخير جديد فإذا كان النائم سيصحو من نومه كل يعالج هما بهم، ويقابل من الكروب أعتي مما قابله في أمسه كان النوم خيراً له من اليقظة ومن ثم أقول إذا أردنا للأجيال يقظة تلقائية كان علينا أن نزرع لهم الأرض آمالاً حقيقية لا وهمية من أجلها يفيقون، وإليها يسعون.
كثرة الحديث عن النوم
الأحد:
ولابد أن يكون لكثرة الحديث عن النوم دلالة واضحة علي انتشاره وحبه، وما يترتب علي ذلك من كسل وخمول ، وتأخر، وتخلف ظاهر، فلان ابو النوم، والسنين الكاسدة فائدتها نومها، ونوم الظالم عبادة، وفلان نائم علي نفسه، والنوم سلطان لا يغلبه الجان، ومعذرة لم أرد عليك، فقد كنت نائما، إلي آخر قاموس النوم، وكذلك كثرة الأحلام بأضغاثها، وتخريفاتها، وبالرؤي الطيبة، ولو استطرد المرء ما يراه في نومه لظل يحدثنا حتي يموت أو نموت منه، يخرج من حلم إلي حلم، ومن رؤيا إلي رؤيا، ويقول لك: وقد تكرر ذلك الحلم، أو تكررت تلك الرؤي.
بينما نجد أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وصحابته الكرام كانت رؤاهم معدودة، لأن نومهم كان قليلا، بل إن سورة يوسف وهي بين أيدينا ليس فيها إلا رؤيا واحدة: »‬‎يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ» وفي آخر السورة والقصة، يقول عليه السلام لأبيه: »‬‎وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا» أي هي تلك الرؤيا اليتيمة التي رآها في صغره، وقصها علي أبيه، قد تحققت بعد عشرات السنين، كان خلالها يوسف عليها السلام في بيت العزيز يعمل، لأنه هو الذي اشتراه، ونصح لامرأته أن تكرم مثواه:»‬‎عَسَي أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا» وهيهات أن يكون يوسف عليه السلام نافعاً للعزيز وامرأته بكثرة نومه، وما يراه من عشرات الأحلام في نومه، وإنما يكون نافعاً بعمله، وعرقه، وجهده، وثمرته له ولهم، وبعد جلاء الفتنة، ونصر الله له اصطفاه الملك بعد أن قال له: »‬‎اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» ما قال له: اجعلني علي خزائن الأرض إن مناماتي لا تقع علي الارض، ومكن الله تعالي ليوسف في الأرض، يتبوأ منها حيث يشاء، صار وزيراً تحته فتيان يأتمرون بأمره حتي انتشل مصر من الضياع، وحفظ قوت أهليها، وصار كيل البعير كيلاً يسيراً، ومن ثم وجدناه يقول لأهله »‬‎ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» وذلك بعد أن زرعها وشق فيها الأنهار، وقد رأيت أنه عليه السلام لم يفسر ما رآه الملك تفسير من لا علاج عنده، وإنما فسر ما رآه مقترحا الحل، قال: »‬‎تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ» ثم قال: »‬‎ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ».
ومن ثم قال الملك ائتوني به، طلبه الملك لأنه ليس مجرد مفسر أحلام، وإنما لكونه عالماً ذا رأي وحكمه، وما كان أيسر أن يقول لمن سأله أن يفسر رؤيا الملك: سوف تزرعون سبع سنين دأبا، ثم يأتي من بعد ذلك سبع شدد يأكلن ما زرعتم، وينتهي الأمر، وعندئذ لا يسع الملك إلا أن يقول له: فأل الله ولا فألك أيها الرجل، أو يحكم بقتله لسوء عبارته، لكنه وجده صاحب رؤية، فاستدعاه واستخلصه لنفسه وزيراً علي خزائن الأرض، ولم يستخصله لنفسه مفسرا لأحلامه وما يراه في نومه، فهلا تدبرنا آيات ربنا، وتعلمنا منها ما ينفعنا، وهذا مقصد القرآن الكريم الذي من اجله انزله الله تعالي قرآنا يتلي إلي قيام الساعة، ويتعبد بتلاوته!
يقظة ما لها من ثمرة
الاثنين:
والمتأمل بدقة في أحوال المجتمع يجد ان هناك يقظة ما لها ثمرة، تلك اليقظة التي تتمني لاصحابها النوم، حتي يريحوا انفسهم، ويرحموا احوالهم واهليهم من تلك اليقظة المدمرة.
ومن تلك اليقظة يقظة اليائسين، الذين لا عمل لهم ينتظرهم في البكور الذي دعا النبي صلي الله عليه وسلم ربه تعالي ان يبارك لأمته فيه، فقال: اللهم بارك لأمتي في بكورها، فهم يسهرون الليل، لا ليصلوا أو يتلوا كتاب الله، أو يتفكروا في خلق السماوات والارض، وإنما ليشاهدوا التليفزيون، ويلعبوا بالنت، ويتعشوا ست مرات، ويدخنوا، ويتناولوا الشاي والقهوة، فإذا حان وقت الفجر تركوه لمن يصلونه، وانقلبوا في مضاجعهم نائمين نوما طويلا حتي يأتي المساء، فيعودوا سيرتهم كما هي في كل ليلة، ومثل هؤلاء يقولون: نحن ملوك الليل، أو الليل لنا.
ومن هؤلاء شباب يقضون الليل كله في الشارع يقفون تحت النوافذ والشرفات، وعلي النواصي، نواصي الشوارع والحارات، يفرقعون القهقهات، ويتبادلون أسوأ العبارات، ويضايقون الناس، ينغصون نوم المستريح الذي ينشد في النوم راحة وطاقة لينهض إلي رزق عياله في البكور، ويزعجون المرضي، والجادين من الطلاب في طلب العلم، الذين يعكفون علي كتبهم، وينشدون هدوءا هو سبيلهم الي الحفظ والتركيز، والناس في ردعهم متحفظون يخشون سوء ردهم، فيسكتون، لما رأوا منهم في الذي هب فيهم ناصحا، أو مبكتا، أو معنفا، يقول له قائلهم: نحن واقفون تحت عمارتنا، أي تحت عمارة لأهليهم فيها شقة، لكنهم رأوا أنها عمارتهم وحدهم، لا يشاركهم فيها أحد غيرهم، وهات يا سوء رد، وصياح، فيدخل المسكين كاظما غيظه شاكيا الي الله همه، داعيا عليهم، أو يرتكب ما فعله استاذ جامعي بسوهاج منذ سنوات، حين أطلق عليهم الرصاص وقتل أحدهم، وضاع بذلك مستقبل ابنائه، وطلابه ايضا، لم يضبط الرجل اعصابه اثر هذا الازعاج المتكرر المستمر المستفز تحت شرفته، فأصبح قاتلا، ولو وجد رجل غيور علي الحرمات والمعاني من يناصره، ولو خمسة من جيرانه ينكرون هذا السلوك البغيض لآتت النصحية ثمرتها، ولعلم هؤلاء المزعجون أن المجتمع، كله يرفض هذا السلوك ولا طاقة لهم بمدافعة المجتمع لكن هذا الذي خرج عليهم بمفرده يعدونه شاذا، بدليل انهم يقولون له صراحة لا تلميحا: انت الذي مفوض بالكلام وحدك، وكل الناس عنا راضون!
ومن هؤلاء المستيقظين يقظة غير مثمرة عشاق المحمول الذين يقضون معظم ليلهم في المهاتفات، ولو تأملنا ما فيها لوجدناه صفرا، هو كما نقول: مجرد رغي والسلام، ساعات طويلة يعدها بعضهم نوعا من الاهتمام بالمتصل به، كالتي يتصل بها زوجها المسافر كل ليلة من الدولة التي سافر إليها ليشقي ويعود بثمرة شقائه كي يبني لها ولصغارها بيتا، أو ينشيء مشروعا يلم به شملهم، تقول لي كثيرات: زوجي لا يتصل بي الا كل اسبوع مرة، ولا يقول لي إلا ما اخباركم وتنتهي المكالمة بينما اختي يتصل بها زوجها في كل ليلة، يحكي معها ويسامرها ويغازلها ويحكي لها تفاصيل يومه وليلته، ولمثل الشاكية أقول: ارحمي زوجك من رغي لا يفيد وشجعيه علي الحرص علي عمله، حتي ينجح في تحصيل الهدف الذي من أجله سافر، واغترب، ولو ان زوج اختك كان يتصل بها بمكالمة مكلفة لاقتصر واختصر، وانما دعته الي التطويل برامج شبه مجانية، واخري مجانية، وعلي تلك المجانية اللعنة لانها سبب في اللعنة من ضياع الجهد والوقت والسهر دون فائدة.
ومن هؤلاء الساهرين المرضي الذين تحملهم الاوجاع والآلام علي اليقظة، اذا هدأت قليلا ناموا، وكلما عادت تلك الآلام أيقظتهم، وهؤلاء نسأل الله لهم الشفاء العاجل، حتي يستردوا صحتهم، وعافيتهم، ويعودوا إلي أعمالهم فوطنهم في حاجة الي تلك الاعمال، إذ بها يسترد عافيته أيضا، فترتفع رايته، ويعلو شأنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.