ليست المرة الأولي التي أزور فيها دولة مصر العظيمة ولكن هذه المرة كان لها نكهة مختلفة، حيث وافقت الزيارة ليلة رأس السنة الميلادية، وعند نزولي من الطائرة في تمام الساعة التاسعة صباحًا كان الجو غائمًا والطقس باردًا وكل ما حولك يشعرك بالبرودة إلا ابتسامات المصريين الدافئة، وكلماتهم الطيبة، حتي يخجلوك بكرم استقبالهم وحسن ضيافتهم. تجاوزنا الإجراءات الرسمية للدخول، وانطلقت مع سائق التاكسي يحدثني عن كل شيء بفهم بسيط وروح وطنية عميقة، علي صوت أم كلثوم تشدو »انت عمري» في الراديو سألت السائق كيف أحوالكم؟ قال لي: الحمد لله ماشية للأحسن، هذا الرجل لا يقرأ الأرقام الاقتصادية ولا يعلم عن الناتج القومي ومعدلات النمو ولكنه يلمس الفرق في مشاريع البنية التحتية، قلت له نعم مصر ماشية للأفضل من واقع الأرقام الاقتصادية ومعدلات النمو، لقد تجاوزتم الكارثة والآن أنتم في طريق البناء. دلفنا إلي الفندق لتستقبلنا شجرة عيد الميلاد الضخمة في مظهر تعايش جميل والسياح من كل الدول يلتقطون الصور وموسيقي أعياد الميلاد تملأ المكان، قلت في نفسي هذا التعايش لا يليق إلا بمصر الحضارة ومصر العراقة التي لم تقبل أن تلوثها موجات الإسلام السياسي، ولا أي أصولية مهما كان مصدرها فمصر لا يمكن إلا أن تكون متعددة متنوعة ثرية قوية. في صباح اليوم التالي كنت علي موعد مع صديق عزيز ذي شخصية غاية في النبل والوطنية، إنه الأستاذ خالد ميري رئيس تحرير هذه الصحيفة العريقة وهو غني عن التعريف ومن رجال الإعلام والثقافة الراسخين في الوطنية، التقيته وتحدثنا حديثا لا يخلو من النخبوية، تحدثنا عن السعودية ومصر عن جناحي العرب، وكيف أننا في السعودية نضع أيدينا علي قلوبنا عندما تتعرض مصر لأي أزمة، وتحدثنا عن المؤامرات التي تحاك ضد البلدين، كان حديثه ماتعًا عميقًا وحديثًا مسئولًا للغاية، كان ممتنًا لهذه الزيارة وكنت ممتنًا لاستقباله الرائع، اتفقنا علي أهمية العلاقات المباشرة بين المثقفين والكتاب من كلا البلدين بعيدًا عن الإطار الرسمي، وضرورة أن يسمع كل منا صوت الآخر وكان هذا المقال هو الخطوة الأولي علي هذا الطريق بدعوة كريمة منه. ليست هي المرة الأولي التي أزور فيها مصر وليست الأخيرة ولكنني في كل مرة أري جانبًا مختلفًا لمصر العروبة ومصر العراقة، ولايزال هنالك ما يري في كل مرة، حفظ الله مصر وأهل مصر. وإلي لقاء قادم بإذن الله. • الكاتب من المملكة السعودية