سلماوي فى محاضرته بمكتبة ديوان بالزمالك ألقي الكاتب محمد سلماوي محاضرة عن نجيب محفوظ وذلك احتفالًا بمرور 30 عامًا علي فوزه بجائزة نوبل، حيث تبع الندوة حفل توقيع لمؤلفات سلماوي عن محفوظ ومنها كتابه »عن حضرة نجيب محفوظ» وهو صادر عن الدار المصرية اللبنانية عام 2011، والذي يسجل فيه بعضًا من ذكرياته التي عايشها مع نجيب محفوظ في حياتهِ وحتي وفاته في 31 أغسطس 2006. في البداية أشاد سلماوي بالكاتب نجيب محفوظ واصفًا إياه بأنه كان شخصًا دمث الخلق وأنه كان صاحب كلمة ورأي حر، بعكس ما يطلقه البعض مؤخرًا عن محفوظ ويصفه بأنه كان شخصًا جبانًا، ووصف محفوظ بأنه كان شجاعًا، واستشهد بعدة وقائع تنفي هذه الصفة، منها رواية »ثرثرة فوق النيل» التي انتقد فيها نجيب الأوضاع السياسية السائدة، خاصةً الحزب الاشتراكي وأصحاب السلطة حينها، وأضاف أنه بسبب هذهِ الرواية أصدر المشير عبد الحكيم عامر أمرًا مباشرًا بالقبض عليهِ، لكن عبد الناصر أمرهُ بالتراجع، وأمر المشير عبد الحكيم عامر حينها أن تتراجع القوة المعنية بالقبض علي محفوظ وحينما علم محفوظ بالواقعة أصدر رواية »ميرامار» التي تعتبر أسوأ من الرواية الأولي من ناحية النقد، حيث انتقد سياسات الحزب الاشتراكي وانتهازية بعض قياداته بشكل صريح ومباشر. وأضاف أن هذه الأفعال لا تأتي إلا من خلال شخص جريء وشجاع، فهو لم يشارك في أي مظاهرات ولم يرفع لافتات كما يفعل البعض، لكن، كان سلاحه هو قلمه فقد كان يكتب ما يشاء، وأضاف أن مفهوم الشجاعة لا يعني أن نثور في الشوارع، فرب كلمة من كاتب كبير أو جملة في رواية تهز أركان نظام سياسي أكثر من رفع اللافتات والنزول إلي المظاهرات. وأشار إلي أن الكاتبة التي وصفته بهذا الأمر مخطئة تمامًا لأنه كان يمتلك عزة النفس والتواضع، ويعتز اعتزازًا كبيرًا برأيهِ، وقد ذكر واقعة أخري، عندما أعلن عن فوز محفوظ بجائزة نوبل ورشح سلماوي للسفر لإلقاء الكلمة رفض ذلك بعض الكتاب باعتبار أن الجائزة لا تخص محفوظ وحدهُ بل تخص مصر بأكملها، وعندما اختار نجيب محفوظ سلماوي لينوب عنهُ في تسلم الجائزة، نُشر حينها في الجرائد أن مؤسسة الرئاسة ستتدخل وسترسل شخصًا بديلًا لسلماوي يمثل مصر باعتبارها جائزة لا تخص محفوظ فقط بل هي جائزة تمثل الشعب المصري بأجمعهِ، وعندما أراد سلماوي رفع الحرج عن نجيب محفوظ ذهب إليه بمكتبه بجريدة الأهرام واعتذر عن الذهاب لتسلُّم الجائزة، قال له »أنت بتتخلي عني يا أستاذ محمد؟» فأخبره سلماوي حينها بما قرأه حول أن الرئاسة ستتدخل في الأمر، حينها رد عليهِ محفوظ قائلا »ده رئيس جمهورية، إن كان عايز يختار يختار، بس أنا اخترت!». فهذا درس يدل علي أن الشخص من الممكن أن يصبح صاحب كلمة ورأي بدون استخدام الصوت العالي وهذا ما كان يفعله محفوظ دائمًا. وأردف قائلًا بأن محفوظ كان يجسد كل الصفات الحميدة في الشخصية المصرية، ومنها عزة النفس والثقة في النفس كذلك روح الدعابة والتواضع الشديد مع الآخرين. ومن تلك المواقف التي تدل علي تواضعه أنه بعدما فاز بجائزة نوبل جاء التليفزيون الألماني إلي مصر في فندق شهرزاد القريب من بيت محفوظ، وكان يصحبه سلماوي، وفي طريقه إلي الفندق سمع حارس عقار يحييه، عندها رجع محفوظ وذهب إليه ورد لهُ التحية، بعد تلك الواقعة سأله سلماوي عن سبب رجوعه رغم أنهم كانوا متأخرين عن موعدهم، رد عليه محفوظ بأن هؤلاء هم من أعطوه نوبل لأنهم لولا اهتمامهم به وحبهم له لما أخذ نوبل وقال أنا مدين لهؤلاء بالكثير. وأضاف بأن تعامله مع رئيس الجمهورية ومع حارس العقار يدل علي أنه شخص دمث الخلق، فالجرأة ليست بالصوت العالي أبدًا بل علي العكس، المواقف الصارخة دائمًا ما تخفي عكسها. ورد سلماوي أيضًا علي من يتهمون محفوظ بأنه لم يكن يؤمن بالعروبة وذلك لأن رواياته لم تكن تتطرق لقضايا عربية وقومية، وقال إنه صحيح أن نجيب كان يكتب عن الحواري والأزقة لكنه كان صاحب رسالة كونية يستطيع القارئ في جميع أنحاء العالم أن يستنتج فكره من هذه الحارة الصغيرة. وأضاف أنه حينما سأل محفوظ عن الوحدة العربية أجابه: »عن أي وحدة تتحدث؟ إن كنت تتحدث عن الوحدة السياسية فدونها الأهوال، وإن كنت تتحدث عن الوحدة الاقتصادية، فهي تحتاج إلي إعداد جيد لسنوات، أما إذا كنت تتحدث عن الوحدة الثقافية فهي متحققة بالفعل». وأضاف أن الدليل علي عروبة محفوظ أنه كان مؤيدًا للقضية الفلسطينية بعكس ما يزعم البعض أيضًا بأنه كان مؤيدًا لكامب ديفيد، ورد علي هذه المزاعم بأن كامب ديفيد كانت في 1979 ونجيب فاز بنوبل عام 1988 أي بعد 10 سنوات تقريبًا من الاتفاقية. وأيضًا طلب منه محفوظ أن يلقي خطاب نوبل باللغة العربية أولًا أمام الحضور وقال له: آن الأوان أن يسمع جرس اللغة العربية داخل أروقة الأكاديمية السويدية العتيقة. وهذه الكلمة قال محفوظ خلالها: أنا ابن حضارتين؛ الحضارة المصرية القديمة، والحضارة العربية الإسلامية. كما طالب خلال كلمته بحق الشعب الفلسطيني بأن تكون لهُ دولة علي الرغم من انتشار اللوبي داخل أوروبا. وقال سلماوي إن هذه الأحداث تدل علي أنه رجل كان له موقف ورأي ولم يكن مُهادنًا لسلطة، وأضاف أن من يقولون ذلك ظلموا الرجل واتخذوا من دماثة خلقه وتواضعه معني يختلف كليًا عن صلابته الداخلية، فمثل هذا الرجل لا يعوض أبدًا. وحول سؤال أحد الحضور عن موقف نجيب محفوظ من دكتور يوسف إدريس أجاب سلماوي بأن يوسف إدريس كاتب عبقري ويتفوق علي نجيب محفوظ في القصة القصيرة لكن محفوظ يتفوق عليه في الرواية، والدليل أن توفيق الحكيم الذي كان يعتبره محفوظ أستاذًا لهُ، كتب في إحدي الاهداءات إلي أستاذ نجيب محفوظ الذي تركنا لهُ بناء الرواية العربية في الدور الأول، فأضاف لها أدوارًا شاهقة. وأكمل حديثه بأن الرواية العربية قبل محفوظ تختلف عن الرواية العربية بعده، لكن ما حدث بين يوسف إدريس ومحفوظ هو أن أحد الأفراد أبلغ يوسف إدريس بأنه قد تم ترشيحه في هذا العام لنيل الجائزة، وكانت قناعة يوسف إدريس بأنه الشخص المرشح، لكنه تفاجأ بشخص آخر يستلم الجائزة، فانفعل وقال إن السبب في عدم حصوله علي الجائزة هو معارضته لكامب ديفيد وربطها بأنها لأسباب سياسية، وأكمل سلماوي أن إدريس تحدث مع محفوظ وقال له : »يا أستاذ نجيب الكلام اللي بلغك علي لساني أنا مقولتوش». فرد عليه محفوظ وقال لهُ: وأنا مسمعتش حاجة. وبالتالي انتهي الخلاف واقتنع يوسف إدريس بأحقية محفوظ بالجائزة وحول مشهد جنازة نجيب محفوظ قال سلماوي إن الأزهر الذي هاجمهُ في حياته بسبب أولاد حارتنا، عندما توفي وقف شيخ الأزهر بمسجد الحسين ووصف محفوظ بأنه هرم مصر الرابع. وأشاد بكتاب الزميل الصحفي محمد شعير »أولاد حارتنا سيرة الرواية المحرمة» الذي وصف مشهد جنازة نجيب محفوظ بشكل دقيق. كما أجاب علي سؤال أخبار الأدب حول المخطوط الأصلي لرواية أولاد حارتنا واختفائه، خاصة أن البعض يقول إن اختفاءه كان متعمدًا من البعض فقال: صحيح أن هذا الأمر حدث، لكن أعتقد أنه غير متعمد أبدًا لأن ذلك كان يحدث مع أغلب الروايات والمقالات التي نسلمها للمطبعة وتقوم هي بدورها بالطبع ولا يلتفت مرةً أخري للنص الأصلي، فربما أعجب شخص بخط نجيب محفوظ وأخذه وربما تاه وسط الأروقة. وفي نهاية الندوة قال سلماوي إنهُ مازال يفتقد محفوظ بشكل كبير جدًا.