في بلد يحتفي بالنكته... كيف أستطاع عفت أن يرسم بدون كلام؟ البداية كانت صعبة.. ومفيش حد عايز يفهمني.. حتي بيكار العظيم كان بيقول (الولد ده.. مالوش كتالوج)... كنت حاسس أني مش زي أي حد من الكبار في عالم الكاريكاتير.. ومع احترامي لجاهين وحجازي ومصطفي حسين.. لكن أنا كنت عايز أرسم من غير بالونة الكلام.. وأعبر بالرسم فقط... وده أخد وقت طويل في مصر وشعرت أنني غريب عن هذا العالم الملئ بالنكت.. وأغلقت في وجهي أبواب كثيرة.. لكن يشاء القدر أن يكون ذلك دافعا لي للاتجاة إلي العالم... ونشر رسومي في جرائد ومجلات عالمية وحصولي علي عدة جوائز علي مستوي العالم. عملت مع الفنان الراحل مصطفي حسين في مؤسسة صحفية واحدة.. هل كان ذلك لصالحك أم ضدك؟ مصطفي حسين فنان فذ بشهادة أستاذنا كلنا بيكار.. وكل المبدعين المعاصرين.. ففي كل مجال طرقه مصطفي كان مبدعا علي أعلي مستوي.. وكان بيننا مناوشات لها علاقة بحماسة الشباب ومحاولة اثبات الذات واحيانا بدافع الغيرة.. وكان هو يرسم وأحمد رجب يكتب له الأفكار.. بينما أنا رفضت أن يكتب أحد أفكاري... أريد أن أرسم بدون كلام... وكان هذا جديدا وغريبا وأمرا صعبا أن توافق عليه مؤسسة أخبار اليوم.. اعتادت علي هذا النظام منذ بدايتها مع عمنا رخا وصاروخان ومصطفي حسين... ولهذا كان الأمر بالنسبة لي يمثل تحديا خاصا.. ومر وقت طويل عصيب... حتي اتصل بي مصطفي حسين ليسألني عن الجوائز العالمية التي حصلت عليها.. كما انه لم يكن يتخيل أن هناك أحدا من مصر ممكن أن يكون مشهورا علي مستوي العالم غيره... والحقيقة لو أن مصطفي حسين أهتم بالأشتراك في المسابقات العالمية وأعطي بعضا من وقته لإهداء المتاحف العالمية بعضا من فنه لكان له شأن اخر علي مستوي العالم لأنه يستحق ذلك بالتأكيد. - كيف كانت طفولتك؟ طفل صغير يشتري من مصروفه مجلة سندباد وكان يرسم غلافها الفنان بيكار في الخمسينات.. وكراسة رسم.. المتعة الوحيدة لي هي الرسم.. أرسم البياعين في الشارع.. وكانت أمي هي أول مشاهدة لأعمالي وكانت تشجعني.. وحريصه علي أن تقرأ كتبا وتحكيها لي... وفي المرحلة الإعدادية حصلت علي الدرجة النهائية 20من 20.. والمكافأة كانت شيكا بخمسة جنيهات.. كان مبلغا عظيما وقتها.. ثروة لطفل صغير.. اكتشف موهبتي ابن خالي مجدي رزق وكان يعمل مهندسا للديكور كنت أجلس إلي جواره وهو يرسم ويصمم الديكورات وكان يعطيني الخامات كي امارس الفن.. كما التحقت في بيت الريادة.. مجموعة مواهب من شمال القاهرة في المرحلة الثانوية... رسم وموسيقي ونحت.. كانت أياما يحتفي فيها المجتمع بالفن والفنانين... وكانت أحلامنا كبيرة وطموحتنا أكبر. أهم المسرحيات التي قمت بعمل ديكورات لها؟ اشتركت مع ابن خالي مجدي رزق في مسرحية زواج علي ورقة طلاق بطولة سهير المرشدي وكرم مطاوع.. ومسرحية (مقالب اسكابان) لموليير وكانت أول مسرحية من تصميمي وتنفيذي.. وكنت لازالت طالبا في المعهد.. ومسرحية (نيوهاملت) للمؤلف توم استوبر و(دنيا المصالح) مع المخرجة الدكتورة ليلي ابوسيف. في بهو وكالة الغورية. ما الثقافة التي شكلت وجدان الفنان عفت؟ أثر في وجداني سلامة موسي لا أنسي عنوان كتابه (كيف نربي أنفسنا)... الروائي العالمي نجيب محفوظ.. أنيس منصور... نعمان عاشور... أم كلثوم.. خصوصا أغنية (الأوله في الغرام) و(الأطلال) سمعت عبد الحليم حافظ وأنا في عمر السبع سنوات يغني (علي قد الشوك) في فرح علي سطوح جيرانا في شبرا.. في السينما عمر الشريف وفاتن حمامة.. ويوسف شاهين وحسن الامام.. صوت الشيخ طه الفشني.. الشيخ محمد رفعت... وصالح سليم وفرقته.. ولا أنسي حسين بيكار.. أول من جعلني أعشق الفن هو وابن خالي مجدي رزق. هل فكرت يوما ما في الهجرة حتي تحقق أحلامك؟ لم أفكر في ذلك مطلقا, لكني كنت أريد ان أكمل تعليمي العالي.. بعد أن رفض المعهد العالي للفنون المسرحية تعييني معيدا به رغم حصولي علي الأمتياز.. فقررت السفر إلي فرنسا ولم أستطع أن أمكث بها أكثر من ثلاثة شهور تقريبا.. فقد التحقت بمعهد تعليم اللغة الفرنسية.. لم أستطع التكملة بسبب المصاريف والإقامة.. ثلاثة شهور آكل بطاطس... عند ميعاد الغداء.. كان معي صديق اسمه عاطف عبد الغفار.. اسأله تاكل ايه يا عاطف بيه... يضحك ويقول عايز بانيه.. أقوم أنا وأقطع البطاطس وأقليها.. ثم نأكل سويا البطاطس علي أنها بانيه.. في اليوم التالي يسألني تاكل ايه يا عفت بيه.. أقول له أريد بوفتيك.. يقوم هو ويسلق البطاطس ويقدمها لي علي أنها بوفتيك وكنا نضحك سويا.. ونحلم أن يتحول الحلم إلي بوفتيك حقيقي.... بعد فرنسا رجعت مصر.. وعندما لم يتم تعييني في الأخبار ذهبت إلي الجيش لمدة سنة ونصف.. وعندما انتهيت من الخدمة العسكرية ذهبت إلي المانيا وهناك... دخلت معهد ليلي لتعلم اللغة الألمانية.. وحدث نفس الأمر لم أستطع أن أكمل الدراسة لعدم توافر المصاريف.. وكنت أحصل عليها من بيع لوحاتي هناك.. الا أن الحظ لم يحالفني.. وكأنني فان جوخ المصري.. وهناك شعرت باكتئاب حاد واحساس بالحنين للوطن فرجعت مرة أخري. لماذا اختار الفنان عفت أن يعيش وحيدا؟ أنت عايز تقول لماذا لم أتزوج.. ههههه... أنت مالك.. حياتي وأنا حر فيها.... لم اختر أن أعيش بدون زواج.. لقد مر الوقت وأنا أبحث عن الأفضل.. أبحث عن أمي لكنني لم أجد المرأة التي تثير اهتمامي أو تأخذني من هذا العالم الساحر الساخر الذي عشت فيه برغبتي وبكل كياني.. تصدق أنا ممكن أتفرج علي كتاب للكاريكاتير أسبوع كامل.. لا اشعر بالملل لكن بسعادة الصوفي الذي يريد ان يصل للحقيقة... اللوحة الكاريكاتورية وجبة كاملة ثقافة ووعي وجهة نظر في الحياة والعالم... وأنا عندي مكتبة لأهم رسامي الكاريكاتير.. أعيش معهم وبينهم.. ولا أشعر ابدا أنني وحيد رغم كلامك الجميل إلا أنني عرفت بحكم صداقتي معك أنك تذهب لطبيب نفسي؟ رغم أن ده موضوع خاص جداااا.. لكن......... انا فعلا أذهب لطبيب نفسي مثل كل المبدعين اللي في الدنيا.. مطربين أوكتاب أوممثلين ورجال سياسة.. عندما ذهبت للطبيب قال لي أنت زي صلاح جاهين.. أحاسيسك عاملة زي سلك الكهربا العريان.. عايز كل شئ صح في بلد كل شئ فيه غلط... جلدك حساس وانت محتاج جلد فيل علشان تعرف تعيش... وفعلا باخد دوا علشان أتحول لفيل لكن مفيش فايدة.. هههههههههههههههه. من أين يأتي الفنان عفت بشخوص رسوماته الكاريكاتورية؟ أنا خريج فنون مسرحية قسم ديكور 1976.. تقدير امتياز مع مرتبة الشرف.. وكانت دفعتي الفنانة تيسير فهمي.. والفنان نبيل نورالدين والممثل رياض الخولي. وقمت بعمل العديد من المسرحيات.. وأعتبر نفسي قارئا نهم لكل الأعمال المسرحية لشكسبير وموليير وشخوص هذه الأعمال جزء من عالمي.. كما أنني أراقب الناس طول الوقت وأتعلم من ردود أفعالهم.. ولدي عالم خيالي من حكايات أمي يملأ وجداني... الأهم أنني من سكان شبرا وشبرا هذه ليست منطقة ولكنها قارة وأنا كريستوفر كولمبوس... أقرأ الملامح وأعرف أحاسيس الناس ومكنون مشاعرهم من نظرة، وأضع في ذاكرتي البصرية هذا المخزون واستعيده عند الحاجة. لماذا اتجهت في المرحلة الأخيرة للفن التشكيلي؟ رسام الكاريكاتير الجيد يجب ان يكون فنانا تشكيليا.. لكن أنا لا أرسم لوحات تشكيلية أنا ارسم كاريكاتيرا بحس تشكيلي.. هناك اهتمام بالكتلة والفراغ.. بتوزيع اللون والهارموني داخل العمل.. لكن هناك دائما فكرة كاريكاتورية... ولأنني اعشق الموسيقي أتجهت إلي عمل لوحات من وحي طفولتي.. أرسم الأفراح.. سبوع المولود.. فرقة حسب الله.. المطربين القدامي.. والتخت الشرقي بائع العرقسوس.... ولقد شاركت في أكثر من معرض بقاعة آرت كورنر في الزمالك مع الفنان النحات جلال جمعة... أيضا في قاعة بيكاسو مع الفنان محمد حاكم وجورج البهجوري .. في لوحاتي سوف تري مصر الجميلة الساحرة لكن بعيون عفت الطفولية.... كما أرسم أحلامي وعالمي الخيالي والدنيا التي أحلم بها.. كما أرسم الأمل. لأننا في لحظة صعبة من عمر الوطن ويجب أن نحتفي بالغد لأنه الأمل الوحيد للأصرار علي البقاء... كما أنني أقول أننا دولة عمرها 7000 سنه... يمكن أن تمرض لكنها أبدا لا تموت. ماذا يمثل لك لقب رئيس اتحاد منظمات الكاريكاتير العالمية (فيكو) فرع مصر؟ يمثل نقله للكاريكاتير المصري نحوالعالمية.. ولقد استطعت أن أنقل أصدقائي المبدعين للمشاركة في المسابقات الدولية واستطاعوا في وقت قصير أن يثبتوا وجودهم علي الساحة العالمية.. الاحتكاك والاشتراك في المعارض.. والملتقيات الدولية.. وربما أشعر بالنجاح عندما أشاهد نجاح الملتقي الدولي للكاريكاتير الذي ينظمه تلميذي وصديقي فوزي مرسي ومعه مجموعة كبيرة من المبدعين في مصر. من هم أصدقاء عفت الذي يسمح لهم بزيارته؟ نجيب محفوظ.. يوسف ادريس.. صلاح عبد الصبور.. عبد الرحمن الشرقاوي.. محمود السعدني... أحمد رجب... احسان عبد القدوس.. الشيخ الشعراوي.. وأبوالطيب المتنبي... الكتب فقط أهلا بها في شقتي غير ذلك غير مسموح لدخول أحد... أنا في حالة اعتكاف كامل وزاهد في الدنيا والناس.. وكما تري ليس هناك مروحة... ولا دش.. ولا محمول... سرير صغير ومكتبة كتب تملأ باقي الشقة وورق للرسم وألوان متعددة الخامات وألبوم صور لوالدي ووالدتي وأصدقاء طفولتي. أطالعه كل يوم قبل أن أنام فهم يسكنون معي في قلبي وعقلي. أهم نجاحات عفت في مؤسسة أخبار اليوم؟ كنت سكرتيرا لتحرير سلسلة كتاب اليوم... أكثر من 500 كتاب أشرفت عليها, أدخلت علي هذه الكتب الرسومات الكاريكاتورية المصورة... كنت أشعر أن الكتاب دون رسوم دمه ثقيل.. وبالفعل كانت الرسوم والإخراج الجديد والأغلفة المبهجة سببا في زيادة التوزيع. , وقد كانت هذه الكتب سببا في معرفتي بالمبدعين والكتاب عن قرب:جودة خليفة.. حسين بيكار... مصطفي حسين.. محمود السعدني.. مصطفي أمين... مصطفي محمود... عبد الرازق نوفل.. ماما لبني.. عبدالله أحمد عبدالله.. نعمان عاشور... الشيخ متولي الشعراوي.. , في أخبار اليوم كنت أرسم في صفحة الحوادث.. وصفحة 2 بالأخبار. وآخر ساعة الصفحة قبل الأخيرة... وكل الجوائز التي حصلت عليها مدين بها لمؤسسة أخبار اليوم. أيضا من الأشياء التي مجرد التفكير فيها يشعرني بالسعادة.. أنني كنت أحد المشاركين المؤسسين لجريدة أخبار الأدب مع الراحل جمال الغيطاني.. والتي فتحت لي افاقا جديدة للرسم والتفكير بشكل مختلف.. حيث استخدمت.. الريشة والورقة في أكثر من 1000 رسمة... وضعتها في كتاب بعنوان (القلم) وهو أول كتاب من نوعه في العالم أبيض وأسود في موضوع واحد.. نشره وكتب مقدمته الفنان تامر يوسف. كيف يذهب رسام الأخبار للعمل في الأهرام؟ عرض علي الفنان الكبير منير كنعان المستشار الفني لمجلة اخر ساعة.. حيث قال لي سناء البيسي سوف تصبح رئيسا لتحرير مجلة نصف الدنيا ولقد عرضت عليها أسماء 10 فنانين.. لكنها اختارت أسمك وقالت أريد أفكارا مجنونة وريشة مختلفة محلية بحس عالمي , وأنا مدين لها بالفضل.. أصبح لي جمهور جديد ينتظر مني كل أسبوع الجديد والمدهش.. وكانت المجلة أحد اسباب توهجي الفني في هذه الفترة.. وسناء البيسي التي كتبت هي وهو فكانت سعاد حسني وأحمد زكي... وأشعار وأغاني صلاح جاهين.. أحد اسباب محبتي للحياة.. ما هي أحلامك لفن الكاريكاتير؟ أتمني أن يكون الكاريكاتير في كتب تلاميذ الحضانة.. كتيبات في يد المحبين.. الموظفين.. هدايا أعياد الميلاد.. لوحات ارشادية للطرق... مواقع ساخرة ومجلات يصدرها شباب الجامعة للتعبير عن أحلامهم... برامج تليفزيونية... في بلد به 100 مليون ساخر يستحقون 1000 مجلة وموقع للكاريكاتير. ما الرسالة التي توجهها لرسامي الكاريكاتير الجدد؟ الثقافة ثم الثقافة.. لا يكفي أن تعرف أخبار العالم السياسية.. الأدب والإبداع يجعلك تعرف النفس البشرية وخباياها... لذلك أدعوهم للأهتمام بالمعرفة وتنمية قدراتهم في عالم لا يعترف بأنصاف الموهوبين. يجب أن تكون صديقا لكاتب كبير أوشاعر مهم تتابع أعمالهم بشغف أن تسمع موسيقي وتشاهد أفلاما ومسرحيات... أن تكون لك عين في مصر وعين علي العالم.. أن تنظر للأحداث من خلال عين الطائر لتري الحدث من كل اتجاه وتعيد صياغتة بوجهة نظرك. هل هناك أحلام جديدة؟ لا يمكن أن يعيش فنان بدون أحلام... وكلما يتقدم بك العمر تصبح أحلامك للآخرين.. أتمني لمصر الأمن والأمان والسلامة والاستقرار والتقدم والازدهار.. وللمواطن الطيب المطحون بعض البهجة لتعينه علي مواجهة الحياة. هل شاهدت الفنان عفت وهو يضحك ضحكته المجلجلة التي توارثها من الأباء الروحيين لفن الكاريكاتير.. تخرج الضحكة متوهجة فيها صوت صاروخان الأرمني وسانتيس الأسباني ورفقي التركي.. وأبونضارة.. وعمنا رخا وزهدي وعبد السميع وطوغان.. وصلاح جاهين.. لكن عندما يصمت عفت أويسرح تجد الحزن يتسرب إلي عينيه وكأنه طفل فقد أمه... حزن يخبئه عن الجميع فلا يظهر في رسومه المبهجة التي يلونها بالأمل والتفاؤل والتي اختار لها أن تنتقل من بلد لبلد مع ساعي البريد أو في الطائرة أو الباخرة أوعبر القطارات لتذهب إلي المكان الذي يستحقها.. فرسوم عفت.. في كل متاحف العالم.. واسمه يعتبر علما في كل مكان يحتفي بهذا الفن الساخر.. طلبت منه أن يعطيني الفرصة كي أتحاور معه.. فكان رده لن أجيب علي الأسئلة الساذجة.. أين ترعرعت سيدتي... أومقاس حذائي... شوف حاجة تانيه... بهذه البداية كان عفت اختصر كل المسافات حيث إنني كنت أريد أن أعرف الجانب الآخر من شخصيته...