لم تعرف كيف تغطي نفسها فاستدارت وتأهبت للخروج وهي تحس بسخونة جسد بنيامين يقترب منها 1 للمرة الأولي منذ أربع سنوات بسط بنيامين ملامحه متهللا هذا الصباح ، أقبل علي التلة وهو يتمم علي عقد زناره ويتحسس صليبه المخفي في طيات ملابسه ، يمشط النسيم خصلات شعره الأسود الكثيف وتخمش ملامحه المنبسطة وهو يصعد حتي دكانه الواقع في آخِر درب السوق.» شماعٌ «.. يبيع الشمع ويصنعه، فهجرت الدكاكين بجانبه، وكسا حائطها الحجري الرماد الأسود. تنهد أخيرا وهو يقبل بشهية علي الفتائل يغمسها مرارا في الودك ، حتي تغلظ بما يعلق عليها من الشحم ثم يضعها في قوالبها النحاسية ويصب عليها الشمع السائل. وسرعان ما ينتهي من عدة قوالب ويضعها في الهواء الرطب لتبرد، وغطاها بكتان مبلل كيلا يتسلل لها التراب الآتي من الصحراء. يفكر أن يوسع صناعته ويزيد أعداد قوالبه وربما اشتري الودك من التاجر الجنوبي مباشرة بكميات أكبر ، وربما يوسع بيته أو بني بيتا جديدا بالساقة. كل الأمل معلق بالأخبار التي سمعها في جلسة أبي يوحنا العطار، فثورة مانويل قد تجاوزت الأسكندرية ، وقري كاملة قامت علي بكرة أبيها وانحازت للثوار، ولم يبق غير أيام ويأتي الثوار لهم ليخلصونهم من الحكم العربي الغر ذي الأربع سنوات. 2 لا يعلم لماذا تذكر مانويل وثورته وهو يصعد التلة اليوم، وبينما النسيم يداعب ما تبقي من حلقة شعره الدائرية البيضاء والشمس تأكل صلعته وقف يراقب جمعا من العرب ينصبون دكانا بجانبه ولم يفت سوي أيام من أمر عامل مصر بإباحة التملك للعرب بأرض مصر ،كان اسمه يزيد، أقبل عليه وتحدث كثيرا فلم يفهم منه إلا كلمات السلام .أكثر من ثلاثين عاما قضاهم مع العرب وحتي الآن لا يألف لغتهم ولا يحبها. عَرف العرب عن بنيامين موالاته لمناصري دم الخليفة عثمان، يخفضون صوتهم إذا تجمعوا عند يزيد ولم يفت سوي أيام ونقلوا جلستهم عند رفيق آخر ، كان يزيد يغلي لما يسمع أن جاره النصراني يناصر العثمانية وأقوال أخري أنهم يسبون النبي في جلساتهم الليلية ويسحرون للعرب في طقوسهم العجيبة ، ولكن أحدا لم يملك عليه الحجة. عادةً يجتمع يزيد بن الجفري مع ندمائه ممن تملكوا في السوق حديثا، بينما بنيامين يسترق السمع وهو يعمل ، ويفهم بعض الكلام ولكنه يتحين حديثهم عن العثمانية الذين ببلدة «خربتا « .لا يعلم الفرق بين ملوك العرب ولكنهم يناصرون ملك العرب عثمان الذي قتل، بينما كان يزيد ورفقته لا يبغضون شيئا سواهم ويؤيدون الملك الجديد علي. يري بنيامين فيهم خلاصا، يأمل أن يتغير الحكم فلا يدفع الجزية وسرعان ما يذكر استبشاره بثورة مانويل في شبابه،حينها دمعت عيناه لما سمع أن آمر جيش العرب عمرو بن العاص قضي علي الثوار وقتل مانويل، يومها دخل علي رفقائه ليلا فرأوا دمعه وأكدوا له الخبر، ساعتها خرج بنيامين في البرد لا يعلم ماذا يفعل وكل آماله ذابت مع مانويل، وصل لبيته فرأي امرأته الشابة تنتظر المال شقية ، أتاها مرتين هذه الليلة وفي الصباح أقسم ألا يفكر في الثورة مرة أخري. 3 مرت الأشهر قلقة مضطربة، حتي لم يظهر العربي لثلاثة ايام، وعرف بنيامين أنه انضم للجيش الذي جهزه محمد بن أبي بكر عامل مصر.كانت الأخبار تتوالي عن خروج جيش معاوية من الشام وهم المؤيديون لعثمان ، فخرج لهم كل عثمانية مصر في عشرة الآف علي مشارف الأرض وانضموا لهم. 4 في هذا الوقت من العام ، أوحلت الأرض ، وتفاقم المطر، يتسلل الماء عبر شقوق الخشب ويغمر دكان بنيامين ، لا يستطيع أن يحمي نفسه وملابسه من الماء أينما وقف في الدكان، ينتظر أن يتوقف المطر ليصعد علي السقف ويفرش جلد الثور الذي أوصي عليه أبي يوحنا قبل يومين وللآن لم يأت به. يضيء القمر بعض الطريق . كل الدكاكين قافلة إلا نورا يأتي من آخِر طريق السوق حيث يلملم بنيامين جسده العجوز يحاول أن يكمل صناعة الشمع. عكس القمر ضوءه علي أحد الغرباء في أول الطريق ،يتعثر في مشية الوحل ، ويسقط في البحيرات الدقيقة ، يرقبه بنيامين بطرف عينيه ،خاف أن يكون سارقا ، وربما يقتله، وانحرف عنه إحساسه ذاك فجأة لما وجده يمشي في الظلام وكأنه ولد في السوق يعرف مسالكه ويبتغي النقاط الصخرية العالية. 5 رمت الجلد علي الطاولة القريبة وهي تخبره أن زوجها مرض ولم يستطع أن يجلب له الجلد وأوصاها أن تحمله له ، كانت مارية زوجة أبي يوحنا الشابة تحدثه بصعوبة بينما المطر ينهمر عليها ويخيط شفتيها المتقدتين. دهشة بنيامين أن يراها في هذا الوقت بثيابها المبللة الملتصقة علي جسدها ،تبرز دقائق جسدها الممتليء ،فانفجرت الحمرة فيها بعد أن نظرت لأسفل ، لتجدها عارية ،تعتصر ساقيها للداخل . لم تعرف كيف تغطي نفسها فاستدارت وتأهبت للخروج وهي تحس بسخونة جسد بنيامين يقترب منها . .. أخبرها أن تبقي حتي يتوقف المطر. أذهب البرد حمرتها قليلا وتراخت عضلاتها وهي تنظر للسماء ترقب نهاية المطر ، وفي ومضة تناول بنيامين الجلد وفرشه علي الأرض ،جذبها ،فوقعت،لم يجد صعوبة في تعريتها ،قاومت وامتلأ المكان بصراخها، حتي استكانت لرغبته. للمرة الثالثة هذه الليلة يغرق في جسدها الممتليء ،غائبا عن الحياة ، لم يسمع كلاهما صوت الأزيز ولا الجر من خلفهما إلا عندما صاح فيهما يزيد وهو يجر حمله مثقلا لم تكن به قوة تنطقه بالمزيد،وانهار داخل دكانه متعباً . ازدحم رأس بنيامين المشوش وهو يغلق دكانه في عجل بعد أن صرف المرأة، هرول إلي بيته وهو يفكر أن العربي سيفضح أمره في الصباح ،و قيل أن كل جند بن أبي بكر قد فنوا في الحرب ولا يعلم لماذا نجا يزيد!. واتقدت عينا بنيامين عندما فكر أن يذهب للبريتوريوم في الفجر ويشي بالجندي الطريد لولاة معاوية العثمانية.في تلك اللحظة كان تخطي عتبة بابه وهو يري زوجته هلعة لمظهره، حينها غاص قلبه ، لم يجد مايقوله. لكنها لم تعرف شيئا سوي ما وجدته من منظر الدم العالق في نعليه. تركها بنيامين وهو نفسه لا يفهم .عاد لدكانه يبحث،ليجد آثار الدم لا تبرح آثار الجوال الذي كان يجره العربي.لم يضع وقتا وبمجرد أن بزغ أول نور للفجر كان بنيامين خارجا من صحن البريتوريوم. في الصباح.. تغرق السوق كله الرائحة العفنة . حينما فتح الجنود دكان العربي عنوة ليجدوا جيفتين إحداهما حديثه ليزيد، والأخري تآكلت ، رجحوا أنها لقائده محمد بن أبي بكر.ومحاولات لحفر قبر لم يكتمل بداخل المكان.. كُفنت الجثتان في ملابسهما ودُفنتا بعد إتمام القبر. ولطالما ظل العامة يزورون ابن الصدِّيق في خيفة، سموه قبر محمد الصغير.......