»» .. قال لها الحكيم: لي شروط للزواج.. أن لا يعرف أحد أننا تزوجنا لأنني أريد أن يبقي هذا الزواج سرا لا تعرفه إلا أسرتك.. وأن لا أخرج معك خارج البيت.. كل منا يخرج وحده.. وأن لا ينشر هذا الزواج في الصحف لا تلميحا ولا تصريحا.. وأن أسافر وحدي الي الخارج دون أن يكون لك الحق في السفر معي. ولا نستقبل ضيوفا في بيتنا سواء من الرجال أو النساء.. وأن لا أصحبك في نزهة أو رحلة.. وأن يكون مصروف البيت مائتي جنيه لا تزيد مليما واحدا.. وألا أكون مسئولا عن مشاكل البيت والخدم.. وأن تكون مشاكل كل الأولاد من اختصاصك.. وألا تطلبي مني سيارة وأن تعامليني كطفل صغير لأن الفنان طفل صغير يحتاج الي الرعاية والاهتمام.. وأن يكون بيتنا هادئا بلا ضجيج أو خناقات أو أصوات تزعجني لأتفرغ لكتابة ما أريد.. وأن ينام كل منا في حجرة مستقلة.. ولا تتدخلي في عملي!!..««توفيق الحكيم واحد من أكبر أدباء مصر.. وأشهر بخلائها أيضا!. . لقبوه بعدو المرأة.. لكنه فجأة وقع أسيرا في هوي جارته الحسناء.. فماذا حدث؟ وكيف تحول الأديب الكبير من هجومه الحاد علي حواء الي التسبيح بحمدها في أخريات عمره.. كنا في جلسة جمعت الكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين بتلاميذه وظللت اسأله.. وأناقشه حول غراميات عدو المرأة.. صديقه توفيق الحكيم.. حكي لي أكثر من مفاجأة.. وأكثر من سر!.. وأذهلتني المعلومات خاصة وقد ربطتني بعد سنوات صداقة بحفيد الحكيم وهو في مكانة ابني ويعمل ضابط شرطة برتبة مقدم ويقيم بشقة جده حيث تتصدر صورة الجد مدخل الشقة .. وكم اهداني الحفيد مؤلفات الجد.. وكم حكي لي عن اجمل ذكريات العمر التي شهدتها هذه الشقة التي تقع علي ضفاف النهر الخالد!.. فماذا يحمل ملف اسرار اشهر اعداء المرأة في الأدب العربي ؟؟ الآنسة اسيادات ترك الكاتب الكبير توفيق الحكيم »البنسيون« الذي عاش فيه معظم سنوات شبابه.. وانتقل ليعيش في شقة مطلة علي النيل.. تزدحم بالكتب.. وتخلو من الأثاث والديكورات.. كانت متعته الكبري أن يعيش وسط ثقافات وحضارات العالم.. يقرأ ويكتب ساعات الليل والنهار.. حتي كان ينسي الوقوف بشرفات شقته ليطل علي منظر النيل البديع.. أو يتعرف علي جيرانه الجدد! في العمارة المجاورة كانت الآنسة »سيادات« أجمل بنات الحي الهادئ ترقبه.. وترصده فوق شاشة حواء بعناية فائقة.. وتخطط للحظة الهجوم المرتقب للفوز بقلب عدو المرأة الذي يهاجمها بشراسة وقسوة فوق صفحات الجرائد والمجلات.. وفي رواياته وكتبه.. وأحاديثه الإذاعية.. كانت الآنسة الجميلة تعرف أن معركتها مع جارها النجم الأدبي الكبير ليست صعبة فحسب.. بل إن النجاح فيها يكاد يكون مستحيلا!! لم تتسرع الجارة الحسناء في بدء معركتها!! اعتكفت في حجرتها تقرأ كل كلمة يكتبها توفيق الحكيم في الصحف.. قضت الساعات الطوال في دراسة مسرحياته.. وراحت تتأمل أبطال مسرحياته وتعايشهم لحظة بلحظة.. كانت علي يقين من أن جارها الملقب بعدو المرأة ليس رجلا مثل آلاف الرجال الذين تشاهدهم في شوارع القاهرة.. لابد وأن يكون عبقريا الي الدرجة التي صعدت به الي قمة الشهرة بسرعة الصاروخ.. لابد أن يكون أيضا «إخطبوطا» صال وجال في عالم المرأة فلم تعجبه منهن واحدة ليتزوجها.. ويرتبط بها شريكة لعمره.. كانت واثقة من أن جارها الكاتب الكبير ليس مجنونا كما قال في أحاديثه الصحفية حتي يدخل سجن الزوجية بقدميه.. أو يجد المجنونة التي تتزوجه!.. ضحكت من أعماقها يوم سمعته يردد هذه العبارة.. كانت تعلم أنها مجرد مناورة من مناوراته في الهروب من الإجابة علي لغز عزوبيته وعزوفه عن الزواج.. لقد قرأت له أيضا أنه ترك بيت عائلته ليبتعد عن محاولات أبيه وأمه وضغوطهما عليه ليختار عدو المرأة عندما يرفع الراية البيضاء وقع في غرام جارته الحسناء ووضع 10 شروط للزواج منها !شريكة عمره!.. لم يجد مبررا أمام أسرته يرفض به أجمل الفتيات وأكثرهن ثراء بعد أن تخرج في كلية الحقوق وكيلا للنيابة.. هرب الي بنسيون بوسط العاصمة المصرية.. أحبته ابنة صاحبة البنيسون.. وتظاهر بحبها لتخفض أمها من ثمن إقامته.. لكن الأم طلبت منه أن يضع حدا لكلام الناس(!) ويتزوج من ابنتها.. وراح توفيق الحكيم يراوغها ويناورها.. وعندما أدركت صاحبة البنسيون أن حبيب ابنتها محصن ضد الزواج.. أصرت علي طرده من البنسيون بعد أن زعمت أن آلاف الكتب التي يحتفظ بها هي سبب البلاء الكبير وتدفق الفئران!.. وفشلت كل حيل توفيق الحكيم .. رحل عن البنسيون والحب المزعوم الي شقته الجديدة.. دون أن يعلم ماذا تخبئه الأقدار له علي بعد أمتار قليلة منها!. لم يكن لتوفيق الحكيم صديق من بين كل جيرانه الجدد غير ضابط الجيش.. الضيف الوحيد الذي يتردد علي شقة الكاتب الكبير دون أن يزهق منه.. أو يمل حديثه.. أو يضايقه ثمن فنجان القهوة الذي يقدمه له.. كان ضابط الجيش من أشد المغرمين بمؤلفات الحكيم وآرائه.. وكان الحكيم يرحب به بين الحين والآخر باعتباره الجار الوحيد الذي نال شرف دخول شقة عدو المرأة. ذات يوم قالت شقيقة الضابط لأخيها ان زياراته للكاتب الكبير زادت عن حد الضيافة.. والواجب يحتم أن يدعوه لزيارته في شقتها.. ولو لمرة واحدة!.. نظر ضابط الجيش الي أخته الحسناء الشابة وقد بدت عليه ملامح الاقتناع.. استطردت الآنسة سيادات قائلة لأخيها: »سوف تكون فرصة عظيمة لأتعرف علي كاتبي المفضل عن قرب.. وأناقشه.. وأحاوره!« ضحك الضابط من ثقة شقيقته في نفسها.. ظن أن غرورا مفاجئا أصابها.. حذرها من أن تنهزم أمام عدو المرأة وتلقي نفس مصير النساء اللائي حاولن أن يدافعن عن حواء أمامه!.. ابتسمت الآنسة «سيادات» وسألت أخاها عن سر هجوم الحكيم علي المرأة.. رد الأخ بسرعة.. «هذا موضوع يطول شرحه.. ولابد أن أخرج الآن لقضاء بعض مصالحي!».. ذكرته أخته بألا ينسي دعوة الحكيم الي تناول الشاي في منزلها مساء.. وأكدت أنها ستدفع بالكاتب الكبير الي أن يغير رأيه في المرأة رغم عمق التجارب التي عاشها.. والغزوات التي انتصر فيها سواء مع بنات حواء الأوروبيات أو العربيات أو المصريات!.. معركة حب! كانت الجارة الحسناء قد أتمت استعدادها لبدء المعركة! لم تستخدم أسلحة حواء التقليدية.. جمالها.. فتنتها.. دلالها.. دموعها أحيانا.. تسلحت الحسناء الشابة بسلاح جديد نادرا ما تستخدمه حواء في معاركها! وجاء موعد الزيارة المرتقبة.. ذهب الحكيم بقدميه الي الكمين الذي نصبته حواء له.. لم يلمح الشراك الخداعية عندما دق جرس الباب ليدخل شقة صديقه الضابط الشاب وحتي خرج منها وقد خسر جولة غير متوقعة.. وانهزم في حرب كان هو فارسها الأول فوق صفحات الجرائد والمجلات؟. ماذا حدث في لقاء عدو المرأة بالحسناء الصغيرة؟! يقول الكاتب الصحفي الكبير مصطفي أمين الذي عاصر قصة غرام عدو المرأة من الألف الي الياء أن جارة الحكيم هي التي وصفت هذا اللقاء بدقة عندما قالت: «لم أتبهرج لتوفيق لأبهره بجمالي!.. لم أهتم بالبودرة والأحمر والريميل.. وإنما تعمدت أن أتبهرج له ثقافيا.. وحاولت أن أستعرض أمامه معلوماتي عن كل ما كتب.. ويومها ذهل توفيق من إطلاعي الواسع علي كتبه ومؤلفاته ومن حفظي لجمل معينة من قصصه.. ولقد أحببت الفيلسوف الفنان داخله قبل أن أحب الرجل!.. وكنت أراه رجلا فاتنا.. أو هو «دون جوان أدبي».. سحرتني كلماته جذبتني أفكاره.. فتنت بحواره.. كنت أحيانا أشعر أن قصصه ومسرحياته هي خطابات غرام يرسلها!.. وكنت أقرأ فيها أشياء كثيرة لا يقرأها الناس!.. شروط للزواج! كانت تقرأ كل كتبه.. وتناقش كل مقالاته.. وتحاوره في كل أفكاره.. وعندما التقت بتوفيق أبدت إعجابها به كرجل.. وأخفت عنه إعجابها به ككاتب.. ولم يلبث أن أحس توفيق أنها تراه الرجل الوحيد في العالم.. وكانت تري فيه كل الأساطير التي كتبها في كتبه.. وكل الرجال الذين كانوا أبطال قصصه.. وهكذا دخلت الي قلب توفيق الحكيم من باب لم تطرقه امرأة أخري من قبل.. وإذا كانوا يقولون إن الحب من أول نظرة فقد كانت قصة توفيق الحكيم هي الحب من أول كلمة!. أدمن توفيق الحكيم زيارة صديقه ضابط الجيش.. أحس أن شيئا خطيرا يتحرك في أعماقه كالوحش الكاسر.. يحرك مشاعره.. يدغدغ ضلوعه.. ويحركه كالمسحور الي بيت الجارة الحسناء.. حاول أن يمنع نفسه.. يسترد كبرياءه كعدو للنساء.. وكان يفشل في كل مرة ويكاد يبكي علي عرشه الذي اهتز بشدة أمام الآنسة «سيادات»!. طلبها للزواج ليرضي قلبه.. ووضع خمسة عشر شرطا قاسيا لتوافق عليها العروس قبل زفافهما.. كان يتمني أن ترفض شرطا واحدا منها ليجد مبررا يقنع به نفسه بالهروب من هذا المأزق العاطفي الخطير.. حدد شروطه القاسية في زهو والعروس تستمع إليها كأن فوق رأسها الطير.. قال لها الحكيم: لي شروط للزواج.. أن لا يعرف أحد أننا تزوجنا لأنني أريد أن يبقي هذا الزواج سرا لا تعرفه إلا أسرتك.. وأن لا أخرج معك خارج البيت.. كل منا يخرج وحده.. وأن لا ينشر هذا الزواج في الصحف لا تلميحا ولا تصريحا.. وأن أسافر وحدي الي الخارج دون أن يكون لك الحق في السفر معي. ولا نستقبل ضيوفا في بيتنا سواء من الرجال أو النساء.. وأن لا أصحبك في نزهة أو رحلة.. وأن يكون مصروف البيت مائتي جنيه لا تزيد مليما واحدا.. وألا أكون مسؤولا عن مشاكل البيت والخدم.. وأن تكون مشاكل كل الأولاد من اختصاصك.. وألا تطلبي مني سيارة وأن تعامليني كطفل صغير لأن الفنان طفل صغير يحتاج الي الرعاية والاهتمام.. وأن يكون بيتنا هادئا بلا ضجيج أو خناقات أو أصوات تزعجني لأتفرغ لكتابة ما أريد.. وأن ينام كل منا في حجرة مستقلة.. ولا تتدخلي في عملي!. وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها الكاتب الكبير! وافقت الجارة الحسناء علي كل شروطه.. أعلنت استسلامها أمام كل طلباته.. رفعت الراية البيضاء لتوهمه أنه انتصر ووصل الي عاصمة الأعداء!.. وتم زفافها الي توفيق الحكيم الذي كان يكبرها بعشرين عاما.. ومع الوقت ألغت بنفسها كل الشروط التي وضعها الحكيم قبل الزواج.. وكان الحكيم في غاية الرضا وهو يتنازل عن شرط بعد شرط!.. لقد نجحت الجارة الحسناء إذن في إسقاط مملكة عدو المرأة.. فماذا كانت أسلحتها الجديدة تلك المرة؟!.. يقول مصطفي أمين: كانت تجد لذة في أن تخدمه.. لا تتركه الا بعد أن تقدم عشاءه، وتضعه في الفراش.. وتغطيه باللحاف.. وتضع القربة الساخنة تحت قدميه.. وكان ينام الساعة الحادية عشرة مساء وكانت هي تبقي ساهرة. وكانت تتعمد أن تستيقظ الساعة السابعة صباحا قبل أن يفتح عينيه في الساعة الثامنة صباحا.. وتكون قد أعدت له طعام إفطاره!.. وكانت تشعره دائما أنه الملك وأنها رعيته.. ولم يكن توفيق الحكيم حاكما مستبدا.. كانت الكلمات الحلوة تجرده من سلطاته وهيلمانه. لم تعتمد علي سلاح الانوثة فحسب رغم أنها وشهادة الجميع كانت امرأة ممشوقة القوام.. فاتنة الجمال.. شقراء الشعر.. شعرها خليط من اللون الأصفر واللون البرونيزي. وكانت لها ابتسامة جذابة.. تأسر القلب.. وكان عقلها أقوي ما فيها وكانت تغلب توفيق الحكيم في المناقشة.. تعرف كيف تحاوره وترد عليه.. وكان صوتها جميلا.. كثيرا ما غنت له بعض الأدوار التي يحبها.. وقد تعلمت حتي حصلت علي الثانوية العامة.. واستطاعت بذكائها وإصرارها أن تتثقف وتتعلم حتي كان يخيل إليك وأنت تسمعها أنها تحمل شهادة الدكتوراه.. وهكذا بهرت توفيق الحكيم بسعة إطلاعها.. كانت امرأة ساحرة.. وكانت تستطيع بجمالها وحده أن تأسر توفيق الحكيم عدو المرأة ولكنها لم تشأ أن تسحره بجمال تقاطيعها.. وإنما تعمدت أن تسحره بفتنة ثقافتها.. وقوة شخصيتها.. وهكذا كانت المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تخضع عدو المرأة.. واستسلم لكن بشروط.. استطاعت أن تلغيها كلها!.. وكانت أحيانا تناديه باسم محسن وهو بطل قصة عودة الروح فقد رأت وهي تقرأ القصة أن محسن هو توفيق الحكيم الحقيقي!.. وفي مرضها الأخير بعد ثلاثين عاما من زواجها بتوفيق الحكيم سألتها إحدي قريباتها إن كانت قد ندمت علي زواجها من الحكيم فردت عليها.. «.. ولا لحظة واحدة!».. وعندما عادت تسألها عن شعورها بأن زوجها يكبرها بسنوات طويلة.. قالت.. «.. لم أشعر إلا بأنه طفلي الصغير الذي لم يكبر أبدا!».. لا تخفض رأسك يا زوجي! وعندما منح الرئيس عبدالناصر قلادة النيل الي توفيق الحكيم.. وذهب الحكيم الي الاحتفال الكبير ليتسلم القلادة.. قالت زوجته.. «احذر أن تنحني أو تحني رأسك أمام عبدالناصر وأنت تتسلم القلادة.. كررتها أمامه أكثر من مرة.. فسألها الحكيم.. «وكيف لا أحني رأسي أمامه وهو رئيس الجمهورية؟!.. قالت له في ثقة.. «أنت أعظم من الرئيس.. أنت في عيوني أهم رجل في الدنيا.. ولا تنس نصيحتي لك عندما ينادون علي اسمك!».. وجلست زوجة الحكيم أمام التليفزيون تنتظر اللحظة التاريخية! اقترب الحكيم من عبدالناصر في خطوات مستقيمة.. وقف أمامه كالصقر.. لم تنخفض رأسه.. صافح الرئيس وقامته منتصبة.. ثم تسلم القلادة ومازالت قامته مشدودة حتي عاد الي مقعده وسط تصفيق الحاضرين. تقول حرم توفيق الحكيم: تابعته في التليفزيون.. ولاحظت أنه لم ينحن أمام الرئيس.. وسعدت بذلك أكثر مما سعدت بالوسام ؟؟