بهاء طاهر أحد أبناء جيل الستينيات الذي تميزت إبداعاته بين الرواية والقصة، وحقق شهرة عربية وعالمية بعد حصول روايته »واحة الغروب »علي جائزة البوكر العربية، وحصل علي جائزة (جوزيبي اكيربي) الإيطالية سنة »2000»عن (خالتي صفية والدير)، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة »1998» علي مجمل أعماله التي مازالت تحقق إقبالا كبيرا بين القراء. لأول مرة صدر حديثا عنه كتاب يعد الأول من نوعه عن سيرته الإبداعية تحت عنوان» بهاء طاهرة .. مسيرة جيل» للناقد شوقي عبد الحميد يحيي. الكتاب يطرح سؤال طالما حير الكثيرين، وتضاربت حوله الرؤي وهو: لماذا ظل أبناء جيل الستينيات في ولائهم لعبد الناصر، بعد موته، رغم أن عددا كبيرا منهم كان قد تعرض في خلال فترته للاعتقال أو السفر والإبتعاد عن الساحة الثقافية والأدبية ؟ ذلك هوالسؤال الجوهري الذي دارت حوله أحدث إصدارات الناقد شوقي عبد الحميد يحيي ضمن منشورات كتاب الهلال بعنوان » بهاء طاهر في إبداعاته.. مسيرة جيل» وهوالعنوان الذي تحفظ عليه د.صبري حافظ، الذي كتب مقدمة الكتاب، حبا ووفاء »لعمر من الصداقة والتحولات الشخصية والثقافية علي السواء. وهي علاقة استمرت لأكثر من نصف قرن من الزمان». غير أن تحفظ دصبري كان علي أساس أن الكتاب لم يتناول سوي أعمال بهاء طاهر، ولم يتناول أي اعمال لأي من أبناء ذلك الجيل، الذي قد تتباين رؤاهم، وتختلف توجهاتهم. غير أن مؤلف الكتاب، رأي أولا: أن هذا الكتاب ليس إلا تحية واعتراف بجميلِ تعامل بهاء طاهر معه منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما كان بهاء طاهر في البرنامج الثاني بالإذاعة، وكان دائم الترحيب به، وهوما تعرض له الكاتب في تمهيده للكتاب. وثانيا: أن الكاتب نفسه تناول العديد من أبناء هذا الجيل في أكثر من كتاب له، سواء في الرواية أو القصة القصيرة. أما إجابة السؤال المثار في البداية، فقد أجاب عنه بهاء طاهر نفسه في فصل الكتاب المعنون »بهاء طاهر بقلمه» وهي ذات الرؤية التي وصل إليها مؤلف الكتاب، عبر فصوله المتنوعة، وهي أن أبناء هذا الجيل، كان معظمهم من أسر محدودة الدخل، متواضعة المستوي الاقتصادي. لذا كان ترحيبهم بفكر عبد الناصر، المنادي بالعدل والمساواة وإقامة حياة ديمقراطية.غير أن الأمور علي أرض الواقع كانت تختلف عن تلك الشعارات. حتي انهم عندما خرجوا بأول مظاهرة اعتراضا علي ذلك تصدت لهم قوات البوليس. وهو ما أدي إلي شعور أبناء هذا الجيل بضياع حلمهم هم، وليتحول التمسك بعبد الناصر ومبادئه، ليس إلا تمسكا ودفاعا عن الذات، وعن الحلم الذي رأوا أن السادات يقضي عليه بتحوله بالمجتمع من أقصي اليسار، إلي أقصي اليمين، وهو ما أعاد إليهم حلم عبد الناصر، وكأنه التمسك بحلم البدايات والشباب. وقد عبر بهاء طاهر - وفق رؤية مؤلف الكتاب - عن هروب اليسار إلي خارج البلاد في روايته »الحب في المنفي»، حيث كان بهاء طاهر نفسه واحدا منهم. وعن رؤيته للزعيم في روايته الأشهر »واحة الغروب» الفائزة بأول نسخة من البوكر العربية، متناولا شخصية عبد الناصر، حيث ذهب المأمور المصري للواحة، كأول مصري يحكم الواحة، ويفشل في الدفاع عن أهلها، بعد أن تعاطف معهم، وفي النهاية، نسف الواحة بأصابع الديناميت، وكأنه يشير إلي 67، وما فعلته بمصر. ويمكن أيضا أن نستحضر شخصية عبد الناصر من خلال قراءة مؤلف الكتاب أيضا في القصة القصيرة »المظاهرة» في أولي مجموعات بهاء طاهر القصصية » الخطوبة»، والتي تعتبر إرهاصا مبكرا في حينها (1964). فبينما وسائل الإعلام جميعها تسعي للدعاية عن الإنجازات، والمكاسب ( والتي تبين فيما بعد زيفها وتضليلها ) يكتب بهاء طاهر عن السلبية والتغييب . فنتعرف علي صاحبنا ال (شاري دماغه) فلا اشتراك له في أي عمل إيجابي، يفاجا أثناء تواجده علي المقهي بمظاهرة صاخبة، وعندما يسأل، يعرف أنها لفريق كرة القدم الذي فاز اليوم علي منافسه . ولم يكن يعلم شيئا عن الفريق الفائز ولا علي منافسه، غير أنه سار في المظاهرة مسافة طويلة، قبل ان يعلم عن أسبابها شيئا. والمتتبع لأعمال بهاء طاهر، سيعلم كيف أن مشاكل السياسة، وهموم الوطن لم تغب عن فكره وعن إبداعاته. فمن الثورة والرؤي حولها في »الخطوبة» إلي حالة اللاسلم واللاحرب في »شرق النخيل»، إلي التحول المادي الذي اطفأ »نقطة النور».وغير ذلك مما حواه الكتاب بالتحليل عبر فصوله المتنوعة، من خلال الرواية والقصة لدي بهاء طاهر، الأمر الذي معه يمكن التأكيد أن إبداعاته كانت مسايرة للتحولات الكبيرة في حياة مصر، عاشها وانفعل بها، وتأثر، ليس بهاء طاهر وحده، وإنما جيل بأكمله، اصبح من علامات التاريخ الإبداعي المصري، اسمه جيل الستينيات، فكانت مسيرة بهاء طاهر، مسيرة جيل. كما أن رؤية واضحة في كل أعمال بهاء طاهر تقريبا وهي تفاعل الشرق مع الغرب، وهو ما يعتبر من الأمور الطبيعية في ظل ما مر به بهاء طاهر من تجارب، وهو الذي تم استبعاده مبكرا من العمل بالإذاعة، لسلبيته تجاه إنجازات الثورة، كما يراها دعاتها، فقد ترك مصر وسافر إلي إفريقيا وآسيا، حيث عمل مترجمًا هناك، ثم سافر بعد ذلك إلي جنيف وعمل مترجمًا للأمم المتحدة، وليمكث هناك سنوات طويلة. فكان الكثير من الرؤي حول أعماله، عبارة عن تصادم الحضارات، فجاءت أعماله الإبداعية بمثابة مشاعل للتنوير، الذي قدمه في كتابه عن رفاعة رافع الطهطاوي، كأحد رواد التنوير في الوطن العربي كله لا في مصر وحدها. كما يمكن القول بأن بهاء طاهر تؤرقه الفكرة كثيرا، حتي بعد كتابتها. لذا نجد أن الكثير من صدي أعمال سبقت، ظهرت في أعمال لحقت. فمثلا نستطيع تتبع (الرواية القصيرة- أنا الملك جئت) ضمن المجموعة القصصية التي تحمل ذات العنوان، في رواية »واحة الغروب». كما نستطيع تبيان التداخل في الرؤي، بل والكثير من المشاهد بين أولي مجموعاته القصصية » الخطوبة » ومجموعته قبل الأخيرة »لم أكن أعرف أن الطواويس تطير». وإذا كان كتاب »بهاء طاهر في إبداعاته» قد تناول بالدرجة الأولي الجانب الإبداعي لدي بهاء طاهر، فأعتقد ان هناك محاولات أخري، تمت وستتم، حول حياة بهاء طاهر الإنسان، الذي لم يسع يوما ليفوز بجائزة، ولم يضبط يوما متزلفا، أو متسلقا. وهو الذي عبر عن الأصالة، والتمسك بالجذور، حين تبرع بالأرض التي تم عليها بناء قصر ثقافة الأقصر (قصر ثقافة بهاء طاهر). كما تبرع من ماله الخاص بجائزة سنوية تُمنح عن طريق اتحاد كتاب مصر، للشباب من أبناء الأقصر، في الرواية والقصة. وقد يكون من الأمور الكاشفة لهذه الإضافة التي تربط بين مبدع ومثقف بحجم بهاء طاهر، وبين جيل كامل من المبدعين، كان له أثره الكبير في حركة الإبداع، أن أشير إلي السطور الأخيرة في مقدمة د.صبري حافظ لهذا الكتاب: »لكن فضيلة هذا الكتاب الأساسية، وهي أبرز فضائل النقد الأدبي، هي أنه يحثّ القارئ علي قراءة أعمال بهاء طاهر المتعددة، ويكشف له عن ضرورة الاهتمام بما تخفيه من دمدمات واصطراعات تحت سطحها الهادئ والخادع معا».