إدارة صيدليات 19011 تستغيث بالرئيس السيسي من مسئول يتعنت ضدهم بعد إعادة تشغيلها    رئاسة الجمهورية تؤكد الالتزام الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين وعدم المساس بها.. وتؤكد أن الحكم القضائي الصادر مؤخرا يرسخ هذه الثمة    محمود مسلم: مقترح ويتكوف يتسم بالجدية ومصر ليست مجرد وسيط بل المدافع الأول عن الفلسطينيين    "أونروا": غزة تحولت من جحيم إلى مقبرة بسبب تزايد القصف الإسرائيلي    بعد غرامة المليون جنيه، إمام عاشور يعتذر للشناوي على الهواء    السيطرة على حريق داخل مبنى السموم بمستشفى قصر العيني دون إصابات    حماية المستهلك: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة خلال الفترة الماضية    تامر حسني يحتفل بالعرض الخاص لفيلم ريستارت بالإمارات (صور)    حماس: المقترح الأمريكي الذى وافقت عليه إسرائيل حول غزة لا يستجيب لمطالبنا    بسبب صاروخ حوثي.. سكان تل أبيب يختبئون في الملاجئ وتوقف حركة الطيران وإجلاء رئيس إسرائيل    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    مصطفى كامل يطرح ثاني أغاني ألبومه بعنوان «كتاب مفتوح» (فيديو)    تناولها بانتظام.. 6 فواكه غنية بالألياف وتساعد على فقدان الوزن    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    دعاء تهنئة بعيد الأضحى المبارك 2025.. أفضل الأدعية    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    لحج آمن.. 7 نصائح ذهبية للحماية من الشمس والجفاف    «أوقاف الإسكندرية»: تجهيز 610 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى 2025    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    وزير الزراعة يشهد تخرج متدربين صوماليين ضمن برنامج إدارة التربة    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صخب البحيرة:
إعادة تشكيل العالم
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 08 - 2012

رواية "صخب البحيرة" حكاية الماء في علاقته بالمكان والإنسان. وجد المكان أولا، ثم جاء الإنسان ليعيد تشكيل المكان الخاضع لحركة الماء مدا و جزرا. والقارئ للنص، يكتشف منذ الصفحة الأولي، شساعة المكان الذي يقترب من الكون أحيانا، كما أن هذا المكان يأخذ، أحيانا أخري، حجم نقطة مهمشة من هذا الكون الواسع.
ولعل هذا هو الدافع الذي انطلق منه السارد "العليم بكل شيء" بهدف تحقيق معادلة صعبة تجمع بين «الأسطوري» و «اليومي». ف«الأسطرة» تتجلي في حركية الماء، ترعة وبحرا وبحيرة، المنتجة للحياة والموت، الوجود والعدم، الصبا والشيخوخة، الدورة الإنسانية، تبدأ بين اللقاء الأول بين الصياد العجوز، المقطوع من شجرة، والأرملة بطفليها الصغيرين الملتصقين بها ليل نهار. اثنان لا ثالث لهما إلا الماء. الماء يأتي بالرزق اليومي، وبكائنات ما وراء البحيرة القادمة مع رياح العواصف الموسمية، أو المناسبة - من ناحية أخري مع حركة الماء العادية في اللحظات الهادئة أو الطبيعية.
الماء يشكل تضاريس المكان، والأمزجة، والحسابات الكبيرة (هجوم الإسمنت المسلح) والأطماع الصغيرة (صراع الشخصيات حول ما يقذفه البحر).
تلك هي بعض صور اليومي الذي قد لا يبقي حبيس الأفعال البسيطة للأفراد، بل يرتفع الفعل علي مستويات نمطية بالمعني الإيجابي لتصبح دالة علي الفعل الإنساني مستوحية تجارب الإنسان تجاه هذا الكون البحر - الزاخر بمختلف الدلالات.
وفي كثير من الأحيان تداخل الأسطوري مع اليومي، وتحول هذا الأخير إلي «أسطوري»، و«الأسطوري» إلي يومي. إننا نعيش بالماء وحده، بل نعيش بكل ما يحمله هذا الماء بتاريخه الطويل منذ بداية تشكل العالم إلي الآن، وإصرار الموج علي حركته، هو إصرار هذه «اللغة البحرية» علي التذكير بحكايات كل الذين مروا بالماء، أو مر بهم الماء يوما ما، الذي غير المصائر والأوضاع.
حرث البحر: يقوم النص علي بنية رباعية: صياد عجوز/ « نوة» / براري / ورحلوا.
يحكي القسم الأول عن علاقة الصيد بالأرملة، وهي علاقة خضعت للضرورة والرغبة- في آن واحد- في تأليف المكان الموحش أسرة مكونة من أربعة أفراد- الولدان ينتسبان إلي الأرملة تواجه البحر كل لحظة وحين في حالات الغضب أو الهدوء.
أما القسم الثاني فيقدم لنا «جمعة» وزوجته من جهة، والعاصفة (النوة) البحرية التي تجتاح البحيرة من جهة ثانية. وإذا كانت العاصفة تدمر كل الأشياء القائمة (المقهي، الحانوت الوحيد... الخ)، فإنها منجم لا ينضب بالنسبة للزوجين، فالبحر«قد لا يعطي السمك» و لكنه يمنح الأعاجيب من ألبسة وأحذية وتحف غريبة وحلي .. الخ. و«النوة» آتية لا ريب فيها، ولذلك لا مدعاة للعجلة من أجل الحصول علي فردة حذاء، أو قرط إحدي الأذنين، فالبحر يحس بالإنسان، وغضبه (النوة) يكشف عن معدنه الثمين.
في القسم الثالث حكاية الصديقين المتجاورين: صاحب المقهي (كراوية)، و صاحب الحانوت (عفيفي). مناوشاتهما لا تهدأ، ولكن لا غني لأحدهما عن الآخر، خاصة عندما تعصف العاصفة بكل شيء، جارفة معها تلك الكائنات الهلامية الآتية من جزر بعيدة، خلف البحيرة، والمتعطشة للزيت و«الجاز» والحلوي الرخيصة عند «عفيفي»، ولأنفاس الجوزة بمقهي"كراوية".
في القسم الأخير الذي لا يتعدي ورقة ونصف الورقة نجد حكاية الأرملة، من جديد، التي تعود، رفقة ولديها اليافعين، لتسترجع رفات الصياد الشيخ الذي توسدت عظامه الصندوق.
صندوق الغناء و صندوق النحيب: تحتوي الأقسام الأربعة علي ثيمة مشتركة مجسدة في الصندوق.
في القسم الأول نجد صندوق الصياد المشار إليه آنفا، وفي القسم الثاني نجد صندوق «جمعة» الذي يرسل المقاطع الغنائية العجيبة والأصوات الغريبة. وفي القسم الثالث الصناديق (الفوارغ) الكارتونية الصغيرة الطافية فوق الماء بعد أن التهمت الكائنات القادمة من ما وراء البحيرة، الحلوي الرخيصة.
وفي القسم الأخير يحمل صندوق الصياد، مرفقا بعظامه، من قبل الأرملة و ابنيها واختفي الكل خلف الأمواج.
والصندوق في هذه الحالات الأربع مغلق علي أسراره، وفي حالة انفتاحه، أو فتحه، لا يكشف عن سره، فصندوق الصياد الشيخ يحوي ملابس داخلية وأوراقا مختومة وحبات مسبحة ناقصة. وصندوق جمعة غريب الموسيقي واللسان الذي عجز عن ترجمته أستاذ اللغات بالمديرية. وصناديق الحلوي الصغيرة الفارغة لا تكشف عن سر هذا الوله بالصناديق فارغة أو مملوءة. و بالرغم من اختلاف الصناديق، من حيث محتواها، فإنها تظل حاملة لدلالة الموت والحياة، فالصندوق الأول بمثابة تابوت يحمله الصياد الشيخ، في حله وترحاله، في انتظار لحظة الموت- الصندوق الثاني يحمل لغات الأموات الأحياء المصحوبة بإيقاع موسيقي غريب أما فوارغ الحلوي الرخيصة فهي وسيلة لدفع غائلة الجوع أو الموت في لحظات العاصفة. يبقي صندوق المقطع الأخير الذي يحمل دلالته الصريحة دلالة التابوت.
كائنات برية و أخري بحرية: لعل البحيرة، حتي في حالة غضبها، قد لا تشكل خطرا علي ساكنيها، وبالرغم من كون العاصفة الموسمية "النوة" تقذف الغرائب والعجائب، فإن الكائنات البحرية الغريبة التي تسترها أسمال الشباك لا تشكل هجمتها تقويضا لنظام البحيرة. إنها دورة موسمية لحركة المد والجزر، أما الخطر الحقيقي فيكمن في الكائنات البرية المسلحة بالمراكب السريعة و المستنبتة لأعمدة الخرسانة بعد أن عاثت الجرافات فسادا في منطقة المضيق الفاصلة بين البحيرة والبحر. هنا أقيم السد «فيحل المضيق وركدت مياهه، وتعري جانباه بما فيهما من فجوات كثيرة وشقوق وأحجار سوداء، تفوح منه رائحة عطر، وتملأه طحالب تقذفها البحيرة إليه من حين لآخر».
إنه الحكم الأخير علي البحيرة، وأهلها، بالموت أو العدم. ولم تجد الأرملة العائدة مفرا من العودة بعد استرجاع رفات زوجها الصياد العجوز وصندوقه. فهو لم يعرف إلا البحيرة، وقاربه بالرغم من زواجه منها. كان لا يغادره في اليقظة أو النوم أما أن تصبح البحيرة ميدانا فسيحا للمضاربات العقارية فالارتحال يسمح بالإبقاء علي ذكري الشيخ الطيب. و«التفتت المرأة قبل أن تصعد القرب و أشارت بعصاها نحو البيوت. ونظر الرجلان حيث تشير. وانطلق القارب إلي عرض البحيرة».
يبدأ هذا النص الممتع بالماء و ينتهي بالماء، وكأنه صياغة لتشكلات الكون بمفردات الواقع اليومي، واقع عالم مهمش لا يحسن إلا لغة الماء. و لعل زاوية الرؤية التي اتخذها سارد يقظ الحواس، ذو عدسة عميقة، تسهم في نصاعة الصور المتلاحقة، هذه الزاوية التي- كما فعل يوسف إدريس.. مع عمال التراحيل في روايته «الحرام» - تعيد الاعتبار لفعل الإنسان الدؤوب لإعطاء وجود معني معين. وليس من الضروري أن تكون وجودا فلسفيا مجردا، بل إن حماية أرملة بولدين يتيمين في مكان معزول عن الدنيا، يعد في حد ذاته، دلالة علي بطولة الماء قبل بطولة الإنسان. هكذا تتحول البحيرة إلي أم رءوم أو أب قاس صديق يضعف أمام ضغط اليومي أو حكيم يحكي في سر الأزل؟ المكان يصبح تجربة حضارية تداخلت فيها أصوات الماضي والحاضر... والمستقبل، وإصرار الموج علي مخاطبة الشاطئ دلالة علي أن الصخب، صخب البحيرة. لم يهدأ، في يوم من الأيام، بالرغم من الهجوم الخرساني علي المكان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.