د. أحمد كريمة مذهب أهل السنة والجماعة عدم تكفير مرتكب الكبيرة وعدم تخليده في النار إذا مات علي التوحيد وان لم يتب. إن كان فعلها غير مستحل لها وهو مدرك لحكم الله- تعالي- فيها ولم يتب منها حتي مات، وأجمعوا علي أن القاتل والزاني والسارق وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم مؤمنون ناقصو الايمان إن تابوا سقطت عقوبتهم وإن ماتوا مصرين علي الكبائر كانوا في مشيئة الله- تعالي- إن شاء عفا عنهم وأدخلهم الجنة وان شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة.. ومما استدلوا به الحض علي توبة عاجلة من المعاصي سواء صغائر أو كبائر قال الله - عز وجل- »وَتُوبُوا إِلَي اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الآية 31 من سورة النور، وجه الدلالة : لو كان مرتكب الكبيرة يكفر بكبيرته لما سماه الله عز وجل- ورسوله مؤمنا». ولا يعتد بمخالفين في حكم مرتكب الكبيرة من خوارج ومرجئة ومعتزلة وشيعة وغيرهم لضعف استدلالاتهم. واتفق العلماء علي ان المنتحر آثم عاص فاسق وأن الانتحار: قتل الانسان نفسه عمداً محرم ومن أكبر الكبائر قال الله عز وجل »وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» الآية 29 من سورة النساء، »وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» الآية 151 من سورة الأنعام.. وأخبار تدل بمجموعها علي استحقاقه النار في الآخرة منها قوله صلي الله عليه وسلم »من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم» . ولم يقل أحد من أئمة المذاهب الفقهية السنية بكفر المنتحر لأن الكفر هو الانكار والخروج عن دين الاسلام وصاحب الكبيرة- كما ذكر- لا يخرج عن الاسلام وقد صحت الروايات أن العصاة من أهل التوحيد يعذبون ثم يخرجون »حاشية ابن عابدين 1/184» وصرح الفقهاء في أكثر من موضوع أن المنتحر لا يخرج عن الاسلام ولهذا قالوا بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه بمقابر المسلمين، ومما قاله فقهاء الحنفية كالزيلعي وابن عابدين في وصفه أنه فاسق كسائر فساق المسلمين »الفتاوي الخانية بهامش الفتاوي الهندية 1/186، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1/250 ابن عابدين 1/184» وما قاله فقهاء الشافعية علي عدم كفر المنتحر »بنهاية المحتاج2/432». والمتجه والمفتي به لدي فقهاء السنة والجماعة أن المنتحر من جهة الجزاء تحت المشيئة وليس مقطوعا بخلوده في النار لحديث جابر لما هاجر رسول الله الي المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو - - وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة »مرضا بها بالحمي وما أشبه» فمرض فجزع فأخذ مشاقص »آلات حادة كسكين وما أشبه» فقطع بها براجمه فشخبت يداه »أي نزفت دماء» حتي مات فرآه الطفيل في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي بهجرتي الي نبيه فقال: مالي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها- أي الرؤيا- علي النبي فقال رسول الله : وليديه فاغفر» أخرجه مسلم. وذكرت الموسوعة الفقهية الكويتية 6/292 بتصرف ما نصه »وهذا كله يدل علي أن المنتحر لا يخرج بذلك عن كونه مسلما لكنه ارتكب كبيرة فيسمي فاسقا». الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر