أول تعليق من الرئيس الأمريكي علي الحرب بين الهند وباكستان    جديد بشأن حادثة روان طالبة جامعة الزقازيق| والعميد يؤكد: أنا موجود في منزلي    مصرع شخصين في حريق نشب داخل مركز صيانة سيارات بالهرم    منها «السرطان».. 5 أبراج تجيد الطبخ بالفطرة وتبتكر وصفات جديدة بكل شغف    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    السبكي يلتقي رئيس هيئة قناة السويس لبحث سبل التعاون الطبي    مجلس الوزراء يوافق على اللائحة الخاصة بصندوق تحسين الخدمة في مستشفيات ومراكز الصحة النفسية وعلاج الإدمان    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    فيديو.. خالد أبو بكر للحكومة: مفيش فسخ لعقود الإيجار القديم.. بتقلقوا الناس ليه؟!    هبوط مؤشرات البورصة بختام تعاملات الأربعاء بضغوط مبيعات أجنبية    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    طلعت مصطفى تعلن تحقيق 70 مليار جنيه من «ساوث ميد» خلال يوم.. وإجمالي مبيعات المجموعة يرتفع إلى 160 مليار خلال 2025    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    تعرف على تشكيل الجهاز الفنى للزمالك    كرة يد.. منتخب مصر يواجه البحرين في الجولة الثانية من كأس العرب    السنغال بالزي الأبيض والكونغو بالأزرق في كأس إفريقيا للشباب    غدًا.. اتحاد الطائرة يناقش تشكيل الأجهزة الفنية واعتماد الموازنة وخطط الإعداد للأولمبياد    تبدأ 22 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الثالث الابتدائي في القاهرة    البابا تواضروس الثاني يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    تبدأ 21 مايو.. تعرف على جدول امتحانات التيرم الثاني 20285 للصف الثاني الثانوي في القاهرة    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    «القومي للمرأة» ينظم ورشة عمل تفاعلية لخريجات برنامج «المرأة تقود»    مجدي البدوي: عمال مصر رجال المرحلة.. والتحديات لا تُحسم إلا بسواعدهم    كسر حاجز ال 20 مليون جنيه.. إيرادات أحدث أفلام علي ربيع في السينما (تفاصيل)    أستراحة قصيرة لفريق "أحمد وأحمد"... وتصوير مشاهد أكشن في الصحراء    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يسدل الستار عن دورته التاسعة بإعلان الجوائز    مختص يكشف سبب "خناقات الأطفال" المتكررة.. هل طبيعية ولا علاوة خطر؟    13 كيانا فنيا مصريا يشارك في Egyptian Media Hub بمهرجان كان السينمائي    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    توريد 89 ألف طن من القمح إلى شون وصوامع سوهاج    «العمل» تطلق حزمة برامج تدريبية لتطوير قدرات العاملين    ضبط المتهمين في واقعة تعذيب وسحل شاب بالدقهلية    وكالة الأنباء الفلسطينية: ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي لمدرستين في مخيم البريج ومدينة غزة إلى 49 قتيلا    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    إصابة ضباط وجنود إسرائيليين في كمين محكم نفذته المقاومة داخل رفح الفلسطينية    كيف يتم انتخاب البابا الجديد؟    بدء اجتماع "محلية النواب" لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    «طالبوا ببيعه».. جماهير برشلونة تنتقد أداء نجم الفريق أمام إنتر في دوري أبطال أوروبا    قرار هام من المحكمة بشأن المنتجة سارة خليفة وآخرين في قضية تصنيع المخدرات    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    ضبط 49.2 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    هل انكشاف أسفل الظهر وجزء من العورة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    المستشار الألماني الجديد يبدأ أول جولة خارجية بزيارة فرنسا    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    7 خضروات في نظامك الغذائي تساعدك في الحصول على «بطن مسطح»    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن وظائف شاغرة    أحمد سليمان: هناك محاولات ودية لحسم ملف زيزو.. وقد نراه يلعب خارج مصر    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    إريك جارسيا يلمح لتكرار "الجدل التحكيمي" في مواجهة إنتر: نعرف ما حدث مع هذا الحكم من قبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدين صباحي:مصر ليست في حاجة إلي زعيم.. والاشتراكية أصبحت في الكتب!
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 07 - 2012

في قصر القبة كان الحماس يطغي علي صوت الرئيس التونسي منصف المرزوقي وهو يقول للمرشح السابق للرئاسة، في مصر، حمدين صباحي "هذا هو المكان الذي كان يجلس فيه عبدالناصر". يعلق حمدين "عرفت من الرجل المولود في 45 أن والده كان يحفّظه تاريخ ثورة يوليو، وأسماء الضباط الأحرار، وهكذا وُلدت الثورة في وجدانه علي يد 23 يوليو". يصمت ويضيف "المرزوقي مُتحّمس لاتحاد شعوب عربية كالاتحاد الأوروبي ويري أن هذا وقت لاستلهام جمال عبد الناصر"..
إنها بالضبط نفس الفكرة التي يري حمدين أنها قابلة للتطبيق الآن، مع مراعاة الفوارق بين المجتمعات، فهناك دول فقيرة وأخري غنية، هناك دول تملك النفط، وأخري تعاني من نقص الماء. ليست القومية هي محور حوارنا مع صباحي، الرجل الذي يحمل حلم الزعيم ناصر علي كتفيه، ولكن هدفنا أيضاً فض الاشتباك بين كثير من المصطلحات مثل (ثورة يوليو) و(دولة يوليو)، والإجابة علي كثير من الأسئلة التي تتعلق ب(ثورة يناير) وهل هي امتداد ل(ثورة يوليو) أم أنها أسقطت شرعيتها، وهل الناصرية هي فقط (حكم العسكر الحالي) والحزب الضعيف الذي يحتاج إلي الكثير ليصبح أكثر اقتراباً من الجماهير؟.. هنا حمدين صباحي يتحدث عن فكرة إعادة الزعامة، وإحياء حلم عبدالناصر.سألته: البعض يعتبر أن يناير أسقطت شرعية يوليو.. فما رأيك؟
وقال: يناير جددت شرعية يوليو ، يناير هي الابن الشرعي ل23 يوليو، واستكمال لها، وأي مصري ينتمي إلي الوطنية المصرية الجامعة، وليس لأيديولوجيا معينة، ولا لفريق سياسي، من واجبه أن يري 25 ينايرفي إطار مسار الحركة الوطنية الحديثة، وهذا المسار يمكن أن نتلمّس بداياته من قيادة مشايخ الأزهر للحركة الوطنية المصرية مع دخول الحملة الفرنسية إلي مصر. هذا المسار الذي نلمح فيه علامات كبري، من بينها محمد فريد، ومصطفي كامل، وأحمد عرابي والثورة العرابية بالتأكيد، وثورة 19، ومنها حركات العمال والطلبة علي مدار ما قبل ثورة يوليو. أعتقد أن جمال عبد الناصر وثورة يوليو يمثلان قمّة نضج تلك الحركة الوطنية المصرية. جاءت 25 يناير ضد (الردّة) علي 23 يوليو. وهنا أريد أن أقول إن هناك خلطاً دائماً بينًا لدي البعض، وهو خلط متعمد ومقصود بين سلطة الثورة التي قادها ناصر وبين سلطة الردة التي قادها السادات وعمّق خطها مبارك، علي الرغم من أن الفصول واضحة وقاطعة بين سياسات الثورة، وانحيازها للفقراء، بقيادة ناصر، وبين الانحياز للطبقة الطفيلية الجديدة، هناك فارق بين رؤية ذات طابع اشتراكي في التنمية وتوزيع هذه التنمية، وبين رؤية صنعت فوارق رهيبة بين الطبقات، بين رؤية تري مصر في قلب أمتها العربية، وتربط مصر بالأمة وتضع مصر في قلب العالم، وبين رؤية تعيد حصار مصر في حدودها السياسية، وفصمها عن جسدها الطبيعي، جغرافياً وتاريخياً وثقافياً، وتفصلها عن الإقليم والعالم، بين سياسة كانت تري أن الشعب هو القائد والمعلم والمسئول عن صياغة مستقبله ومصيره، وبين رؤية تري أن 99 بالمائة من أوراق اللعبة في يد أمريكا، بين حرب ضارية ضد الصهيونية وكامب ديفيد وما استتبعها من سياسات، وبين رؤية تخضع للتبعية. المهم أن الخطوط كانت واضحة جداً بين الثورة والردّة. الثورة عاشت في السلطة في مصر من 52 إلي 70، والردة عاشت من منتصف السبعينيات، عقب نصر أكتوبر الذي تم إهدار دم شهدائه بما تلاه من اتفاقيات، إلي نهاية عصر مبارك.
25 يناير قامت ضد الرّدة علي 23 يوليو، وعلي طريقة (عكس العكس إثبات)، 25 يناير هي إعادة اعتبار ل23 يوليو ولاسم جمال عبد الناصر. حتي.. يُمكنك أن تلحظ هذا في رموز دالة، الشخص الوحيد الذي رُفعت صوره في ميدان التحرير وفي كل ميادين التحرير في الوطن العربي هو جمال عبد الناصر، وهو بالضبط ما حدث لعلم فلسطين، فقد كان الوحيد الذي رُفع في الدول التي حدثت بها ثورات. رفرف في ميدان التحرير، وفي تونس، وأيضاً في صنعاء. وهذا دلالة علي الهوية التي تؤكد عليها الثورات، وأعتقد أن عطش المصريين والعرب جميعاً للكرامة جعلهم يستدعون 23 يوليو وجمال عبد الناصر، ويرفعون صوره في الميادين، ويعبّرون عن توقهم لاتخاذ موقف من أسر التبعية برفع علم فلسطين وكل هذه المعاني تجعلني كمصري أفخر بأنني واحد من 23 يوليو، وواحد من جنود 25 يناير. لقد حدثت مصالحة بسبب 25 يناير مع تاريخنا كله وبالذات مع 23 يوليو، ورمزها جمال عبدالناصر.
لماذا يحصر البعض (يوليو) في حكم العسكر الآن؟!
أعتقد أن هذه نظرة لها موقف من 23 يوليو، بالتأكيد لأنها تعبّر عن تيارات اصطدمت بيوليو، وامتلكت مشاريع فشلت في إثبات ذاتها وحضورها، في الوقت الذي جذب فيه مشروع يوليو الجماهير في الوطن العربي. الإخوان مثلاً جماعة عندها مشروع سياسي، وهي جماعة اصطدمت بجمال عبد الناصر صداماً لم يكن الدين أبداً فيه موضوعاً لهذا الصدام، لم يكن صداماً حول الإسلام ولا مبادئه، ولا قيمه، ولا الغيرة عليه، ولا الانتماء له، لأن كل ذلك متوافر في الذين قادوا الثورة مع جمال عبد الناصر، ولكنه كان صداماً علي السلطة، فهناك ثأر ناجم عن الصدام علي السلطة وما استتبعه من جراح عند الطرفين، جراح ناجمة عن ذلك الصدام، الذي كان يحاول فيه الإخوان إسقاط عبد الناصر، ويستخدم فيه الزعيم أدوات الدولة القمعية ضدهم.
هذا نوع من أنواع تخليص تارات، وأعتقد أن الملمح الرئيسي ل23 يوليو هو الانحياز للفقراء، ومشروعات العدل، عبدالناصر هو الحاكم الوحيد في تاريخ مصر الحديث، الذي انحاز للفقراء، لا قبله، ولا بعده، وهو أحد حاكمين تبنيا مشروعاً كبيراً للنهضة. والثاني هو محمد علي الكبير. انحياز عبدالناصر للفقراء تعبير عن رؤية اجتماعية واقتصادية، وأعتقد أن تلك الرؤية تناقض الرؤية السائدة عند اليمين بطرفيه الليبرالي والإسلامي. الإخوان كجماعة ما فلسفتها الاقتصادية؟! وأيضاً السلفيين الأكثر ظهوراً بعد الثورة.. ما فلسفتهم؟! أعتقد أنها نفس فلسفة آليات السوق الرأسمالي بكل ما يمكن أن ينتج عنها من تهميش لأغلبية من الفقراء. كنز أو اكتناز للثروة لأقلية من الأغنياء. نعم.. إنها نفس فلسفة اليمين، سواء كانت مسحته ليبرالية تدافع عن دولة مدنية، أو إسلامية تتجه لدولة دينية سواء قالوها أو لم يقولوها، لكنّ الاثنين فيما يتعلق بالمال موقفهما واحد، والسؤال.. من يقدم بديلاً للاثنين؟ إنه مشروع الانتماء للفقراء، مشروع ذو قلب اشتراكي، يمكن أن تصفه باليسار، أو اليسار وسط المجتمع، بالمعني الاجتماعي..
أنت تحاول إعادة فكرة الزعيم مرة أخري.. وهذه بداية صناعة ديكتاتور.. ما رأيك؟!
في اعتقادي أن مصر ليست في حاجة إلي زعيم فرد، ولا فكرة البطل المفارق للجماعة. كل المجتمعات تفرز مقولاتها وتعبيراتها وعناوينها، مثلما تصدر رواية فأنت في حاجة إلي عنوان لها، أو موضوع صحفي سيحتاج بالقطع إلي مجموعة عناوين، هذه ضرورات، ولكنا بلا قيمة خارج النص، ليس هناك وجود لظاهرة حقيقية اسمها (زعامة) أو (زعيم) خارج جماعة زعمته، ولا لبطل خارج أهداف تُعبّر عن الجماعة. الظواهر مربوطة بضمير جماعة معينة واحتياجاتها وشوقها وتوقها، في لحظة معينة من التاريخ. هنا.. الجماعات توظّف أفرادها. تقول لهذا اذهب أنت شاعرنا، أنت مطربنا، وأنت قائد هتافنا. إنها تكليفات، ولكنها في احتياج إلي مواهب قادرة عليها، بدون موهبة مثل صلاح جاهين، لن نقدر علي التعبير عن الحلم القومي الواسع، هو الذي قال "تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا.. في كل قرية عربية". لا تستطيع أن تكون شيئاً فردياً، ولن تستطيع تلبية حاجة الجماعة بدون قدر من الاستعداد الشخصي. تلك هي رؤيتي العامة في كل مكان. أنا لا أريد أن أصنع ظاهرة زعامة، ومؤمن جداً بالفريق، ومن الممكن أن يكون في هذا الفريق شخص قادر علي الاتصال بالجمهور، كيمياؤه تجعله قريباً من الجماهير، ولكنه يعبر عن فكرة الناس الذين يتصل بهم، وإلا لن يقبلوه، وأنا أطمح جداً لدولة حقيقية. دولة مؤسسات، وأن تصنع الجماعة الوطنية ثقافتها العظيمة جداً، التي تعطي فيها للأفراد كرامتهم، ولا تعليهم عن الجماعة التي أنبتتهم، أو توجهتهم بأداء أدوار. الجماعة حينما تنتخب عبر الصندوق تصنع رئيساً لأنها في حاجة إلي هذا الدور، لكنه محكوم، والزعيم أيضاً بغض النظر عن النصوص ليس موظفاً بدرجة رئيس دولة هو محكوم بالحاجة إليه في تلك اللحظة. لا أستطيع استصدار أحكام متعلقة بالزعامة. التعبير الوحيد الذي أثق فيه أنني أحب الناس جداً وأجتهد في أنني أكون تعبيراً عن ذلك الحب، بما يحقق مصالح الناس. الناس هم الذين يرونني ويحكمون، وفيهم مثقفون ضد أن ألعب دوراً، وآخرون مع أن ألعب دوراً مشروطاً، لكن الجماهير (تحت) هي من يحدد دوري وهي لا تعطي تفويضاً (علي بياض) لأحد، وأهم شرط الصدق مع هذه الجماهير والقدرة علي التعبير عن مصالحها.
لماذا بدأنا في 25 يناير ب"الشعب والجيش إيد واحدة"، وانتهينا إلي "يسقط يسقط حكم العسكر"؟! هل كان الهتاف الأول التلقائي هو استعادة لعلاقة الشعب القديمة بالزعيم جمال عبدالناصر؟!
الهتاف ليس استعادة لجمال عبد الناصر فقط، ولكن استعادة لموروث طويل في التكوين المصري. أحمد عرابي وهو بالمناسبة كان يُلقّب بزعيم الفلاحين، رغم أنه أدي دوره باعتباره قائداً عسكرياً، لم يُطلق عليه أحد زعيم الجيش المصري. كان علي رأس المظاهرة التي توقفت أمام عابدين، ويركب حصانه الميري ومعه قوات الجيش ويقول "والله الذي لا إله إلا هو.. إننا لن نُورث ولن نُستعبد بعد اليوم"، أليس هذا جيشاً؟ نعم.. إنه جيش مصر الحديث. منذ زمن العجلة الحربية، ومعبد الآلهة يلعب الجيش والدين كمؤسستين دوراً مهماً جداً في الكيان المصري، علي نحو يذهب فيه البعض إلي أن الجيش في كثير من الدول هو ابن للدولة الوطنية، بينما في تاريخ مصر نجد أن الدولة الوطنية هي ابنة الجيش المصري، والمعادلة بهذا المعني ليست الدولة الوطنية هي من تلد جيشاً، ولكن هناك جيشا وطنيا يلد دولة كجزء من احتياجاته.
الدين والجيش في تاريخ مصر بالغا الأهمية، والاإنان سيبقيان لاعبين رئيسيين في تكوين المجتمع والدولة في مصر. الناس حينما هتفوا "الجيش والشعب إيد واحدة" كانوا يعبرون عن هذا الموروث من ناحية، وعن اللحظة نفسها من ناحية أخري، لأن الجيش المصري في ثورة 25 يناير، أخذ موقف الحياد بين رئيسه الرسمي، الذي هو بحسب الدستور قائده الأعلي، وبين مالكه الرسمي وهو الشعب، باعتبار أن النص الدستوري يقول "الجيش ملك الشعب"، وهو انحاز للمالك أكثر مما انحاز للمدير (يضحك) وأنا أعتبر أن هذا كان حياداً إيجابياً لصالح الشعب، وهكذا هتف الناس "الجيش والشعب إيد واحدة". أنا كنت في ميدان ليلة نزول الجيش 28 يناير وأذيع خبر النزول، والناس بعد آثار المعركة الدامية وانقشاع الدخان قليلاً كانوا يذهبون ليشاهدوا علي أي تلفزيون في أي مقهي قريب الأخبار وعادوا ليقولوا إن الجيش نزل، وأنا قلت لهم صفقوا للدبابات وقدموا للجنود الورد، وطبعاً تساءلوا بدهشة: كيف؟! طبعاً أنا في ذاكرتي ما حدث حينما نزل الجيش في 86، والذين كانوا موجودين طلبوا مني الكلام مع الناس، وخطبت فيهم وقلت لهم إن الجيش قادم ونحن سنفعل معه كذا وكذا، وبالطبع هناك أجيال ممن كانوا يستمعون إليّ لم يعيشوا تلك اللحظة، ولكن الكل استجاب عموماً، وكان طبيعيا أن يتم الهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة"..
ولكن كيف آل بنا الحال من تتويج المجلس العسكري علي قلوب المصريين، وهتاف "الشعب والجيش إيد واحدة"، إلي "يسقط يسقط حكم العسكر"؟!
هذا هو جزاء الوفاق للإدارة المتخلفة سياسياً والمترهلة والرديئة والتي تصل من وجهة نظري إلي درجة (الهبل السياسي). هذه مجموعة أساءت لمصر وللمؤسسة العسكرية وللثورة، ولو أخذنا نموذجاً لسوء الإدارة وانهيار الكفاءة، وسوء المصائر التي أودت بأصحابها سنجد نموذج المجلس العسكري كصاحب سلطة رئيس المرحلة الانتقالية، من ساعة استلامه لبلد بعد ثورة عظيمة إلي أن سلمها لمحمد مرسي رئيساً، وأعتقد أن هذا المجلس لو احتاج إلي محاكمة فهو يحتاج محاكمة علي النتائج التي أوصل مصر إليها، بقدر ما يحتاج محاكمة علي تفاصيل إدارته قبل الوصول إلي تلك النتائج، ولا يوجد أحد يمكنه تجريف شعبيته بتلك السرعة. لقد رأينا نموذجين لتجريف الشعبية، المجلس العسكري كان أستاذاً في تضييع شعبيته، وهنا لا بد من القول إن السلطة اختبار قاس للشعبية، والإخوان حصلوا علي البرلمان فانخفضت شعبيتهم، والفارق بين أصواتهم كأعضاء برلمان، وأصوات مرشحهم لرئاسة الجمهورية أيام الانتخابات يكاد يكون النصف تقريباً، في عدة أشهر، وربما يفقدون النصف الثاني بعد عدة أشهر أخري من وجودهم في موقع الرئاسة، وربما لا. الإثنان يستحقان اقتسام جائزة فقدان الشعبية عند امتلاك السلطة، وربنا ينجينا من هذا المصير (يضحك).
فكرة التأميم.. هل هي صالحة للتطبيق علي أرض الواقع؟! لو جاء حمدين إلي الرئاسة هل يفعل هذا؟!
من الممكن تطبيق فكرة التأميم علي أرض الواقع نظرياً، ولكن برنامجي ليس كذلك، فحينما قدمت نفسي كمرشح لرئاسة الجمهورية قلت إنني قادم لأنتصر للفقراء. انتصاري لهم ليس معناه بالضرورة أن أقوم بالتأميم. قلت سأؤمم شيئاً واحداً. الذين سرقونا في منهبة الخصخصة، ومن أخذوا مصانعنا سفاحاً بالفساد وقطعوا "المَكَن" وباعوه خردة، و(سقّعوا) الأرض حتي يقيموا عليها المباني، ولكن الذي سيضع قرشاً في مصر، في إطار تصور عن تنمية، في إطار دولة خالية من الفساد، فلن أؤممه، علي العكس سأحميه.. بشرط أن يلتزم بشروط بالعدل الاجتماعي، لأننا نحتاج إلي رأسمالية وطنية كبيرة ملتزمة اجتماعياً ومدركة لدورها..
وأنا قرأت شيئاً إيجابياً في نتائج التصويت لي، من صوّتوا لي وهم مدركون أنني منحاز إما بسبب ناصريتي أو بسبب أنني ابن فلاحين، أو بسبب مواقفي أنا الشخصية، سواء في معاركي قبل الثورة من أجل الفلاحين أو العمال، الذين اختاروني وهم يدركون أنني مع العدل الاجتماعي كان فيهم فقراء أدركوا مصلحتهم ووعوا أنني تعبير عنها، وطبقة مصرية وسطي صوتت لي رغم هذا الإدراك، طبقة وسطي نبيلة وجديرة بأداء دورها الاجتماعي، بتصويتها لي وهي تدرك انحيازي الاجتماعي، يعني أنها هي الأخري ترضي بالعدل الاجتماعي. أنا مشروعي لم تكن فيه تأميمات ماعدا هذا الاستثناء، وطبعاً لا يوجد إقطاع في مصر الآن موجود بالمعني القديم، لكن أنا مشروعي فيه عدل اجتماعي سيتم عبر تنمية كبري، فيها قطاع عام، وتعاوني، وخاص. مصر الآن ليست في حاجة إلي كثير من الإجراءات العقابية إلا تجاه الفساد.. الفساد كآلية امتلاك للثروة وما نجم عنه بوقائع واضحة للعيان وبأسماء محددة جداً، هم ليسوا كثيرين وإن كان ما حازوه كثير. مصر تحتاج إلي إجراءات بناءة فيها مفهوم للتخطيط، والتنمية، ومضاعفة متوالية لإجمالي إنتاجنا القومي، وإعادة توزيعه علي الناس ، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
أنت ناصري الهوي، تحمل حلم عبد الناصر علي كتفيك، هل تري أن هذا الحلم ما زال صالحاً للتطبيق الآن، أتحدث عن الشق الاقتصادي، المتعلق بالأفكار الاشتراكية، خاصة أن أفكار الإخوان المسلمين كلها تنحاز للاقتصاد الرأسمالي.
البرنامج الذي أطرحه لا أسميه "رأسمالي" لأنني بالتأكيد ضد آليات السوق المفتوحة، لأنها تشكل نهباً حقيقياً للفقراء، ولا تصنع تنمية، وضد الاشتراكية بمعناها (الكُتبي) ورأيي أنه لم يعد هناك اشتراكية أو رأسمالية إلا في الكتب، الأنظمة الاقتصادية الناجحة في العالم هي أنظمة تأخذ من الفكرتين وتعمل نموذجاً تطبيقياً. مصر تحتاج إلي أن تصعد في مدي زمني محدود ومحدد إلي مرتبة الاقتصاديات الكبري، وعندنا نماذج، الصين والبرازيل، وجنوب أفريقيا، والهند، وتركيا. هذه النماذج لا هي رأسمالية ولا اشتراكية بالمعني الموجود في الكتب، أكثرها اشتراكية من حيث الاسم الصين، وهو النموذج الذي مزج رؤيته النظرية الإيديولوجية للاقتصاد الاشتراكي بآليات السوق، وأكثرها إغراقاً في نظم ذات طابع رأسمالي طعّم نفسه بآليات الاشتراكية. الآن ما يمكن أن يفيد مصر هو أن تصنع نموذجها الذي يلائمها ، ولكن في إطار خبرة تلك البلدان، الذي أسميه باقتصاد السوق الاجتماعي، فيه آليات رأسمالية، ويتم الجمع بينهما بحسب المصالح الوطنية في تلك اللحظة، وهذا معناه في الملكية أنه لديك قطاع عام وقطاع خاص. لا توجد ملكية عامة مقدسة، ولا حظر علي الخاصة، ولا توجد ملكية خاصة تمنع الملكية العامة، كل موجود بالنسبة التي يستطيع أن يساهم بها في خطة للنهضة، التي هدفها خلق بيت سعيد لكل أسرة بتعبير عبد الناصر، وهذا هو معني الاشتراكية، وبدون دور للدولة لا مجال للتنمية أو للعدالة الاجتماعية.
ما الفارق بين (دولة يوليو) و(ثورة يوليو)؟! هل هناك ثورة تساوي دولتها؟!
لا توجد أي دولة تساوي ثورتها.. هذا أمر لا يخص دولة يوليو . انظر الآن (يضحك) وقارن بين ثورة 25 يناير ودولة 25 يناير، وستدرك أنه لا يوجد تطابق بالضرورة. وهذا لا يمنع من القول إن دولة 25 يناير لم تكتمل ولم تقم حتي الآن من وجهة نظري، قيام الدولة التي حققت ثورة ليس معناه أن الثورة حققت أغراضها الرئيسية، فالدولة في يوليو مثل كل دولة في أي ثورة، تعاني من الضرورات المفروضة عليها. إنها أحياناً تُنتج من تطبيقاتها ما يمكن أن يكون ضد هذه الثورة ويعوقها أحياناً، ويرتد بها أحياناً ويسيء إليها أحياناً. دولة يوليو ليست مطابقة لثورة يوليو، ثورة يوليو هي قيم وطنية مصرية وإنسانية واضحة وأهداف سعت دولة يوليو لتطبيقها بدرجات معينة من النجاح والفشل. وطبعاً هذه الدولة تركت إنجازات عظيمة جداً، وارتكبت أخطاء فادحة جداً.. هي الدولة التي عملت مجانية التعليم، لولا هذه الدولة لما كنت تلقيت تعليماً ولم أكن لأصبح رئيس اتحاد طلاب كليتي ولا كنت لأرشح نفسي لرئاسة الجمهورية، ولست الوحيد الذي ينطبق عليه القول ولكنْ هناك آخرين من الذين يأكلون وينكرون، ولا يعترفون لتلك الثورة بشيء، حتي مع ترشحهم للرئاسة. إنها الدولة التي بنت ألف مصنع وأعطت حقوقاً للعمال، ووزعت أراضي علي الفلاحين.. الدولة التي أدخلت التليفزيون، وفي الثقافة هي دولة مشروع الألف كتاب....
ولكنها أيضاً الدولة ذات الأخطاء الفادحة؟!..
نعم.. إنها الدولة المصرية التي اعتدت علي حقوق الإنسان بالمعني المتعارف عليه. هذه دولة نشأت في حقبة تاريخية هي النصف الثاني من القرن العشرين، حقبة التحرر الوطني بامتياز، التي ارتبطت بفكرة عن إعادة تنظيم الدولة الوطنية، بفكرة "كلنا إيد واحدة" التي تطمس حدود التباينات والخلافات في الرأي، وتنظم الناس في بنية سياسية واحدة، الاتحاد القومي، الاتحاد الاشتراكي، ولم تكن هذه بدعة لمصر، فكثير من الدول فعل هذا، هناك كتلة اشتراكية واسعة قائمة علي التنظيم الواحد، وكانت هناك بلدان متحررة من الاستعمار الذي كان في معظمه غربياً، فاشتغلت علي فكرة التنظيم الواحد أيضاً، ومنها دولة يوليو، وهو ما أورثها كل العيوب المتعلقة بدولة لم تُقِم بنياناً سياسياً قائماً علي التعددية السياسية، وهذا خطأ جوهري..
أخيراً.. القومية العربية التي كانت دولة يوليو أحد تجلياتها الكبري.. هل يمكن أن تعيد الدور المصري في المنطقة؟!
مصر تعثر علي نفسها ليس عن القومية ولكن عن العدالة الاجتماعية أيضاً، عن الاستقلال، عن ديمقراطية حقة، لا عن ديكوديمو، ديمقراطية ديكورية، وأعتقد أن عودة الحديث عن مصر العربية، عن حركة قومية عربية، عن عروبة مصر، هو جزء من استرداد مصر لوعيها بذاتها وبدورها وبمصالحها ما سيؤدي إلي إعادة الاعتبار لعروبة أُهدرت، وهذا يملي علينا التفكير في عروبة جديدة، ليست علي طريقة عروبة جمال عبد الناصر، زعيم يصنع وحدةً بأثره علي الجمهور، ولا رئيس يتفق مع رئيس فيفرضان وحدة (من أعلي)، ولكن ننادي الآن بوحدة شعبية تبني قواعدها بين الناس، بالذات في الدول التي شهدت ثورات مثل مصر وتونس واليمن. الناس في تلك الدول مسئولون عن صياغة علاقات شعبية أصيلة ما بينهم، ما بين النقابات، واتحادات العمال، منظمات الشباب، البرلمانات، ثم الحكومات، الوطن العربي مهيأ بحكم ما يواجهه من مصاعب وقدرته علي عمل حلول، أن يبني كياناً شبيهاً بكيان الاتحاد الأوروبي.. مع السماح بدرجة من الاستقلالية للكيانات القطرية، علينا أن ننشئ نموذجاً فيه تدرج، أن نشتغل علي الهوية والوحدة الثقافية، والمصالح الاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.