لقطة من فيلم أحمد باى أثناء التصوير في الحياة هناك شخصيات تثير الجدل حولها، أينما حلت أو ذهبت.. أفعالها.. أقوالها وردود أفعالها صادمة في الكثير من الأحيان، تخرج عن المألوف ولا تبالي بما يقال ويشاع عنها أو حولها.. أفعالها عادة مستفزة.. وردود أفعالها أكثر استفزازا.. ومن بين الشخصيات الفنية الأكثر شهرة في فرنسا وأوروبا النجم الفرنسي »چيرار ديبارديو» الذي يطلق عليه »الغول» أو »الوحش».. »ديبارديه» الأكثر إثارة للجدل لما يثيره من أزمات.. ولعل آخر تلك الأزمات هي التي أثارها في الأوساط الفنية الجزائرية بسبب مشاركته في الفيلم التاريخي الكبير »أحمد باي» الذي يروي مرحلة هامة من تاريخ الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1830.. في هذا الفيلم الذي يقوم بإخراجه الإيراني »جمال شورجة» وكتب السيناريو الخاص به »رابح ظريف» والمنتج المنفذ له »سميرة حاج چيلالي» مع مؤسسة السينما الجزائرية وذلك ضمن توقيع اتفاقية بين الوزارة وإيران علي التعاون الفني. في هذا الفيلم يقوم بدور »أحمد باي» الفنان »محمد طاهر الزاوي» بينما يقوم بدور »الداي حسين» جيرار ديبارديو، مما أثار حفيظة الكثيرين من أدائه شخصية وطنية هامة في تاريخ الجزائر وكان من الأولي أن يقوم جزائري بها.. وعلي ديبارديو أن يقدم شخصية فرنسية. المنتجة »سميرة حاج جيلالي» دافعت عن هذا الاختيار بأنه يعطي بعداً عالمياً للفيلم في التوزيع ليكون أحد عناصر نجاحه وانتشاره عالمياً ولذا حرص وزير الثقافة »عز الدين ميهوبي» علي حضور بداية التصوير واحتفي بالنجم الفرنسي الكبير. • أما المعارضون »لجيرار ديبارديو» فهم يرون فيه شخصية صادمة ففي الوقت الذي يحتمي فيه بالجزائر ويقبض أعلي أجر، نراه متهما بالتحرش ضد ممثلة وكاتبة شابة.. رفعت عليه قضية وتضامنت مع ست سيدات أخريات كل منهن أبلغت عن تجربة مريرة معه.. القضية التي نفاها تماماً »ديبارديو» تداولتها المحاكم الفرنسية بعد التحقيقات التي أجريت. أما ديبارديو فقد أعلن عن سعادته الكبري بأداء دور هذه الشخصية التاريخية الوطنية والجدير بالذكر أن »ديبارديو» تربطه علاقات كثيرة بالجزائر وبالعديد من رجال الأعمال هناك. وله العديد من الاستثمارات لمزارع الكروم بها ومن كواليس التصوير قيل إن »ديبارديو» الذي يأخذ موقفاً معارضاً منذ فترة من الحكومة الفرنسية.. اختار هو أن يقدم شخصية »الداي حسين» ففضلها علي أي شخصية فرنسية خاصة لجنرالات »فرنسا».. ومع المخرج الإيراني يوجد خمسة من التقنيين الإيرانيين.. ومساعد لبناني يقوم بالترجمة يجيد العربية والفارسية. بانتهاء اليوم الأول للتصوير كان ديبارديو لا يخفي سعادته، وترحيب الجزائر به.. رغم المعارضين لأدائه الشخصية.. لكن متي كان للفن وطن أو دين.. فالفن في حد ذاته دين ووطن.. الفن ترجمة للهوية الإنسانية.
والسيدة »سميرة جيلالي» كنت قد التقيتها في مهرجان وهران السينمائي قبل الماضي.. ويومها كانت تحدثني عن هذا الفيلم الذي تعد له من عام 2014 وتعتبره محطة مهمة في تاريخ الأفلام الجزائرية.. والحقيقة التي من الواجب ذكرها أن كل الملابس والإكسسوارات التاريخية تم تصنيعها في الجزائر وبأيدٍ جزائرية. وعودة مرة أخري »للغول» أو جيرار ديبارديو كما يطلقون عليه والاسم الذي وضعه علي عنوان كتابه الأخير الذي خرج للأسواق في مارس سنة 2018 وحقق أعلي مبيعات والذي روي فيه الكثير عن حياته الشخصية.
ولد جيرار ديبارديو في الثاني والعشرين من ديسمبر سنة 1948 كانت عائلته فقيرة.. وهو الابن الثالث من بين ستة من الأشقاء والشقيقات.. الفقر الشديد الذي عاش فيه هو الذي جعل الشارع ملاذاً له ليترك المدرسة ويمارس أعمالاً صغيرة ليست بالضرورة شريفة.. حتي أنه عندما فتحت له أمريكا أو بمعني أدق هوليوود ذراعيها له وعمل في الفيلم الشهير »جرين كارت» إخراج بيتر وير، وشاركته البطولة »آندي مكدوال» ليحصل عن دوره هذا علي جائزة »الجولدن جلوب» وذلك في سنة 1990 وكان الممكن أن يحصل علي الأوسكار وتستمر مسيرته في هوليوود لولا حديث أدلي به في الصحف تمت ترجمته خطأ.. فقد قال إنه في سن التاسعة شهد حادثة اغتصاب لكن الصحفي ترجمها خطأً أنه شارك في عملية اغتصاب وكان ذلك بداية لابتعاده عن هوليوود ومما زاد هذا التأثير أنه أيضاً في سن الثالثة عشرة كان يشارك »كبودي جارد» لبعض فتيات الليل اللاتي كن يحضرن إلي منطقة »شاتورو» حيث يعيش. وصغيراً كان يعشق الملاكمة ويشارك بطرق غير قانونية في مسابقاتها. وفي سنة 1963 تبدلت حياته تماماً عندما تصادق مع »ميشيل بيلونجيه» ابن أحد الأطباء فسافرا معاً لباريس حيث أقنعه أن يتابعا دروساً في التمثيل في »المسرح الوطني الشعبي» لتظهر موهبته، وفي ذلك الوقت التقي »بإليزابيث جينوا» وتزوج منها سنة 1970 وكانت بداية دخوله للطبقة الثرية البرجوازية.. ومن خلالها تعرف علي المخرجة القديرة »إيناس فاردا» وزوجها »جال ديمي».
بدا ديبارديو حريصاً علي مسيرته الفنية فتلقي دروساً في الإلقاء مع متابعة نفسية مع أحد الأطباء. أما بداية الشهرة الحقيقية فكانت سنة 1974 في فيلم »الراقصات» ل»برانديليه» ويحصل علي جائزة السيزار. وجيرار من زواجه الأول له »جيللوم».. و»جولي» والاثنان يعملان في مجال التمثيل وحققا الكثير من النجاح بالإضافة لطفلين آخرين من زيجات أخري.
في سنة 1967 استمع »چيرار» لأول مرة لصوت سيدة الغناء العربي »أم كلثوم» وتأثر بها وبصوتها جدا.. حتي أنه ذهب إلي الجامع الكبير في باريس وأعلن إسلامه بعد ذلك لمدة عامين ليعود بعدها ويرتد.. ليتجه بعد ذلك للكنائس ليشارك في التراتيل الدينية. وفي سنة 1998 أعلن مساندته للرئيس ميتران.. وبعدها حصل علي »وسام الشرف» كما تبرع بالمال بعد ذلك للحزب الشيوعي، كما ساند أيضا في سنة 2007 الرئيس »ساركوزي» وكان يتصدي بشدة لمعارضيه. علاقات چيرار بالحكام كثيرة فقد كان علي صلة وثيقة »بكاسترو» وقام باستثمار جزء كبير من رأسماله في كوبا. في سنة 2012 كان الخلاف الكبير بينه وبين رئيس وزراء فرنسا »چان مارك إيرو» الذي كان يدافع عن السياسة الضريبية لحكومته والتي انتقدها بشدة »ديبارديو» فكتب رسالة مفتوحة لرئيس وزراء فرنسا يفتقده بشدة ويعلن تخليه عن جواز سفره والتأمين الصحي وذهب ليعيش في بلچيكا.. وبعدها منحه رئيس الشيشان »قادريوف» شقة كبيرة في أرقي أحياء جروزني.. كذلك رئيس »أوزبكستان» الذي منحه قطعة أرض علي مشارف إحدي الغابات ليبني فوقها قصرا. وفي سنة 2013 التقي بالرئيس الروسي »بوتين» وحصل علي الجنسية الروسية.. بعدها بثلاثة أيام منحه أيضا رئيس مولدوفيا.. »فلاديمير فولكوي» مساحة كبيرة من الأراضي ليبني فوقها أيضا قصرا.
إن »چيرار ديبارديو» الذي يعد أثري أثرياء نجوم فرنسا وأكثرهم شهرة في العالم بعد »لويس دي ڤينيس» مازال حتي اليوم يثير الأزمات وتتابع الصحف أخباره ولعل آخرها قضايا التحرش.. فهل سيستطيع تبرئة نفسه.. أم يلحق بغيره من المشاهير في عالم السياسة والفن.. خاصة أن هذه القضايا أصبحت موضة الآن في أوروبا.
