وائل عبد الفتاح صوت الاطفال ادهشني. نحن في قاعة عرض خاص بالرقابة ..الفيلم لم يحصل علي تصريح الرقابة بعد ...وسيعرض كما هو بدون المحذوفات. موظف الرقابة شاطر ولديه شعور بالسلطة..فيحول عرض الرقابة الي احتفال بمكانته ويوجه الدعوة الي عائلته و اصدقاءه. المدهش في صوت الاطفال ان موظف الرقابة الذي يمنعنا من مشاهدة الافلام...او يقص منها لم يفعل ذلك مع اطفاله. مقص الرقيب يتعامل مع المتفرج علي انه طفل بينما الرقيب نفسه لا يتعامل مع اطفاله علي انهم اطفال. ابتذال اخلاقي يفضح عقلية الرقابة و يكشف عن تهتك وضعها في مجتمعات لم يعد من الممكن ممرسة سلطة الحجب والمنع ..بل التنظيم و الترتيب. وهذا ما يجعل الحديث عن الهجمة علي الفن بعد وصول الاخوان الي الرئاسة ...يحتاج الي اعادة نظر في مفاهيم الاخلاق و الرقابة. اغلب السينما تراقب نفسها. والسبكي لا يتصادم موديل افلامه مع تلك التي بشر بها الاخوان. واتذكر الان مشهد النهاية في فيلم "كباريه" عندما انفجرت القنبلة و لم ينجُ سوي من نال محبة الإرهابي. الفيلم حقق نجاحاً لافتاً عندما عرض في موسم صيف 2008 لعب بطولته عدد كبير من نجوم السينما والتلفزيون وانتجته شركة "السبكي" المشهورة في عالم سينما" الوجبات السريعة". "كباريه" كان مفاجاة السبكي؛ تحفته الجادة، واسهامه في عالم سينما الافكار، كما روّجت دعاية مرحبة بالفيلم في الصحافة و التلفزيون. بل ان فريق عمل الفيلم (المؤلف احمد عبد الله و المخرج سامح عبد العزيز) اصبحا "ماركة مسجلة" للنجاح( الجاد) كما أوحت دعاية فيلمهما التالي "الفرح" التي حملت اشارة الي نجاح " كباريه" الاستثنائي وهو ما عبرت عنه الايرادات و اشارات الاعجاب من اطراف متناقضة. لماذا نجح " كباريه" رغم انه خارج " كتالوج" السبكي؟ انها" خلطة سرية " بين الحرفية ( الغائبة في افلام النجاح الباهر ) وبين وعي ملتصق بالتصورات العمومية عن الحياة. فريق الفيلم ليس مميزا بالوعي او الرؤية المفارقة..تميزه في الحرفة فقط..والفيلم يطرح تصورا للعالم لا يختلف عن تصور المتفرج الذي يري الحياة" مفسدة " و الكوارث السياسية والاجتماعية نتيجة طبيعية للابتعاد عن " كتالوج " الاخلاق الرشيدة. وبين كتالوج السبكي في افلام السوق وكتالوجه الاخلاقي يبدو الحس الشعبي المحافظ معبرا عن تناقضاته كلها. "الارهابي" عاد في " كباريه" ليكون منقذاً. بالضبط كما حدث في بداية الثمانينات عندما كان البطل المخلص في فيلم سعيد مرزوق " انقاذ ما يمكن انقاذه": بطل اخلاقي ينتشل المجتمع المسافر الي الرذيلة. الارهابي في " كباريه" ليس بنفس جهامة الارهابيين الذين قدمتهم السينما طوال سنوات معركتها مع "الارهاب".... ملامح وجهه، هنا ( لعب دوره فتحي عبد الوهاب)، لا تخلو من طيبة وسذاجة وبراءة. يستمتع الارهابي بحمام الاستشهاد.. يستحم و يغتسل ليلاقي ربه بعدما فاز في سباق الاستشهاد ووضع علي جسده الحزام الناسف و توجه الي الكباريه، ملعب المآسي الانسانية و مسرح ميلودراما الاجساد و الارواح المرهقة. هو وحده مخلص المجتمع الملوث من شروره. الارهابي طيب، اقل عنفا من الاخرين. واكتشف هناك ان ليس كلهم غارقين في الخطايا، بل ان منهم من يصلي. حاول ان يقنع "الأمراء" بإلغاء العملية، لكن منافسه وجدها فرصة لاثبات انه ضعف و سارع الي تفجير الكباريه. انها بشارة بالمخلص الاخلاقي. مخلص عابر للازمان، يبدو الان متصالحا مع مجتمع غاضب علي نفسه، مازوشي يحب قاتليه و يعتبرهم علي حق. المخلص هنا بعيد عن لعبة التسييس. انه ينظف المجتمع، لا يواجه السلطة. ويلاعب الجانب المازوشي ولوم الذات التي تشعر بالعار لاسباب مجهولة. ينسف الارهابي "مكان الخطيئة" بدون ان ينزعج احد، حتي الذين اقاموا الحرب علي " الارهاب " في السينما. انها مصالحة مع المخلّص الاخلاقي، بعدما غاب الارهابي الذي يشكل الخطر علي الدولة. هذه نهاية عبثية للحرب علي الارهاب في السينما. نهاية يصنعها مزاج مهووس بالبحث عن البركة والتوافق، لا عن التمرد علي الثقافة السائدة. مزاج محافظ يحكم و يتحكم في فن يقوم علي عنصر الصورة المشاغب من بدايته. اغلب اباطرة صناعة السينما يهتمون باظهار علامات تدينهم و ينشرون اخبارهم وهم في الطريق الي اداء الفروض المقدسة، وكأنهم يعتذرون مقدما عن " خطيئة" اشتغالهم بالفن. لكن هذه النهاية العبثية لها مقدمات ووقائع و صور...هذه بعضها. واغلب الافلام اخلاقية تمعن في تصوير "الخطايا" لاغراض التسويق لكنها تعاقب كل من يخرج عن الكتلوج بنهايات ليست واقعية. هذه سينما السبكي بدون اخوان. ولن يحتاج الاخوان الا الي الاستفادة من خبرات السبكي وعالمه الغني..ربما قريبا يبدأ عصر السبكي - اخوان.