نزلت مصر من الجنوب ومعي ثلاثة كتب: النصوص الأدبية والفلسفة والمنطق، وهأنذا أغادر الحياة وبحوزتي ثلاثة آلاف كتاب وعدة مئات من الصحف والمجلات! نزلت “عابدين” علي مرمي حجر من قصر عابدين الخديوي، كنت أدرس وأعمل شأن الطبقة الدنيا، قابلت في الأربعين عاماً الماضية ملوكا وسلاطين وأمراء وأدباء ومثقفين ومهمشين وزغل وصعاليك بلغة الجبرتي! وممن أعتز بمعرفتهم هؤلاء الأدباء الكبار علي سبيل المثال لا الحصر: 1- الأستاذ جلال العريان، المشرف علي صفحة الآراء الحرة بجريدة الجمهورية في السبعينيات والثمانينيات، وهو ابن عم الأستاذ الكبير محمد سعيد العريان - شجعني الأستاذ جلال علي نشر قصائدي بالصفحة دون سابق معرفة، مما كان له أثره في مواصلة مشواري الأدبي، عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. 2- الأستاذ لطفي الخولي، المشرف علي صفحة “الحوار القومي” بالأهرام الغراء، الذي نشر لي مقالاتي عن السودان دون أن أراه!... فأتوني بمثلهم! 3- الأستاذ الإنسان عبدالوهاب مطاوع، الذي نشر لي جميع ما أرسلته لبريد الأهرام في الثمانينيات حتي وفاته، عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. 4- الأستاذ عبدالعظيم مناف صاحب الصحف العربية القومية: صوت العرب والموقف العربي وغيرهما، لم أقابله سوي مرات قليلة، عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. 5- الأستاذ الكبير الكريم رجاء النقاش الذي نشر لي رسائلي إلي صفحته بالأهرام الغراء، عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. 6- الأستاذ الدكتور عبدالعزيز شرف والعالم الجليل د. محمد عبدالمنعم خفاجي ومن معهما، الذين شجّعوني في نشر بعض مقالاتي وحضور الأمسية الشعرية بدار رابطة الأدب الحديث بشارع شريف بالقاهرة عليهم سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. 7- الأستاذ الشاعر محمد وجدي شبانة والخطاط الماهر، الذي شجعني علي حضور الأمسية الشعرية برابطة الراحل المقيم محمد شاهين حمزة بشارع صبري أبوعلم بعابدين، عليهم سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة. وكذلك جماعة العروبة (شعراء العروبة). 8- الأستاذ الدكتور أحمد يوسف القرعي نائب رئيس تحرير الأهرام الأسبق والمشرف علي صفحة قضايا وآراء، الذي شجعني في الكتابة للصفحة، والكتابة في مجلة الثقافة العمالية في التسعينيات، شفاه الله وعافاه. 9- الأستاذ الدكتور حسن أبوطالب المشرف علي صفحة قضايا وآراء بالأهرام الغراء، ونائب رئيس التحرير الأسبق. 10- الأستاذ الدكتور يحيي محمود الساعاتي رئيس تحرير مجلة الفيصل السعودية الغراء الأسبق، متعه الله بالصحة والعافية، وكذلك بالفيصل الأدبية التي توقفت الآن. 11- الأستاذ الكريم حسين بافقيه رئيس التحرير الأسبق لمجلة الحج والعمرة، الذي شجعني علي نشر بعض إنتاجي بالمجلة الغراء في التسعينيات وما بعدها. 12- الأستاذ الدكتور السيد فليفل والأستاذ الدكتور كرم الصاوي باز وأساتذة معهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة، الذين ما توانوا في دعوتي للاشتراك في ندوتهم السنوية، جزاهم الله خيراً. 13- الأستاذة الدكتورة إجلال رأفت مقرر لجنة شئون السودان بحزب الوفد الأسبق، التي كانت تدعوني لحضور ندواتهم وسيمناراتهم، أثلج الله فؤادها المكلوم وحناياها الحزينة، وأفرغ عليها صبراً جميلاً. 14- الأستاذ الكريم موفق أبوالنيل رئيس تحرير جريدة أسوان الغراء، الذي أسند إلي الكتابة في عمود شهري “قلم أبنوس” وسماني “الأبنوسي” شفاه الله وعافاه. 15- الأستاذ الكريم طارق الطاهر رئيس تحرير أخبار الأدب آخر العنقود، الذي يشجعني علي الكتابة، جزاه الله خيراً. وهناك الكثير من الإخوة الأصدقاء الذين منحوني ثقتهم في الكتابة وإقامة الندوات والمحاضرات والأمسيات، ولا أنسي فضل الأستاذ الدكتور العالم الجليل حمدي السكوت رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الأمريكية الأسبق، الذي أتاح لي شرف الكتابة في »قاموس الأدب العربي» الصادر عن دار الشروق ثم الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقد كانت أكبر تجربة أقاسي فيها معاناة المختارات من الأدباء السودانيين وهم كثر، شفاه الله وعافاه. ولا أنسي في هذه السانحة العم الحاج حمدون مؤسس جمعية النوبي الثقافي بعابدين، الذي نشر لي بعض كتبي في التسعينيات. وكذلك لا أنسي ثقة العالم الجليل د. مختار خليل كبّارة لإسنادي الأمانة العامة لجمعية التراث النوبي في 1996م، وكذلك العم محمد سليمان جدّكاب الرئيس السابق للجمعية، وكذلك تشجيع أبناء جلدتي الأساتذة الكبار. المرحوم إدريس علي، وحسن نور، ويحيي مختار، وحجاج إدّول قبل تطرّفه سياسياً! وكذلك لا أنسي تشجيع الراحل المقيم المهندس شعبان محمد مصطفي رئيس جمعية جرْف حسين في إنجاز كتابيِ لهم »جرْف حسين بين الماضي والحاضر» وهي القرية التي نزلها العباسيون والسادة الأشراف الجعافرة وغيرهم. وكذلك مساندة صديقي العزيز الأستاذ الدكتور سعيد مغاوري أستاذ البرديات الإسلامية بالجامعات المصرية في لفت نظري نحوها لأهميتها. وكذلك لا أنسي صداقتي التي شرفتني لسعادة السفير الأديب رشاد فراج الطيب السراج عاشق العربية كابراً عن كابر. والذي عاد مؤخراً للسودان. وكذلك صداقتي للسيد الإمام الصادق المهدي إمام الأنصار ورئيس الوزراء الأسبق والمثقف والأديب الذي يحفظ ألف بيت من عيون الشعر العربي، متعه الله بالصحة والعافية. ولا أنسي دور إذاعة ركن السودان ثم وادي النيل علي استضافتي في بعض برامجهم، وأذكر منهم الراحلين المقيمين الأساتذة: فؤاد عمر (حبابك عشرة) والأخت الأستاذة ثريا جودت شقيقة الشاعر والأديب صالح جودت وعبدالفتاح والي، وآخر العنقود ثريا حشيش المديرة السابقة، رحم الله من لبي نداء ربه، ومتع الأحياء بالصحة والعافية، ولا أنسي الأستاذ الشاعر الأديب السر أحمد قدور الإعلامي المتميز الآن في الفضائية السودانية النيل الأزرق. الذي شجعني في المضي نحو الاستمرارية. معذرة لعدم التسلسل الزمني وضعف الذاكرة. وكذلك لا أنسي الشاعر العراقي أمجد سعيد الذي أولاني من وقته لنقرأ معاً عيون الشعر العربي، ولا أنسي الأستاذة سوسن أبوحسين رئيس تحرير مجلة وادي النيل، ولا أنسي في النهاية وزارة الثقافة التي أولتني منحة تفرغ منذ سبعة أعوام، أنجزت لها »مختصر تاريخ النوبة» قيد الطبع منذ 2011م ! ولله في خلقه شئون. وكذلك لا أنسي دور الأستاذ الدكتور العالم الجليل عبدالحميد صالح حمدان الشقيق الأكبر للعالم الجليل د. جمال حمدان. والدكتور عبدالحميد حمدان له الفضل في توجيهي نحو المخطوطات العربية تحقيقاً ودراسة، ومازلت أتهيّب هذا المضمار، وما تزال تحقيقاتي قيد الطبع. ولا أنسي توجيه الأستاذ الناشر أحمد علي حسن صاحب مكتبة الآداب نحو نشر ما لديّ من مؤلفات. ولا أنسي في بداية طريقي وأنا غرير توجيه الأستاذ الكبير عباس خضر(1912-1987م) أحد كتاب مجلة »الرسالة» الزياتية في مواصلة مشواري في الكتابة عن السودان، وهو قد عاش في السودان ردحاً من الزمن في الاربعينيات والخمسينيات وسجّل ذلك في كتابه »خطي مشيناها» سلسلة اقرأ- دار المعارف في 1985م تقريباً. وكذلك لا أنسي إهداء العلامة الجليل د. عبدالمجيد عابدين 1915-1991م الأستاذ بجامعات السودان في السبعينيات والثمانينيات، مجموعة من كتبه بالاسكندرية وإجازتي بإعادة نشرها في طبعات أخري، فتكالبت عليها دور النشر في إعادة »تصوير» كتبه القيمة دون علمي بها! ولا أنسي مساندة الأستاذ حسن الجوفي بالثقافة الجماهيرية (الهيئة العامة لقصور الثقافة الآن) في نشر كتابي المحقق لديوان الشاعر السوداني محمد سعيد العباسي، ونفد من الأسواق بعد عام فقط. وكذلك لا أنسي دور الإخوة الأصدقاء والزملاء الذين فتحوا لي صدورهم قبل صدور مطبوعاتهم ومنهم علي سبيل المثال لا الحصر: أريڤ الأرمنية في عهد د. محمد رفعت الإمام، والثقافة الشعبية في عهد د. أحمد مرسي. وأشكر الأستاذ عثمان الأمير الوكيل الأسبق بهيئة الاستعلامات، الذي شرّفني بالكتابة عن شخصي الضعيف في كتابه الأخير.. وكذلك لا أنسي الأستاذة سوسن أبوحسين علي دعوتها للكتابة في مجلة »وادي النيل» بدار المعارف بالقاهرة. وكذلك لا أنسي كل من قدّم لي نصيحة أو ساندني معنوياً ومادياً في سبيل نشر المعرفة، مما جعلني في نهاية مشواري الأدبي لا أندم علي سلوكي طريق الكتابة، رغم قلة العائد والزاد- وصرفي علي نشر بعض كتبي من قوت أولادي، حيث لا أزاحم الآخرين ولا أزاحم. ربما يعجب بعض القراء الكرام من تجربتي القصيرة في عالم الكتابة حوالي 40 عاماً من النشر. إلا أنه سيزول العجب إذا علموا أنني أمارس القراءة والكتابة منذ العاشرة من عمري لأنك مرغم علي كتابة وقراءة رسائل الجدات والعمّات والخالات في بلاد النوبة الجديدة من 1963م وهي مهنة شاقة لمن كان في سنّي! (قراءة مخطوطة أهون عندي!) ومعذرة أنني لم أقم بتكوين »كوادر شبابية» وتلاميذ لي، حيث إنني لم أشبع من العلم والتعليم وشرف تلمذتي لأساتذة عظام ممن سبق ذكرهم، لا أدري حتي الآن مصير »كتبي» وميراثي الورقي، التي تعتبرها زوجتي “كراكيب” هداها الله، واعتبرها ثروتي الحقيقية التي أعتز بها، حيث اقتني عدة كتب نادرة نفدت طبعاتها منذ مطلع القرن العشرين آمل ألا يكون مصير كتبي ما فعله التتار بكتب بغداد حاضرة الإسلام وخلاصة الحضارة العربية. في النهاية آمل ألا يبخل الأساتذة علي شداة الأدب ب النصيحة والتوجيه والإرشاد والمساندة والتشجيع والمتابعة، دمتم لنا. ماذا تبقّي لي من الدنيا وزخرفها إلا القراءة في القرآن خاتمتي استودعكم الله. آمل ألا تنسوني من دعائكم في الحل والحرم. فإن كان في العمر بقية نسأل الله العفو وحسن الختام لراجي عفوه ومغفرته. فضائل مصر منذ أن هبطنا مصرنا العزيزة المحروسة، ونحن ننعم بفضائلها علينا من كبار كتابها ومثقفيها، وصحفها ومجلاتها، وكتبها المطبوعة، وذخائر مخطوطاتها وبردياتها، ونفائس ذاكرتها القومية، وننظر في حضارتها التليدة وآثارها من عجائب الدنيا، ونتأمل تاريخها العريق، وجغرافيتها المتنوعة أرضاً وبشراً دماءً وشجراً ومعادن وثروات، نعمنا بطيب هوائها، واعتدال صيفها، ودفء شتائها، ونسيم ربيعها، وطفنا وتجولنا بمدنها وقراها، وسواحلها وصحراها، ولم نشبع بعدُ من وجوه حسانها ودلالهن، وطيب معشر أهلها وحبهم للغريب من كل جنس ولون ولسان، وما من شيء طلبناه آناء الليل وأطراف النهار إلا وجدناه في أسواقها من فواكه وثمار وطعام وشراب. سمعنا كبار مطربيها، وشنّف آذاننا كبار قرائها للقرآن الكريم، ورأيناها وهي في شبابها وفي شيخوختها، ارتحلنا شمالاً وجنوباً، وعدنا سراعاً إلي حضنها الدافيء وأرضها الطيبة. مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي. مصر التي ذكرت في الكتب السماوية منذ عهد آدم عليه السلام إلي خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وسلم، مصر التي كانت حاضنة الأديان وحضانة الحضارات القديمة، بارك الله في مصر.