د.جابر عصفور لا تلبث الثقافة المصرية أن تخرج من مأزق حتي تدخل مأزق جديد. الثقافة التي تحوّلت في عهد النظام البائد إلي احتفاليات وكرنفالات وسفريات ومؤتمرات وتكريمات دخلت، فيما يبدو، خريفاً طويلاً، في الوقت الذي يعيش فيه الشارع ربيع الثورة المصرية!المثقف نفسه أصبح مهتماً بالسياسة وبالأحداث السائلة التي تجري من حوله. تقدّم المواطن علي الكاتب داخل كل مبدع، وهكذا تعطّلت المشاريع الأدبية، وتحوّلت إسهامات المبدعين إلي مراجعات وقتية للأحداث السياسية. لم يعد الكاتب معنياً بالكتابة، لأنه إما يشعر بأن الحياة تغيرت ولا بد من فهم العالم الجديد قبل الكتابة، وإما بأن ما سيكتبه لن يُقرأ في تلك الفترة..الثقافة الرسمية تعاني هي الأخري، ففي أعقاب الثورة، وفي حوالي عام ونصف العام، تعاقب علي الوزراة خمسة وزراء، استمر بعضهم لأيام، والبعض الآخر لشهور، وهي فترات لا يمكن أبداً أن تسمح لوزير بتنفيذ أفكاره ومشروعاته، وهكذا تراكمت المشاكل في مؤسسات الوزارة الرسمية!كما أن الثقافة ما زالت تعاني من النظرة الدونية إليها، ومحاولة تحويل قصر ثقافة الإسماعيلية إلي قاعة لمحاكمة المتهمين في مجزرة بورسعيد يؤكد أن هناك من يراها شيئاً زائداً عن الحد، وترفاً لا يجوز!كل شيء يشير حالياً إلي أن الثقافة تعاني حالاً من الشلل. علي مستوي الكم لم تعد دور النشر تضخ نفس العدد من العناوين التي كانت تضخها قبل "يناير". بعض المكتبات أغلقت فروعاً لها، فيما ازدادت حدة الهجمة الظلامية علي الإبداع، وبالأخص السينما، وهكذا دخلت الثقافة، بتعبير محمد المخزنجي، خباءها، في انتظار زوال العاصفة، وشروق الشمس مرة أخري فمتي تشرق؟ "أنا تورطت في الوزارة.. وهو خطأ إلي الآن أعتذر عنه" بهذه الكلمات أجاب د. جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق عن سؤالي الخاص بالرؤية التي كانت نصب عينيه لحظة قبوله الانضمام لوزارة الدكتور أحمد شفيق، التي تم تشكيلها عقب الأيام الأولي لثورة يناير. د. جابر أضاف أنه من المستحيل أن يطبق ما كان في ذهنه، وهو لم يستمر سوي تسعة أيام، فضلا عن أنه اكتشف أن رئيس الوزراء آنذاك يعتبر الثقافة نوعا من الحلية، والأهم نظرته إلي قطاع الآثار باعتباره مرتبطاً بالسياحة، وبالتالي فصله الآثار عن الثقافة.. رغم أن العلاقة بينهما وثيقة، ولا يمكن الفصل بينهما. د. جابر أعاد مرة أخري كلامه الخاص بأنه فوجئ بأنها ليست حكومة ائتلافية بل حكومة حزب وطني، إلا أنه أوضح في هذه المرة: " حتي الآن لا يوجد مستقبل لمصر ولا خروج لها من المأزق الحالي إلا بالتوافق، وليس أن يقف فريق وطني أمام فريق آخر، ويتعامل كأنهما الأخوة الأعداء، هذه هي جوهر الكارثة التي نحن فيها حاليا، لا توجد قوة سياسية حقيقية تؤمن بالتوافق الوطني، ولا يوجد ما يسمي بثقافة الديمقراطية، التي تعني أنني طالما قبلت شروطها أتحمل نتائجها، لا أن أتراجع في منتصف اللعبة، وللأسف هذا ما حدث من المرشحين الرئاسيين السابقين حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح، فبعدما خسرا في صندوق الانتخابات، لم يتقبلا النتيجة، وللأسف الوحيد الذي لعب الديمقراطية بوعي كامل هو عمرو موسي، الذي خسر، إلا أنه خرج وهنأ الشعب وأعلن أنه يعمل لمصلحة بلده إلي آخر العمر، أما أغلبية المرشحين الآخرين أعلنوا أن الانتخابات غير نزيهة.. فلم يتحملوا لعبة الديمقراطية حتي النهاية، أنا أظن بل متأكد أن ثقافة الديمقراطية ليست موجودة لدينا، نحن نفتقد لمعرفة شروط الديمقراطية والوعي بها، وأن نحترم صندوق الانتخابات.. فالديمقراطية عندما تخطئ تصوب نفسها في مراحل تالية، نحن ليس لدينا وعي باحترام القانون، وما حدث في أعقاب الحكم الصادر بشأن الرئيس السابق وأولاده وحبيب العادلي والمساعدين، هو خير دليل علي ما أقول، فما حدث هو هدم للقانون وتجريح للقضاة". سألته هل تحمل الثقافة كل تبعات ما نحن فيه الآن؟ أجاب: قد يفاجأ الكثيرون عندما أقول إن أزمتنا السياسية الحالية هي أزمة ثقافية.. مشكلتنا أننا نعاني مما أطلق عليه الكارثة الثقافية.. فنحن ليست لدينا ثقافة سياسية ولا ديمقراطية ولا حوار ولا نعرف ثقافة الاختلاف، وكل ما نراه الآن هو نتائج لهذه الكارثة الثقافية، التي تحدثت عنها مرارا وتكرارا منذ أيام مبارك، وقلت إن الثقافة المصرية تمر بكارثة، وأعني الوعي المجتمعي في مصر انحدر لأسباب متعددة، وليس وزارة الثقافة فقط هي المسئولة عن هذا التردي، إنما تشاركها الوزارات المعنية بتنمية الوعي ، وإنه لا يمكن أن نسير في خطوات الإصلاح، إلا إذا عملنا استراتيجية جذرية، تعتمد علي جناحين، الأول حكومي وأعني به الوزارات المتصلة بالشأن الثقافي مثل التربية والتعليم، التعليم العالي، الإعلام، الأوقاف، والثقافة)، هذه الوزارات متصلة اتصالا مباشرا بالشأن الثقافي، ولابد أن تكون هناك خطة للنهوض بالوعي الاجتماعي، ابتداء بالتربية والتعليم، وانتهاء بتذوق الأعمال الإبداعية والفنية، أما الجناح الثاني فهو مؤسسات المجتمع المدني، الذي قدم نموذجا ناجحا وهو ساقية الصاوي، ولابد أن يشارك الجناحان ( المجتمع المدني والوزارات المعنية) في الارتقاء بالوعي الاجتماعي للشعب، وكلما بدأنا بسرعة تكون النتيجة أسرع، وفي كل الأحوال هذا الأمر سيستغرق سنوات، ولكن لابد من أن نبدأ. أخيرا سألته ماذا حققت في الأيام التي توليت فيها الوزارة؟ أجاب: من المستحيل أن يحدث أي شيء في الأيام القليلة التي توليتها، قبل تقديم استقالتي، لذا شخصيا أحلم بوزير لديه رؤية للثقافة وربطها بوعي المجتمع، هذه الثقافة كيف تتحول من ثقافة تخلف إلي ثقافة تقدم، ولن يحدث ذلك، إلا بما سبق أن قلته بوضع استراتيجية تشارك فيها الوزارات المعنية والمجتمع المدني.