يسري الفخرانى أعذب نقطة ماء في النهر.. هي التي جرفها التيار مسافات طويلة، طول المشوار بين صخور ورمال وصعود وهبوط، تجعلها نقية نقاء من هذبته التجارب وعلمته الحكمة. ( المشوار صعب، لكن الوصول ليس مستحيلا ). عذُوبة الحياة في صعوبة مشوارها، إننا حصاد ما نمر به وما يمر علينا من وجوه الحياة وتَقلباتها المستمرة، لا شئ يبقي، ولكل نهاية بداية ولكل بداية نهاية، والألم مهما كان عظيما نَمر به لكي نتذوق حلاوة الشفاء ونعمة الصحة ونعرف أن العافية لها سحر أجمل بكثير مما نتصور. لا حزن يَدوم، لا فرح يستمر، لا بكاء يَقْتُل ولا ضحك يحيي، والرحلة الشاقة إلي ما نتمني مستمرة، وهي عند أنقياء القلوب وأصحاب الأرواح المُرهفة رحلة ممتعة بقارب في نهر طويل يخفي الخير ويخفي الخطر، مستمرة نحو مجهول نكتشفه لكي يصبح للحياة معني. كل يوم هو عمر جديد، الحمد لله علي أننا نبدؤه ونملأ الوقت بما يجدد علاقتنا بالحياة. حياة أنت فيها القارب والكاتب والنور والبحار والسؤال، وكلنا نجتهد لكي نُبحر ونَكتب ونري ونذهب ونجد الإجابة التي نقتنع بها أن ننتظر غدا. لو مَلَّت الأمهات من وجوه أطفالهن.. ما بدأت رحلة جديدة تسعة أشهر من العذاب والألم والانتظار. لكن ( كما صبر الأمهات ) نتحمّل وننتظر لكي يَخْلُق الله لنا من الصَّبر حياة أجمل. لا تُمل رحلة أولياء الله نحو نوره بصبر وحب وامتنان ويقين.. إن كل غائب عائد وكل مُنتظر قادم وكل ألم زائل وكل خَوْف يُمحي وكل خطوة لله لا تَضيع في كَون الله وخَلقه، لا يَتوه أبدا الحالمون بالخير،لا ترتبك خطواتهم،لا تنحني ظهورهم،لا تَنكسر أمانيهم التي تَدلهم علي الطريق. كما تلك النقطة من ماء جاءت من بعيد. من سماء لم نَعد نجومها.. لكي تَقطع مسافة طويلة طويلة فتستقر في نهاية رحلة قَبضة ماء في يَد طفل فيشرب أو تسقي بذرة مجهولة ضائعة في الأرض فتنمو وتصبح شجرة. نحن هذه النقطة التي تَجْرِي.. لكي تَصنع من الحياة حياة. ما أصعبها رحلة!.. وما أروعها رحلة!