الكتاب: خوسى»آى. كارميلا« المؤلف: موسى سانشيس الناشر: سنابل صدرت مؤخرا عن دار سنابل في القاهرة مسرحية الكاتب الإسباني خوسي سانشيس سينيستّرا المعنونة "آي.. كارميلا" وبعنوان فرعي هو ) مرثية عن حرب أهلية) بترجمة الكاتب والمترجم العراقي المقيم في إسبانيا عبدالهادي سعدون. والمسرحية التي جاءت في فصلين وخاتمة تتناول سيرة حياة ممثلين هزليين زوج وزوجته احترفا تقديم مسرحيات ساخرة للترفيه عن الجنود الذين يقاتلون من أجل الجمهورية في مواجهة القوي الفاشستية أثناء فترة الحرب الأهلية الإسبانية ومعاناتهما في تأدية عملهما، ولكن شاء سوء حظهما أن وقعا بين أيدي إحدي الكتائب الفاشية الإيطالية التي كانت تقاتل إلي جوار قوات الجنرال فرانكو لإسقاط الجمهورية، ووجدا نفسيهما في موقف صعب بين التحدي والرضوخ للقوة الحربية الغاشمة أو المآسي التي كان يعيشها الشعب الأسباني بسبب هذا الصراع أو إنتقادها. مؤلف المسرحية يعد واحداً من أهم كتاب المسرح الإسباني المعاصر، وهو من مؤسسي نمط مسرحي أطلق عليه اسم "المسرح الحدودي" أو "المسرح المتاخم". وما يعرف عن مسرح ونصوص سانشيس سينستّرا هو التزامه إلي أبعد مدي مع قضايا المهمشين والعلاقات الإنسانية المتأزمة في الأزمنة الصعبة، وهو ما تعكسه أغلب نصوصه المتعلقة بظرف بشري صعب أو وضع عالمي متأزم كما يحدث في الصراعات المسلحة والحروب. والمؤلف لا يتخذ من القضايا الكبري قاعدة لتناول موضوعاته، بقدر ما يركز علي الهامش منها، مثل هذه المسرحية (آي.. كارميلا)، ففيها لم يتناول الحرب الأهلية الإسبانية بنسقها الأكبر، بل تناولها من خلال الحياة الهامشية لاثنين من عموم الشعب، بل من طبقاته الدنيا وأكثرها التصاقاً بالبشر من خلال ما يقدمانه من فن والإحساس بالمعاناة بأشد صورها قرباً و تأثيراً. المسرحية كما يعرفها مؤلفها ليست عملاً عن الحرب الأهلية الإسبانية نفسها بل عما تحدثه الحروب بشكل عام من شروخ في الضمير البشري. وهي علي هذا عمل يأخذ من الحرب نفسها الزمن والمكان لتطوير الحدث. علي الرغم من اننا نعرف بأن مؤلفها الإسباني يعني ويصور لنا ما يدور لبطليه أثناء وقائع الحرب الأهلية الإسبانية الدموية، فهو هنا في إشارته المجردة التي يضعها كعنوان فرعي (عن حرب أهلية) إنما أراد بها أن تكون علامة لمعاناة البشر في أية حرب أهلية أخري تدور ودارت في العالم أجمع، فالمأساة والدمار والبشاعة هي ذاتها سواء جرت في إسبانيا أو في أي مكان وزمن آخر. إن بطلي المسرحية "باولينو" و"كارميلا" من خلال عملهما كممثلين هامشيين في مسارح إسبانيا القروية آنذاك، يشكلان الجانب الإنساني المتواضع والثري في آن واحد، لكنهما يعنيان أيضاً الوجه الحميم للبشر ونقيضه الممكن، الجبان والمخاتل. إن النص في حد ذاته هو تنويع علي المسرح وفنونه. فنجد أن بطلي المسرحية يقدمان لنا المسرح من داخل المسرح، شخصيتا ممثلين يشرحان ظروف حياتهما أثناء الحرب الأهلية من خلال ما يقدمانه من عروض مسرحية متنقلة في البلاد. هما يمثلان، يرقصان ويغنيان، يجعلاننا نضحك لوضعهما في العديد من المواقف ونبكي ونتأثر في غيرها، إذ يدفعان بنا كمشاهدين وقراء لأن نمارس دورنا من خلال عملهما المزدوج من علي خشبة المسرح، مما يعني تواطأنا الدائم مع العرض بإرادة أو غيرها. إن عملهما هو مونتاج وتركيب ومزج لأعمال مفترضة تقدم في زمن الحرب، لكنه في الحقيقة نوع من التجلي لاكتشاف التنوع والتغير البشري وكأنه نوع "متلون" في تبدل الألوان والكيفيات المتشكلة مع مرور الوقت. إن المسرحية تعتمد علي الفقر في المسرح والتقليل الممكن من الديكورات والإكسسوارات المرافقة، بهدف لا يخرج عن (شروط مسرحه الحدودي أو المتاخم)، بل ويتلاءم مع شروط الظرف نفسه، ومع إمكانيات الممثلين في تلك الظروف. إنه استفادة مقننة الغرض منها أن تصب في خدمة النص وإبراز قوته التمثيلية من خلال الحواريات المطولة والمواقف المتشعبة وطرق السرد المتغيرة والمكررة في كل فصل منها. إن مسرحية "آي.. كارميلا" هي تأكيد محتمل لقصة خيالية في ظل ظرف تاريخي درامي واقعي. وهي درس بآن واحد للتيقن من الشرط البشري في أزمنة الخراب. بنشر هذه الترجمة العربية للمسرحية إنما هي محاولة للتعريف بنص متميز سبق وأن قام بتقديمه للسينما المخرج الاسباني الشهير كارلوس ساورا في فيلم حمل العنوان نفسه وحاز علي جوائز عالمية مختلفة، وللتذكير كذلك بأن مؤلفاً مثل سانشيس سينيسترا لا يقل شأناً عن مسرحيين أوربيين آخرين، بل بإضافاته وكتاباته وتنظيراته، يعد اليوم واحداً من أهم الأصوات المسرحية في أوربا والعالم، ومسرحية "آي.. كارميلا" تعتبر نصه المسرحي بامتياز ضمن ما قدمه في مسيرته المسرحية الطويلة والتي تتعدي نصوصها أكثر من أربعين نصاً مسرحياً بين منشور ومخطوط.