ذات يوم نادت علي جدتي، يانصرة ياجدة تعالي يا حبيبتي اتيت مسرعة وكلي لهفة لاستمع منها حكاياتها عن جدي وأبي وأعمامي مع اليهود الملاعين كما تسميهم، احتضنتني جدتي وقالت لي اذهبي لغرفتي وخذي كرسي التسريحة الصغير وضعيه امام الخزانة الدولاب، وقفي عليه وتناولي احضري صندوقي الخشبي الصغير من فوق الخزانة واصحك تطيحي »كوني حذرة من ان تقعي، ذهبت مسرعة وانا اسمع لصوتها الحنون يحدثني كل نصف دقيقة تقريبا قائلة: ها لوين وصلتي. عندما اتيت لها بالصندوق لمعت في عينيها الدموع وتنهدت مستذكرة أحداث الماضي.. لم يدم ذلك طويلا فنظرت الي ومدت يديها التي بدت علي اثارهم معاناة السنين وابتسمت قائلة: هاتي ياجدة، وفتحت صندوقها الخشبي واعطتني مفتاحا ذا شكل غريب لم ار مثله من قبل، وقالت هادا يا جدة مفتاح دارنا اللي طلعونا منه اليهود الملاعين قبل 64 سنة، وهدول الأوراق اوراق الطابوا للأرض والدرار أوراق حق الملكية قاطعتها متسائلة لم احتفظتي بهذا المفتاح؟ قالت: لانه حقنا وان شاء الله بنرجع له بيوم من الأيام. يانصرة ياحبيتي هاحكي لك اليوم عن نكبتنا قبل 64 عام، ليس نكبة الفلسطينيين وحدهم، بل نكبة العرب ككل فاليهود الملاعين عام 1948 لم يكن عددهم كبير بالنسبة للفسطينيين والعرب، فكان عدد اليهود وقتها في فلسطين لم يتجاوز 100000 بينما عدد الفلسطينيين أكتر من مليون، لكن الفرق بينا وبينهم انهم كانوا مخططين احتلال بلادنا بالتعاون مع الانجليز البريطانيين الانجاس، هما اللي حموهم ووطنوهم ارضنا ووطنا، لما اليهود دخلوا بلادنا بالسلاح وبالقتل والمجازر والمذابح احنا بالأول ما رضينا نترك بلادنا، واصحك ياجدة في يوم تفكري مثل هدول اللي ما بيخافوا الله اللي بيحكوا عنا انا تركنا بلادنا بخاطرنا، والله ياجدة ما تركناها الا لما ذبحونا وجزرونا بهداك الحين في ذلك الوقت القتل والذبح صار في اكثر من 500 قرية، وسكت العالم العربي وقتها، في الوقت اللي لقوا فيه اليهود الملاعين كل الدعم من الانجليز الأنجاس والأمريكان كمان الله لايربحهم، هادي المذابح اللي خلتنا نترك بلادنا.. لكن يانصرة كل واحد ترك داره معاه مفتاح مثل هاد اللي معك، مشان نضمن حقنا في دارنا وعلي أمل ان نرجع لبلادنا عن قريب ان شاء الله وما في شي بعيد عن الله. بتعرفي يانصرة ليش اسم جدتك فلسطين؟ قلت وكلي ثقة: لانه جدي الكبير بيحب بلادنا كتير، قالت: طبعا ما في حدا ما بيحب وطنه لكن كمان في سبب تاني وهو انه بعد ما اتهجرنا وطلعنا من دورنا ما معنا اشي غير المفتاح و ذكرانا ببلادنا، اصر جدك انه يسميني فلسطين مشان ما ننساها بيوم من الأيام، وكمان سمي اخوي ياسين مشان نتذكر مذبحة دير ياسين اللي قتل فيها اليهود الملاعين منا اكتر من 250 فلسطيني، والله لايكسبهم تركوا اكترمن 50 طفل بعمرك واقل كمان يموتوا من دون ما يسألوا عنهم، كمان اخدوا عدد من رجال القرية وطافوا بهم في القدس محتفلين بنصرهم. وقتها كمان يانصرة جدك الكبير سمي اخوي التاني تحرير لانه انضم لجيش التحرير مشان يحرر البلاد، لا تنسي يا نصرة انه من وقتها واحنا اخدنا عهد علي نفسنا ان كل مولود النا يكون له اسم بيحمل رمز ومعني مشان نبقي دايما متذكرين بلادنا اللي اخدوها منا غصب، سألتها وابويا ياجدة ليش اسمه نضال؟ قالت: لانه اتخلق بعد نكسة 1967، فسميانه نضال حتي دايما نبقي مناضلين بوجه المحتل، سألتها وأنا ليش اسمي نصرة؟ قالت: لأنك اتخلقتي بعد ما انسحب المحتل من قطاع غزة. اعرفي يانصرة انه مهما بعدنا عن دارنا لازم نبقي متمسكين بحق عودتنا لديارنا وارضنا ولازم تحافظي علي مفتاحنا مهما طال الزمان، وخليكي علي يقين يا جدة انه ربنا هينصرنا بالأخير وما راح يتخلي عنا طول ما احنا ما اتخلينا عن ايمانا به وبحقنا بالأرض وبحق عودتنا.. احتضنتي جدتي وقالت وبعينيها الدموع هنرجع بيوم من الأيام باذن الله.