نقل السفارة الأمريكية للقدس يحتاج أسلوباً جديداً في المواجهة، فلم يعد نافعاً الطرق التقليدية، مثل بيانات الشجب والإدانة والتظاهرات والاعتصامات، وتبادل الاتهامات.. فقضية القدس عربية إسلامية، وتخص العرب والمسلمين جميعاً، وليست قضية دولة بعينها، وإسرائيل هي التي تحتلها، وأمريكا هي التي نقلت سفارتها.. والغضب يجب أن يذهب إلي الوجهة الصحيحة. بات ضرورياً تكثيف الدعم العربي الكامل للقيادة الفلسطينية في خطة التحرك التي أعلنتها، وأهم محاورها اتخاذ جملة من الإجراءات القانونية والقضائية، ضد الدول التي تنقل سفاراتها للقدس، والتأكيد علي أن ذلك مشاركة في العدوان علي الشعب الفلسطيني، ويجهض التسوية السياسية اللازمة، وانتهاك للقانون الدولي، وقرار مجلس الأمن 478، والتزامات الولاياتالمتحدة تجاه عملية السلام. مبادرة السلام العربية يجب أن تخرج من الثلاجة، والتأكيد علي أن السلام هو الخيار الوحيد، وأن أمن إسرائيل لن تحميه الجدران العازلة من غضب العرب والمسلمين، وإسرائيل تعلم جيداً أن الزمن مهما طال، فالقدسالشرقية عربية إسلامية، ولن تكون غير ذلك، وأن محاولات السطو علي التاريخ والمقدسات مآلها الفشل، ولن يأتي مغتصب أقوي من الصليبيين، ولا الجيوش التي جاءت بالآلاف، لتغيير طبيعة المدينة المقدسة وإقرار أمر واقع، وفعلوا أكثر مما تفعل إسرائيل الآن من عمليات قرصنة، ومحاولات لتغيير الملامح ومحو الهوية، ولكن تحطمت موجات الغزو لاستحالة طمس الحقائق القانونية والتاريخية للقدس الشرقية. إسرائيل تحمي نفسها بالمستوطنات وليس بالسلام، وتحاصر نفسها بالكتل الخرسانية خوفاً من الغضب، ولكن متي كانت البروج تحمي من الغضب، وتصون الدول وتقيم علاقات طيبة مع الجيران؟.. ومتي كان اغتصاب الحقوق سنداً للشرعية وتثبيت الظلم والقهر والعدوان؟.. ومتي كانت القوة الغاشمة سبيلاً لتحقيق المكاسب ؟. القدس وديعة لدي الاحتلال وليست غنيمة، وأمانة في أعناق كل عربي ومسلم، يريد أن يحمي الأقصي من الهدم والتدمير، ومن المخططات الشيطانية التي تدبرها إسرائيل في الخفاء، وإذا أرادت إسرائيل أن تعيش في سلام فلتترك القدسالشرقية لأصحابها، وتمتد جسور التعايش السلمي الآمن بدلاً من الحصون والقلاع والقتل والرصاص، وإذا انفتحت نافورة الدماء فلن تتوقف أبداً، دماء لا يعلم أحد من يريقها ومن يشربها. القدس ليست مجرد حدث عادي يستيقظ عليه العرب فيثورون ويغضبون ثم يهدأون وينامون انتظاراً لعدوان جديد، ولكنها ملف سيظل مفتوحاً وينزف ألماً ووجعاً، وواجب أبناء الأمة بدلاً من البكاء والنواح، أن يتسلحوا بالقوة، وأن يجعلوا من مدينتهم المقدسة، قضية يلتفون حولها ويرفعون رايتها.. وإذا لم يتحدوا من أجل القدس، فعلي أي شيء يمكن أن تتوحد كلمتهم؟ لا تكفي بيانات الشجب والاستنكار، أو الشجار العربي العربي، فهي أكوام مكومة تعلو أمتاراً، لكنها لم تسترد شبراً من الأرض، ولم ترد ذرة من الكرامة.. ولو ظل العرب يشجبون ويدينون، فلن تعود القدس ولن يرتفع الأذان في مآذن الأقصي، وستنعم إسرائيل بسرقة التاريخ والمقدسات كما سرقت فلسطين، القدس لن تعود إلينا إلا إذا عدنا إليها، والأقصي ليس في حاجة إلي الدموع والنحيب والبكاء، بل إلي العمل والقوة والعطاء. ضاعت القدس حين نجح الأشرار في إيقاع المنطقة في براثن الجماعات الإرهابية، التي وجهت الرصاص إلي قلوب أبناء وطنهم، ولم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، التي استغلت دخان حرب العرب علي العرب، لتلتهم القدس قطعة قطعة، واسترداد القدس يبدأ باستعادة المدن العربية التي تئن تحت وطأة الإرهاب.