صورتها..هذه المرة في مجال غريب ومدهش. لافتة تحمل شعار : دستور لكل المصريين. سعاد حسني تنظر تلك الابتسامة المليحة بكل ما في طاقتها من بهجة لملمتها من الدنيا القريبة منها. سعاد منحت نفسها للصورة..لتشاركنا بعد سنوات طويلة و بعد طيرانها من شرفة لندنية...في دفاعنا عن حياة يريد أمراء اليوتوبيا الدينية اختطافها. سعاد حسني ضربت كل التوقعات.. خرجت عن كل قيد يكبل حريتها.. هي القلقة المتوترة بين اقصي تبتل للقديسات... واقصي تطرف للمتحررات... سعاد التي عاشت علي الحافة.. وفي قلب مغامرة بحث غامضة عن شيء مجهول في روحها.. هذه الانثي الطاغية الباحثة عن الحب.. والنجمة التي راحت ضحية بحثها عن صورتها خالدة النضارة.وهي غير سعاد التي تحاصرها روايات تحبسها في سير منضبطة علي مقاس العائلات الاليفة.سعاد لم تكن علي مقاس جمهور يضع نجومه كالتماثيل في المتاحف.. استمتعت في حياتها وبعد رحيلها المثير بحب الجمهور وبصعودها الي مصاف النجمة الأولي.. وهي الدرجة المحجوزة لنوعية خاصة جدا من فنانين يختزلون حياتهم كلما اقتربوا من هذه الدرجة ليتحولوا بالتدريج الي "كائنات مقدسة" لا تخطئ.. ولا تمارس حياة تشبه البشر العاديين أم كلثوم مثلا بذلت جهدا خارقا في إتلاف صورة التقطها لها مصور صحفي علي الشاطئ وهي ترتدي مايوه أسود وكانت الصحافة تحرص علي أن تصفها دائما بأنها لا تدخن ولا تسرف في شيء وكذلك فاتن حمامة تركز الصحف علي قرارها بالامتناع عن القبلات الساخنة واعتبار ذلك "مثالا أخلاقيا نادرا".كان علي النجم صياغة صورته كما يفعل الزعماء بلا رتوش ولا هفوات ولا حركات طائشة ولا رغبات ولا ألم زائد او فرحة غامرة.... مقاييس دقيقة لصناعة مثال (او تمثال) مطلق. سعاد حسني خدشت هذه الصورة عاشت حياتها علي الشاشة وخارجها.. بالطول والعرض.. كانت امام الكاميرا سمكة في البحر.. وفي الحياة طفلة شقية.. تبحث عن رغبات مجنونة وتلهث وراء إشباع حرمان ابدي.. ورغم أن أخبار مغامراتها العاطفية وزيجاتها والشائعات حولها كانت حاضرة علي الدوام في صورتها أمام الجمهور إلا أنها لم تخسر موقع النجمة التي عبرت كما لم تعبر غيرها عن شقاء وعذاب وفرح وتألق المرأة.لم تكن سعاد حسني تؤدي دورا في الحياة، بل كانت تشعر بحرية وتكسر "الدور المكتوب" تخرج عن النص الاجتماعي والفني تغني وترقص وتحب وتشتهي.. احبت التمثيل حتي الثمالة خسرت بسببه الحلم بحياة هادئة ومشروع بيت مستقر وظل رجل وغريزة أمومة جارفة. ظلت سعاد حسني علي الشاشة جسدا حرا يفسح مساحة واسعة للروح تنطلق وتملأ المسافة بين السينما والواقع بشحنات نارية.. هذه الشحنات تفسد كل محاولات ترويض الطفل الدائم النائم بداخلها. هذه الطفولة الهاربة من التحنيط الحي..هي ما جعل سعاد تشاركنا حرب الدفاع عن البهجة.