لست مغرماً بالقرود ولا النسانيس، حتي عندما كنت أزور جنينة الحيوانات في الأيام الخوالي لم تكن جبلاية القرود من الأماكن التي تستهويني ومع ذلك فوجئت عقب صلاة الجمعة الماضية في البلد بابن أختي صيدلي البياضية الأشهر الدكتور سلام خيري يقول لي: مش حاتيجي تتفرج علي النسناس ياخال؟ في البداية ظننتها مزحة ولكن كل من يعرف آل سلام يعرف أنه لا شيء غريبا أو مستبعدا عندهم، فلبيت دعوته حيث وجدت نفسي بالفعل أمام نسناس حي من لحم ودم ووقف مصطفي خيري شقيق سلام الأكبر يشرح لي كيف أن بعض الجيران استغاثوا بوالده الحاج خيري عندما فوجئوا بنسناس في الأرض الزراعية المجاورة لهم، ولأن الحاج خيري مبتكر بطبعه وورث ذلك عنه جميع أولاده حيث بفضل الله لا يقف أمامهم أي شيء ولديهم دائما حلول لأي مشكلة، لذا قام الحاج خيري ومصطفي علي الفور بابتكار وتصنيع مصيدة تشبه مصيدة الفأر ولكن بحجم أكبر لتسع ذلك النسناس وقام الحاج خيري بوضع ثلاث من أصابع الموز في طرف المصيدة الأعلي بحيث يدخل النسناس ليلتقطها لتكون في انتظاره المفاجأة حيث يغلق باب المصيدة فلا يستطيع منها فكاكاً. لم يستغرق الأمر أكثر من نص ساعة من نصب المصيدة حيث كان النسناس قد شرف بداخلها وسط دهشة جميع الجيران الذين كانوا يترقبون ما سوف تسفر عنه مغامرة الحاج خيري سلام وأولاده مع ذلك النسناس حيث ظهرت مشكلة ضيق المصيدة علي النسناس الذي كان يدور حول نفسه في تبرم وأسي من ضيق المكان الذي وجد نفسه فيه فعقد الحاج خيري اجتماعا تشاوريا مع مصطفي وسلام انتهي إلي ضرورة تصنيع قفص حديدي كبير شبيه بجبلاية القرود في جنينة الحيوانات وهكذا تفرغ مصطفي الذي ركن مؤهله العالي حتي يعمل ما يحب فنجح أن يكون أحد أهم مصممي ومنفذي الأبواب الحديد علي مستوي الصعيد كله فاستخدم هوايته وحبه للمغامرة التي هي من جينات آل سلام وقام بتصنيع القفص الحديدي المطلوب مع لمسات الحاج خيري الذي صمم القفص علي هيئة جبلاية بداخلها مراجيح وأماكن تصلح للتسلق حتي يوفر للنسناس البيئة التي يعيش فيها وكانت المشكلة في كيفية نقل النسناس من المصيدة الصغيرة للقفص الكبير وهنا برزت براعة الدكتور سلام الذي حقن النسناس بعد ترويضه بصعوبة بمادة مخدرة حتي تتم عملية النقل حيث أفاق النسناس ليجد نفسه في جبلاية حقيقية! داعبت الدكتور سلام قائلا له إني أريد إجراء حوار صحفي مع ذلك النسناس فرحب وقال لي إنه مستعد للقيام بأعمال الترجمة فوقفت متأملا للنسناس وحركاته البهلوانية وهو يتنطط فرحا مبتهجاً وأوشكت أن أسأله عن موطنه ومن أين جاء، هل تم طرده والاستغناء عنه مثلا بعد خروجه للمعاش، هل هو حزين لإصرار الحكومة علي الطعن علي الأحكام التي صدرت لأصحاب المعاشات، ماذا يفعل في ظل غلاء الأسعار وأين يسكن؟، كان النسناس ينظر لي وكأنه يفهم ما يدور بداخلي ثم حدثت المفاجأة عندما قلت له بصوت مرتفع: هل تريد أن نفتح لك القفص لتنطلق إلي أرض الله الواسعة وتجرأت وفتحت باب الجبلاية لكن النسناس لم يخرج وإذا به يشير إلي خيرات الله التي وفرها له الحاج خيري من سكن صحي وموز وبطيخ وفول سوداني وغيرها من السلع التي أصبحت فقط في مستوي الوزراء والسفراء بعد تعديل رواتبهم ومعاشاتهم ففهمت الرسالة وأغلقت عليه الباب وودعته قائلا:ِ عندك حق، ابق مكانك ولا تغادره وهنيئا لك أيها النسناس المحظوظ.