فرض القيود علي الإبداع ومحاكمته ظهرت بشائره مبكراً، من قبل حتي وصول الإسلاميين للسلطة، وتنازلات الحكومة بدأت بمجرد مع وصولهم إلي البرلمان، وهكذا فأعطتهم أكثر مما يتمنونه، وهم بدورهم استمرأوا اللعبة، وبدأوا في الضرب في جميع الاتجاهات. محاكمة عادل إمام، ومنع مسرحية بساقية الصاوي، كانت مجرد بداية. بعدها جاء ما هو أشد: تحريم الإبداع بقوانين جديدة. هكذا يقدّم الشيخ السيد عسكر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، وأحد أعضاء حزب الحرية والعدالة، مشروع قانون لتجريم المشاهد الإباحية في وسائل الإعلام لإقراره بمجلس الشعب. أهم ملامح المشروع تكليف الجهات المسؤولة بمنع المشاهد الإباحية وتوقيع عقوبات رادعة علي المخالفين، ومضاعفتها في حالة العودة. ويري عسكر أن القانون سيُطبق علي الأفلام القديمة والجديدة، وعلي كل محتوي يضر بالمجتمع. وبالتوازي مع هذا القانون، قدمت الحكومة قانوناً آخر، أكثر فاشية من القانون الإخواني، تؤكد المادة الثانية فيه علي القيم الدينية والتزام البرامج بمكارم الاخلاق وضرورة الحرص علي تقديم الفن الرفيع البعيد عن الابتذال والسوقية. ويحرم كل ما من شأنه تجريح المعتقدات الدينية أو ذات الفكر المتطرف التي تثير الجدل الديني بين الطوائف، وما يفرق بين الناس بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة، كما يحرم بث برامج بها تعاطي مخدرات أو محرمات أخري كالخمر والميسر. وينص هذا القانون علي عقوبات حبس وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف أو إحدي العقوبتين. الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد رد علي هذين القانونين بقوله:" الحكومة والحرية والعدالة وجهان لعملة واحدة". وأضاف عبد المجيد أنهم بذلك :"يريدون محو تاريخ الأمة من أجل بناء حاضر تافه، وأن التيار الإسلامية تعمل وفق أجندة وهابية متخلفة، ولننظر لما حدث مؤخراً مع المحامي المصري في السعودية". ويري عبد المجيد أن الحكومة اختارت الانبطاح، وأنها بمشروع قانونها "تريد الخراب لمصر، فالإسلاميون يعتقدون أنهم يفهمون العلاقة بين العبد والله، ويريدون أن يفرضوا رؤيتهم، التي تري أن غيرهم كفرة. إنها وسيلة لفرض السلطة علي الشعب، والبداية من فرض هذا القانون الذي سيليه نشر جماعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا تخلف لا يليق بتاريخ وحضارة الشعب المصري". ويسأل إبراهيم عبد المجيد:"لماذا لا يهتمون بتنظيف الشوارع وتشغيل العاطين بدلاً من محاولة تحويل مصر لحديقة حيوانات؟" ويضيف:" لا شك عندي أنهم يريدون أن يهاجر الفنانون والكُتّاب لنترك لهم البلد فيحولونها إلي حضارة صحراوية، حضارة العبيد والإماء". السؤال الذي طرحته الدكتورة والكاتبة سمية رمضان كان:" ما هو الإباحي؟" تواصل رمضان:" وإذا كان التيار السيد عسكر يري أن السينما إباحية، فبالتالي علينا أن نلغي التعليم والحياة، لأن الوجود سيصبح بنفس هذا المنطق اباحياً" وتضيف:"هل من الممكن اعتبار فيلم "الكيف" معارضاً للقيم ويعرض المجتمع للخطر؟ هل هو فيلم إباحي؟ أما ما يخص قانون الحكومة، قالت رمضان:" واضح أنها تبحث عن مواءمة.. ولنتفق أن كل العالم ضد المخدرات، وأن هناك قيماً متفقاً عليها، لكن يجب التعامل معها بحكمة. أنا ضد الإباحية، لكن القمع إباحية أكبر" وختمت:"هناك حس بالتنازل من جانب الحكومة، إنه حق يراد به باطل. وأري أنه يجب الوقوف وقفة صارمة لمواجهة مثل هذه القوانين، فالإباحية مكانها الكباريهات، بينما ما يقدم في السينما يسمي فنا، وأي تنازل من قبل الحكومة سيعرض الإبداع لخطر، علي أية حال، السيد عسكر يعاني من مرض الهوس بالسيطرة، والحكومة تعاني من تزلف الشارع، وهي امراض نفسية معروفة".